قصي وكبير مساعدي صدام نقلا مليار دولار على متن 3 مقطورات فجرا

مسؤولون أميركيون وعراقيون: سكرتير صدام وابنه سحبا المبلغ من البنك المركزي قبل ساعات من بدء الحرب

TT

كشف مسؤولون اميركيون وعراقيون ان قصي، الابن الثاني للرئيس العراقي المخلوع صدام حسين، ومستشارا مقربا من قيادة النظام السابق قد استوليا على مبلغ مليار دولار نقدا من البنك المركزي، وذلك قبل بداية حملة القصف التي انتهت بانهيار النظام السابق.

وقال مسؤول عراقي على علم بالحادثة، التي تعتبر واحدة من اكبر عمليات نهب المصارف في التاريخ، ان العملية تمت بموجب تعليمات مباشرة من صدام حسين نفسه. وأوضح المسؤول العراقي الذي طلب عدم ذكر اسمه انه لم تقدم أي أسباب أو توضيحات لأخذ المبلغ من خزائن البنك من قبل المسؤولين العراقيين السابقين، كما لم يوضح لأي من المسؤولين بالبنك المركزي الجهة التي ستؤخذ اليها الاموال.

وأضاف المسؤول العراقي، الذي كان يشغل منصبا رفيعا في احد البنوك خلال فترة النظام العراقي السابق، ان «تلقي اوامر من صدام حسين يعني ببساطة ان لا مجال مطلقا للنقاش حولها»، وأوضح انه ابلغ بأخذ هذا المبلغ من قبل مسؤولين ماليين عراقيين سلموها بدورهم الى قصي صدام حسين والمستشار المذكور.

وتلقي هذه الحادثة بعض الضوء على ما كان يحدث في الايام الاخيرة لحكم صدام حسين، الذي ادى تركيزه على العلاقات العائلية الى مقارنته بالمافيا، كما تلقي الضوء ايضا على اعتزام الرئيس العراقي المخلوع تمويل عملية فراره والبقاء والعيش خارج السلطة.

وأشار المسؤول العراقي الى ان قصي صدام حسين وعبد حمود حميد السكرتير الشخصي لصدام حسين، هما اللذان اشرفا على اخذ المبلغ من خزائن البنك المركزي. وأضاف ان المبلغ اخذ من داخل البنك حوالي الساعة الرابعة من فجر يوم 18 مارس (آذار) الماضي، أي قبل ساعات من اول ضربة جوية اميركية. كما اوضح ان الرجلين كانا يحملان خطابا يحمل توقيع صدام حسين ويخول لحامليه سحب المبلغ من البنك المركزي.

حمل المبلغ، الذي يقدر بحوالي 900 مليون دولار من فئة الـ100 دولار، بالاضافة الى 100 مليون يورو، على متن ثلاث مقطورات سحبت بواسطة ثلاثة جرارات. واستغرقت عملية شحن المبالغ على متن المقطورات الثلاث من قبل فريق من العاملين في البنك حوالي ساعتين، اذ تمت العملية بكاملها قبل وصول موظفي البنك المركزي الى مقر عملهم صباح ذلك اليوم.

جدير بالذكر ان الاستيلاء على هذا المبلغ من خزائن البنك المركزي العراقي كان قد أكده مسؤول بوزارة الخزانة الاميركية يعمل مع مسؤولين ماليين عراقيين يسعون لاعادة بناء النظام المصرفي في العراق.

من جانبهم، قال مسؤولون عراقيون انهم لم يتأكدوا بعد من الآثار التي يمكن ان يتركها اختفاء مليار دولار على الاقتصاد العراقي. وقدر المسؤول المصرفي العراقي المبلغ الذي جرى الاستيلاء عليه من قبل قصي صدام حسين وعبد حمود بحوالي ربع احتياطي البنك المركزي العراقي من العملات الصعبة. وطبقا للتقديرات، فان مبلغ المليار دولار يساوي ضعف مبالغ العملات الصعبة التي يعتقد ان تكون قد نهبت في العراق خلال فترة الاسابيع الثلاثة التي اعقبت انهيار النظام العراقي السابق. وقال مسؤولون اميركيون وعراقيون ان المبالغ التي نهبت من المصارف العراقية في مختلف مدن البلاد بعد يوم 9 ابريل (نيسان) الماضي تقدر بحوالي 400 مليون دولار بالاضافة الى 40 مليون دينار عراقي على الاقل.

اختفاء مبلغ يقدر بحوالي مليار دولار أثار مخاوف في العراق من احتمال استخدامه في تمويل بقايا نظام صدام حسين، اذ يعتقد ان الكثير من كبار مسؤولي النظام السابق لا يزالون مختبئين في بغداد او المناطق المحيطة بها. وأكد اعضاء في «المؤتمر الوطني العراقي»، الذي يتزعمه احمد الجلبي، ان هذه الاموال ربما تشكل عنصرا اساسيا في ما يعتقدون انه استراتيجية لصدام حسين لمرحلة ما بعد الحرب يخطط من خلالها للعودة الى السلطة.

ولم يزعم أي من المسؤولين الاميركيين او العراقيين معرفة مكان المليار دولار التي جرى اخذها من البنك المركزي ببغداد ولا حتى مكان صدام حسين نفسه او ابنه قصي او عبد حمود. يشار الى ان الثلاثة مدرجون في قائمة المطلوبين من قبل الولايات المتحدة.

