الأحزاب والتنظيمات السياسية العراقية الرئيسية تعد بيان احتجاج رسمي لواشنطن ولندن على خطط إعلان سلطة احتلال

بارزاني وطالباني والجلبي يعترضون على تأخير انتقال السلطة ويحذرون من ردود الفعل

TT

قال متحدثون باسم احزاب وتنظيمات السياسة العراقية انها بصدد إعداد مسودة بيان احتجاج رسمي للسلطات الاميركية والبريطانية ازاء خططها الخاصة بإعلان سلطة احتلال في العراق مما سيؤدي الى تأخير انتقال سيادة البلاد الى يد حكومة عراقية انتقالية.

وأكد سياسيون عراقيون اجتمعوا ليل اول من امس مع ديفيد مانينغ، مستشار رئيس الوزراء البريطاني توني بلير لشؤون السياسة الخارجية، على رغبتهم في العمل مع واشنطن ولندن، لكنهم ابدوا معارضة قوية لأي تراجع عن السياسة التي اعلنت يوم الجمعة.

وقال هوشيار زيباري، المتحدث باسم مسعود بارزاني، زعيم اكبر فصيل كردي، للمبعوث الخاص لرئيس الوزراء البريطاني ان التحالف في حاجة الى شريك سياسي في العراق، لكنه حذر من الفشل في ملء الفراغ السياسي بحكومة عراقية فاعلة من الممكن ان يؤدي الى ردود فعل عكسية قوية وسط العراقيين والى تدخل من دول مجاورة تسعى الى التحرك باتجاه ملء هذا الفراغ.

وحذر العديد من المتحدثين من ان تأخر الحلفاء في تشكيل حكومة عراقية سيكون في مصلحة مؤيدي حزب البعث السابق الذي كان يتزعمه الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين للتأكيد على ان ما كان يخشاه العراقيون قد حدث، وهو الإدعاء بأن القوى الغربية قد استولت على العراق وثروته النفطية.

وقال عدد من السياسيين العراقيين انهم يرغبون الآن في الضغط باتجاه تكوين مجلس وطني مؤقت يمنح صلاحيات تسمح له بتعيين حكومة، رغم اعتراض ادارة بوش وحكومة بلير على ذلك.

وطبقا لبعض تفاصيل اللقاء التي كشف عنها قادة عراقيون شاركوا فيه، فإن مانينغ ابلغ المشاركين في الاجتماع بأنه سيحمل احتجاجهم المكتوب وتقريرا حول آرائه الى رئيس الوزراء توني بلير.

وفي نفس الوقت ابدى القادة العراقيون إحجاما عن الدخول في خلاف مفتوح مع الولايات المتحدة وبريطانيا مؤكدين انهم سينتهجون استراتيجية لممارسة نفوذ سياسي بغرض الدفع نحو تكوين حكومة عراقية.

وقال سياسي عراقي انه ليس هناك رغبة في الدخول في خلاف مع الولايات المتحدة وبريطانيا. ويبدو ان توقيت التغيير في الإستراتيجية السياسية في العراق خلال فترة ما بعد الحرب يهدف الى كسب تأييد داخل الامم المتحدة لقرار جديد لرفع العقوبات وإيجاد دور للامم المتحدة في جهود إعادة البناء. وقد اعلنت هذه السياسة يوم الجمعة الماضي بواسطة بول بريمر الحاكم المدني الجديد للعراق خلال اجتماع خاص مع قادة سياسيين عراقيين.

ويعتقد مراقبون ان تغيير هذا النهج وضع الولايات المتحدة وبريطانيا في الواجهة كقوتين محتلتين، كما فتح هذا التغيير الطريق أمام سلسلة من الخطوات التي تهدف إعادة بسط الامن وإعادة بناء مؤسسات الحكومة بمشاركة قوية من منظمة الامم المتحدة. وابلغ مسؤولون تابعون للتحالف ان هذا التغيير ربما ينعكس على إجراءات تشكيل الحكومة العراقية الانتقالية لفترة عام آخر او اكثر. وقال مسؤولون في هذه الاحزاب والتنظيمات العراقية ان هذا القرار كان له اثر نفسي بالغ على العراقيين.

