واشنطن تصعد ضغوطها على طهران وتطالبها بتسليم عناصر «القاعدة» والتعاون في تحقيقات تفجيرات الرياض

تينيت: هناك فريق في الإدارة يود رؤية ثورة في إيران لكن هذه أحلام

TT

قال مسؤولون في إدارة الرئيس جورج بوش ان الولايات المتحدة تمارس ضغوطا على إيران لحملها على التعاون في التحقيقات الجارية حول التفجيرات الأخيرة بالسعودية، وتسليم عناصر من «القاعدة» تعتقد الاستخبارات الأميركية أنهم يمارسون نشاطهم من داخل الأراضي الإيرانية. ويقول المسؤولون ان الطلب الأميركي لإيران بتسليم عناصر «القاعدة» نقل خلال هذا الشهر وقبل فترة قصيرة من وقوع تفجيرات الرياض، كما جدد هذا الطلب بعد التفجيرات عندما التقطت الاستخبارات إشارات إلى أن أعضاء «القاعدة» المقيمين بإيران ربما لعبوا دورا فيها. وكانت نتيجة الهجمات التي وقعت في 12 مايو (أيار) مقتل 34 شخصا بينهم 9 أميركيين.

وقد عقدت إدارة بوش، منذ هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، سلسلة من الاجتماعات السرية مع مسؤولين إيرانيين في أوروبا ونيويورك لم يكشف المسؤولون الأميركيون عنها إلا مؤخرا.

وقال مسؤول كبير بالإدارة: «بعثنا إلى (الايرانيين) رسالة بدلا عن الالتقاء بهم وجها لوجه. والرسالة فحواها أن العلاقة بالقاعدة خطرة جدا، وأوضحنا نحن وآخرون يهمهم أمر التفجيرات السعودية، أن على إيران أن تتعاون مع التحقيقات السعودية وأن سماحها للقاعدة بالاقامة على الاراضي الإيرانية ليس له ما يبرره».

من جانبهم نفى المسؤولون الإيرانيون أية علاقة لهم بالقاعدة. وفي مقابلة أجرتها معه شبكة «ايه بي سي» في برنامج «هذا الأسبوع»، قال السفير الإيراني لدى الامم المتحدة، جواد ظريف، ان إيران «تتعاون مع الجهود الرامية لاحتواء القاعدة ولكنها لن تستجيب للغة الضغط». وقال إن إيران ألقت القبض على بعض عناصر القاعدة وانها تستجوبهم حاليا وستوفر معلومات عنهم للدول الأخرى». ولكنه أضاف انه «إذا كانت هناك عناصر من القاعدة تمارس نشاطها من إيران، فإن هذا يحدث من دون علم السلطات الحكومية أو في مناطق لا تخضع لسيطرتها». وفي تعليقه على مقالة نشرت أول من أمس في صحيفة «واشنطن بوست»، حول قطع الولايات المتحدة اتصالاتها مع طهران واتجاهها الى زعزعة موقع حكومتها، قال ظريف ان «عناصر بعينها» في واشنطن ظلت تطمح إلى ذلك دائما.

وقال مسؤولون بالإدارة الاميركية ان اجتماعا بين كل الوكالات المختصة سيعقد اليوم لمناقشة بند واحد على جدول اعمالهم هو: هل تعلق واشنطن كل الإتصالات الدبلوماسية بإيران أم لا؟ وقال المسؤول انه إذا لم تبد إيران استعدادا للتعاون مع واشنطن فإن هذه الاتصالات ستعلق إلى أجل غير مسمى، فيما قال مسؤول آخر انه لم يتخذ بعد قرار شامل بقطع المفاوضات مع إيران، مضيفا إنه كان هناك بعض التعاون من قبل الإيرانيين خلال العام الماضي، كما كان لهم بعض الموا قف الإيجابية مثل الوقوف على الحياد أثناء الحربين على أفغانستان والعراق.

وقد وصفت المطالب الأميركية الجديدة لإيران بأنها عامل مهم في تصاعد الجدل داخل الإدارة حول ما يمكن فعله إزاء إيران، التي كان الرئيس بوش قد صنفها أوائل 2002 كواحدة من «مثلث الشر»، الذي ضم معها العراق وكوريا الشمالية. وهناك جدل كذلك في دوائر الاستخبارات الاميركية حول مدى صحة المعلومات عن الصلة بين تفجيرات الرياض وعناصر القاعدة بإيران. وقد قال وزير الدفاع دونالد رامسفيلد الأسبوع الماضي انه «لا يشك» في وجود هذه العلاقة، ولكن مسؤولين آخرين لا يتفقون معه في ذلك. وقد قال أحد مسؤولي إدارة بوش: «هناك جدل في دوائر الاستخبارات حول ما تمثله هذه المعلومات الأخيرة». وقال إن المحادثات الملتقطة وما يسمى بالدردشة الإرهابية، يمكن تفسيرها بطرق مختلفة. وهناك خلافات حول ما إذا كانت لها علاقة بالتفجيرات السعودية أو بالحكومة الايرانية. وقال مسؤولون آخرون إن هناك بعض الشكوك حول طبيعة العلاقات بين الحكومة الإيرانية وأعضاء القاعدة، الذين يبدو أنهم يمارسون نشاطهم في شمال إيران بعد هروبهم من شمال العراق من تقدم القوات الأميركية اثناء الحرب الأخيرة. ويقول بعض المسؤولين إن هذه المجموعات ربما تستخدم الأراضي الإيرانية بصورة مؤقتة ولكن ربما لا يكون ذلك بموافقة الحكومة الإيرانية في طهران. ومن المحتمل كذلك أن تكون جهات معينة داخل الحكومة الإيرانية راغبة في بقائهم، بينما لا ترغب في ذلك جهات حكومية أخرى. وقال بعض المسؤولين ان هذا الواقع المعقد يمثل تحديا واضحا لصناع القرار الأميركي حول إيران.