وجاء اصرار المسؤول المصرفي العراقي على عدم الكشف عن اسمه بسبب خوفه من ان يقع ضحية لصدام حسين او واحد من رجاله الذين لا يزالون في حالة فرار.

ويشتبه بعض المسؤولين الاميركيين في ان المبلغ ربما يكون نقل سرا عبر الحدود الى سورية بنفس الطريقة التي فر بها كبار المسؤولين السابقين من العراق.

من جانبه، قال الكولونيل تيد سيل، ضابط القوات الخاصة الاميركية الذي اكد انه على علم بالاستيلاء على مبلغ المليار دولار من البنك المركزي ببغداد، ان ثمة معلومات استخباراتية اشارت في ذلك الوقت الى ان مجموعة من المقطورات المسحوبة بواسطة جرارات قد عبرت الحدود العراقية الى داخل سورية. واضاف الكولونيل سيل، الذي يعمل مع المؤتمر الوطني العراقي، ان محتوى المقطورات لم يكون معروفا.

وكان الرئيس العراقي المخلوع يتمتع بسلطة مطلقة، لذا لم تتضح بعد القوانين التي انتهكت بالاستيلاء على مبلغ المليار دولار، بيد ان مسؤولا مصرفيا عراقيا اشار الى ان المصارف العراقية لم تكن تعاني من الكثير من التدخل خلال فترة النظام العراقي السابق. وأضاف ان الرئيس المخلوع واسرته كانوا يطلبون احيانا مبالغ نقدية قد تصل الى خمسة ملايين دولار ولكن ليس بالحجم الذي اخذ من البنك المركزي فجر يوم 18 مارس الماضي.

وأوضح المسؤول ان قصي صدام وعبد حمود احضرا معهما خمسة اشخاص الى البنك، بينهم مدير البنك المركزي العراقي ووزير المالية ومدير الخزانة. وقال انه بخلاف هؤلاء فان الحضور اقتصر فقط على العمال الذين شحنوا المقطورات وسائقي الجرارات. وأشار المسؤول العراقي الى ان وزير المالية العراقي السابق، حكمت العزاوي، يخضع حاليا للحبس لدى السلطات الاميركية.

ويرى جورج موليناكس، وهو مسؤول بوزارة الخزانة الاميركية، ان المبلغ المذكور استولى عليه «رجال صدام حسين». ويقدر موليناكس المبلغ بحوالي 900 مليون دولار، وهو مبلغ يعتقد انه بالامكان نقله على متن ثلاث مقطورات او شاحنات مسطحة. ويعتقد موليناكس انه من المحتمل ان تكون اجزاء كبيرة من هذه المبالغ قد استعيدت، وأشار الى ان مبلغ 650 مليون دولار من فئة 100 دولار والذي عثر عليه رقيب في القوات الاميركية بالقرب من احد قصور صدام حسين الشهر الماضي، ربما يكون جزءا من مبلغ المليار دولار الذي اخذ عشية الحرب.

الا ان المسؤول المصرفي العراقي اعرب عن اعتقاده ان مبلغ 650 مليون دولار يخص عدي، الابن الاكبر للرئيس العراقي المخلوع، اذ أوضح المسؤول ان عدي معروف بميله لتخزين اموال نقدية ضخمة.

تجدر الاشارة الى ان مسؤولين اميركيين وعراقيين قد استعادوا مبالغ نقدية كبيرة منذ سقوط نظام الرئيس العراقي السابق. فقد استعاد الشهر الماضي موظفون ببنك عراقي بمساعدة جنود اميركيين شاحنة مصفحة كانت محملة بمبلغ 250 مليون دولار. وكان ضياء حبيب الخيون، مدير بنك الرافدين الذي يعتبر واحدا من اكبر المصارف العراقية، قد قال ان مبلغ الـ250 مليون دولار الذي استعيد كان قد جمع وجرى تخزينه في الشاحنة المصفحة من مختلف فروع البنك.

وفيما لم يعرف بعد الغرض الذي اخذ من اجله مبلغ المليار دولار من البنك المركزي ببغداد عشية الحرب، من الواضح فيما يبدو ان الرئيس العراقي المخلوع قد اتخذ خطوات في الايام الاخيرة من عمر نظامه لأخذ ولو جزء على الاقل من اموال البلاد.

وصرح الخيون بأنه تلقى تعليمات مطلع شهر مارس الماضي بتوزيع ودائع المصرف من العملات الصعبة على فروع المصرف ببغداد بهدف تأمين العملات الصعبة في حال تعرض رئاسة المصرف للغارات الاميركية.

واعرب مسؤول وزارة الخزانة الاميركية، جورج موليناكس، عن اعتقاده ان خزنات البنك المركزي ببغداد لم تفتح منذ بداية الحرب، بيد ان مسؤولاً عراقياً قال ان حوالي 18 مليار دينار عراقي، أي ما يعادل 9 ملايين دولار اميركي، قد نهبت من المصرف من قبل اللصوص. وكانت القوات الاميركية قد اغلقت المنطقة المحيطة بالبنك المركزي ومنعت دخول أي شخص عدا الموظفين.

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»