ومن جانبه ابلغ مانينغ ممثل التنظيمات والاحزاب العراقية ان هذا التغيير في السياسة أملته ضغوط سياسية داخل منظمة الامم المتحدة لها صلة بمشروع قرار طرحته كل من بريطانيا والولايات المتحدة اللتين ترغبان في رفع العقوبات المفروضة على وجه السرعة، إلا ان الامم المتحدة تشترط وجود سلطة في العراق للتعامل مع مسائل مثل بيع النفط ورفع التجميد عن ارصدة الحكومة السابقة وتوزيعها، اذ ان وجود حكومة عراقية انتقالية لا يعتبر كافيا لمباشرة مثل هذه المهام.

وأكد مانينغ خلال اجتماعه مع القادة العراقيين على الرغبة في العمل على اساس الشراكة وخروج القوات البريطانية من العراق في اسرع وقت ممكن، لكنه اكد ايضا انه لن يكون بوسع الحلفاء تنفيذ ذلك إلا بعد ان يتأكدوا من تأسيس بنى راسخة يستحقها العراقيون قائمة على ركائز ثابتة، على حد قوله.

وقال عدد من المسؤولين ان بريطانيا تصدت لتوصيل هذه الرسالة الى القادة السياسيين العراقيين على امل إقناع الدول الاوروبية الاعضاء في مجلس الامن بالتصويت لصالح رفع العقوبات عن العراق. إلا ان مسؤولين غربيين قالوا ان الامر اللافت للنظر هو ان بول بريمر، الذي لم يشارك في الاجتماع الاخير، قد ظل مبتعدا بعض الشيء عن الجدل الدائر. واشار هؤلاء الى ان البيت الابيض ربما يمنح بلير هامشا للمناورة مع الاحتفاظ بالحق في استئناف تأييد تشكيل حكومة عراقية على وجه السرعة اذا تطلبت التطورات السياسية في العراق والشرق الاوسط ذلك.

في الاجتماع الذي عقده الزعماء العراقيون يوم اول من امس مع ممثلي قوات التحالف أشار الزعيم الكردي جلال طالباني إلى الدور الإداري الذي لعبته بريطانيا من قبل بالعراق، عندما خاطب مانينغ بعبارة: «سادتنا السابقون». وقال إن الإنتصار على صدام حسين «لن يتعزز ما لم ينل الشعب العراقي حقه في تقرير المصير». وما لم يتمكن من إدارة شؤونه في فترة ما بعد الحرب وفي التحضير لأول انتخابات ديمقراطية بالبلاد.

وقال طالباني إن إقامة «سلطة إنتقالية ضعيفة»، على الطريقة التي تتصورها واشنطن ولندن حاليا، «ستحرم العراق من الاستقلال والسيادة والعلاقات الدبلوماسية. وهذا أمر لا يفيدنا ولا يفيدكم».

وقال زعيم عراقي آخر هو أحمد الجلبي أن الحلفاء لن يغامروا بالكثير عندما يكونون حكومة عراقية إنتقالية، «لأن مثل هذه الحكومة لن تكون لها سلطة كاملة في حضور مئات الآلاف من قوات الحلفاء». وقال إن تلك القوات ستكون هي السلطة الحقيقية بالعراق لبعض الوقت وسيحتاج إليها العراقيون في حماية حدود بلادهم وإقامة القاعدة الإقتصادية باستغلال النفط ومنع الجيران من التدخل في شؤون البلاد. وأضاف أن الحلفاء لا يريدون أن يخاطروا فيما يتعلق ببروز قيادة وطنية عراقية. وقال الجلبي: «هل أنتم واعون بأنكم تعطون السلطة الإنتقالية عام 2003، سلطات أقل بكثير مما أعطيتم الحكومة العراقية بعد أن أحتللتم البلاد عام 1920؟ إنكم قد فعلتم هذا من قبل».

وقال أحمد الجلبي انه عندما انهارت الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الاولى، وقعت الحكومة البريطانية إتفاقية مع الحكومة العراقية كانت نتيجتها العملية تمديد النفوذ البريطاني بالبلاد، مع إعطاء الحكم الذاتي للعراقيين الذين كانوا يعيشون في اقاليم الموصل وبغداد والبصرة. وأضاف: «نحن خير الأصدقاء بالنسبة لكم ونحن نرغب في التعاون معكم. ونريد ان تبقى قوات التحالف لفترة طويلة، حتى يتمكن العراق من الوقوف على رجليه من الناحيتين الاقتصادية والعسكرية».

ولكن الجلبي صرح بما يشبه الإنذار بأن الفشل في إنشاء حكومة ذات سيادة ستكون له عواقب وخيمة. واختتم قائلا: «نحن لا نريد أن نجعل من وجودكم هنا قضية».

* خدمة نيويورك تايمز ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»