السلطات المغربية تعكف على وضع خطة للقضاء على أحياء الصفيح في الدار البيضاء

أحزمة البؤس تحولت إلى مرتع للحركات المتطرفة وعمليات «النفخ» في عدد أفراد الأسر عقدت المشكلة

TT

تعكف السلطات المغربية حالياً على وضع خطط تهدف الى القضاء على أحياء الصفيح (القصدير) في الدار البيضاء التي أصبحت مرتعاً للحركات المتطرفة. وكانت التحقيقات التي أجريت بعد «الجمعة المرعبة» قد خلصت الى أن جميع من شاركوا في التفجيرات يتحدرون من حي «سيدي مومن» وهو واحد من أحزمة البؤس التي تحيط بالمدينة وتنتشر فيه بيوت الصفيح.

وعلمت «الشرق الأوسط» أن العاهل المغربي الملك محمد السادس اجتمع خلال زيارته للدار البيضاء عقب الأحداث بمنعشيين عقاريين، وتم خلال الاجتماع بحث أنجع الطرق للقضاء على أحياء الصفيح وتوفير سكن ملائم لقاطنيها. وذكرت مصادر مطلعة ان خطة طموحة ستساهم فيها وزارة الاسكان للقضاء على مدن الصفيح تتبلور حالياً وان الخطة ترمي الى تحقيق ذلك في غضون عامين، بيد أن الأمر سيعتمد على توفير التمويل.

وكانت آخر احصائية أجريت لحصر سكان أحياء الصفيح في الدارالبيضاء قد تمت عام 1992، وتبين وقتها أن عددهم يربو على 53 ألف نسمة يقطنون في 400 حي صفيح منتشرة في مختلف مناطق المدينة بما في ذلك قرب بعض الأحياء الراقية.

وتقول مصادر رسمية محلية إن عدد سكان هذه الأحياء ارتفع بنسبة 15% حالياً. وهو ما يعني أن عددهم يبلغ حوالي 59 ألف نسمة، لكن بعض أعضاء المجالس البلدية في الدار البيضاء يشككون في هذه الأرقام ويقولون ان العدد أكبر من ذلك. وهناك أربعة أحياء تعد من أكبر أحياء الصفيح في المدينة وهي أحياء «طوما» و«الرحامنة» و«زرابا» و«اهل الغلام»، ويعد «كاريان سنترال» من أقدم أحياء الصفيح في الدار البيضاء حيث يعود تاريخه الى منتصف الاربعينات. وإذا كانت معظم أحياء الصفيح في الدار البيضاء قد نشأت نتيجة هجرة قرويين الى المدينة التي تعد العاصمة الاقتصادية للبلاد فإن «كاريان سنترال» تحول الى «حي عريق» ولا يمكن تصنيف سكانه في خانة القرويين، وهناك أعداد بلا حصر من أبناء هذا الحي واصلوا دراستهم حتى الجامعة، بل هناك بعض اساتذة الجامعة يتحدرون منه.

وكانت السلطات قد حاولت عدة مرات ايجاد حلول للقضاء على احياء الصفيح لكن تلك الحلول اصطدمت بقلة الامكانيات وأحياناً بالفساد الاداري وفي أحيان أخرى بعمليات تحايل يقوم بها سكان هذه الأحياء أنفسهم من خلال «نفخ» عدد القاطنين في كل مسكن.

وفي هذا السياق، يقول مسؤول محلي إنه ما أن يسمع سكان أحد هذه الأحياء بان السلطات قررت تحويلهم الى احياء جديدة تتوفر فيها الخدمات وتم تخطيطها بكيفية عصرية لتشيد بها مساكن ملائمة، سرعان ما يبادرون الى دعوة أقارب لهم من مناطق أخرى للسكن معهم حتى يستطيعوا الحصول على أزيد من مسكن أو قطعة أرضية، وهو ما يجعل عملية حصرهم تكتنفها مصاعب وتعقيدات.

ويشرح المسؤول قائلاً «في كثير من الاحيان عندما يتم حصر عدد أفراد أسرة داخل مسكن من مساكن الصفيح، وهو ما يطلق عليه في المغرب اسم «براكة»، وإذا كان للأسرة اولاد أو بنات، تفاجأ السلطات في اليوم التالي بأن أحد الابناء جاء بفتاة لتقطن مع أسرته على أساس أنها خطيبته أو شاب على اساس انه خطيب ابنتهم، وبذلك تصبح الأسرة الواحدة مكونة بين عشية وضحاها من ثلاث أسر. ويعتقد على نطاق واسع في المغرب أن الانتخابات كانت واحدا من اسباب تحول مشكلة أحياء الصفيح الى معضلة، ذلك أن بعض المرشحين وبتشجيع من السلطات المحلية في الماضي كانوا يعمدون لاستغلال هذه المشكلة في المزايدات السياسية في حين كان آخرون يضخون أموالاً داخل هذه الأحياء لشراء أصوات بسبب العوز والحاجة ومهيأة للتصويت على من يدفع أكثر.

وظل شعار «بركة.. بركة... من سكنة البراكة» أي «يكفي من السكن في منزل قصديري» يتردد في جميع الحملات الانتخابية في المدن الكبرى وخاصة في الدار البيضاء، لكن الأمر لا يعدو ان يكون شعاراً تردده الحناجر خلال الحملات الانتخابية.

وخلال السنوات الاخيرة نشطت الحركات الأصولية في هذه الأحياء من خلال أنشطة اجتماعية ضمنها تقديم «قروض» صغيرة للمعوزين ليبدأوا عملاً يجلب لهم قوتهم اليومي، لكن الباب سرعان ما انفتح على مصاريعه لتيارات متطرفة روجت لفكرة «التكفير» التي وجدت هوى في نفوس شبان أقعدهم الفقر وترسخت لديهم فكرة إمكانية تغيير «المنكر بأيديهم».

ويرى مسؤولون محليون أن الحل يكمن الآن في القضاء على هذه الأحياء وليس إعادة هيكلتها كما كان مطروحاً من قبل، كما يرون أن الدولة يجب هذه المرة ان لا توزع بقعاً أرضية على الأسر يتولون تشييدها بأنفسهم كما كان يحدث من قبل، بل بناء مساكن لائقة ونقل سكان أحياء الصفيح لهذه المساكن، لكنهم يقرون أن معضلة التمويل ربما تجهض هذه الخطط الطموحة.

ولا يستبعد أن تلجأ الحكومة المغربية الى الخارج لتمويل هذه الخطط خصوصاً الاتحاد الأوروبي.