ويبدو أن انقسام إدارة بوش إلى صقور وحمائم قد ظهر كذلك في الموقف من إيران. فهناك من يقولون ان إيران تعاونت مع واشنطن تعاونا محدودا وفي حالات قليلة، ولكنها مفيدة، ومن ذلك الاستعداد الذي أبدته العام الماضي لتسليم بعض المشتبه في ضلوعهم في اعمال إرهابية من عناصر القاعدة إلى السعودية وباكستان.

وقد أرسلت الإدارة الاميركية، مقابل ذلك، بعض الإشارات الإيجابية باتجاه إيران، مثل إضافة منظمة «مجاهدين خلق» الإيرانية التي كانت تعمل من العراق إلى قائمة المنظمات الإرهابية. ويقول بعض المسؤولين الاميركيين إن الباب ما زال مفتوحا لأن تحقق الضغوط الدبلوماسية بعض النتائج مع إيران، خاصة إذا شاركت روسيا والدول الأوروبية والصين في هذه الضغوط.

ولكن مسؤولين آخرين من الذين يشكون في جدوى الجهود الدبلوماسية في التعامل مع الإرهابيين، ابدوا انزعاجا واضحا من التصرفات الإيرانية، وهناك مخاوف متزايدة من دعم إيران للمنظمات الشيعية في العراق، ومن ضمنها جماعات مسلحة تحاول افتعال مشاكل للاحتلال الاميركي والبريطاني للبلاد، بل تحاول أن تستولي على السلطة في كل العراق. ومن الأمور الأكثر إثارة للقلق حسب تصريحات مسؤولين أميركيين واوروبيين وإسرائيليين، تصاعد وتائر تنفيذ البرنامج النووي الإيراني، وخاصة مصنع إنتاج اليورانيوم المخصب في الصحراء الوسطى للبلاد. ولم تكن منشأة ناتانز معروفة للمفتشين عن الاسلحة النووية حتى وقت متأخر من العام المنصرم. ولكن إيران تصر دائما على أن برنامجها النووي مخصص فقط لإنتاج الطاقة وليس الأسلحة.

وتضغط إدارة بوش على وكالة الطاقة النووية لإصدار تقرير سريع حول منشأة ناتانز يؤكد انها مخصصة لإنتاج الوقود النووي الضروري لصناعة الأسلحة النووية، وذلك على عكس ادعاءات الحكومة الإيرانية. وسيشكل ذلك خرقا لتعهدات إيران بأن تلتزم ببرنامج نووي سلمي بمقتضى توقيعها على اتفاقية عدم انتشار الأسلحة النووية.

ويقول مسؤولون إميركيون ان الجدل الدائر حول إيران لا يقل حدة عن الجدل الذي كان يدور حول العراق في الأيام الأولى لإدارة بوش، وكذلك بعد هجمات 11 سبتمبر (ايلول) 2001 على نيويورك وواشنطن. وكالعادة هنا أيضا فإن المتشددين من وزارة الدفاع، المدعومين من مكتب نائب الرئيس ديك تشيني، يفضلون سياسة المواجهة او على الاقل التهديد بالمواجهة مع حكومة طهران. وكان موقف الإدارة الرسمي هو طرح صيغة «تغيير النظام» عبر دعم جناح الرئيس خاتمي على حساب الجناح الديني المتصلب. وينادي بعض المتشددين داخل الإدارة بانتهاج سياسة أكثر تشددا، بما في ذلك توجيه ضربة عسكرية لمنشأة ناتانز وتوفير دعم أكبر لمجموعات المعارضة الإيرانية بما فيها مجموعة «مجاهدين خلق» الموجودة حاليا بالعراق.

ويقول المسؤولون ان الموقف من مجموعة «مجاهدين خلق» كان مثارا للكثير من الجدل بعد إدراجها في سجل المنظمات الإرهابية إرضاء وإغراء لإيران، ولكن المسؤولين العسكريين الأميركيين وقعوا اتفاقا معها بعد انتصارهم في العراق. وآنذاك، قال المسؤولون الأميركيون ان هدفهم من تجريد «المجاهدين» من السلاح هو منعهم من ممارسة أي نشاط في المستقبل. ولكن يبدو أن مسؤولي البنتاغون يحاولون حاليا حماية المجموعة ومساعدتها باعتبارها منظمة معارضة، على غرار المعارضة العراقية بقيادة أحمد الجلبي قبل الحرب العراقية.

ومن ناحية أخرى فإن المسؤولين في وزارة الخارجية الاميركية يبدون شكوكا عميقة حول امكانية نجاح مخططات البنتاغون ويوردون، ضمن شواهد على ذلك، شهادة أدلى بها جورج تينيت، مدير «سي آي إيه»، أمام الكونغرس، قال فيها إن المعتدلين الإيرانيين أنفسهم يؤيدون صناعة الأسلحة النووية. قال مسؤول بالإدارة: «هناك بالتأكيد عناصر في الإدارة تحب أن ترى ثورة تندلع في إيران. ولكن هذا من قبيل الأحلام».

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»