السجين الفلسطيني الذي يقضي أطول فترة عقوبة في تاريخ السجون البريطانية:

TT

* عميل مزدوج كشف العملية هاتفيا لرجل المخابرات الإسرائيلية في لندن لندن : محمد الشافعي لم ينتب السجين الفلسطيني نزار هنداوي الذي يقضي اطول فترة عقوبة في السجون البريطانية (45 عاما سجنا) بتهمة محاولة تفجير طائرة شركة العال الاسرائيلية وعلى متنها 400 راكب عام 1986 لحظة ندم واحدة أو تأنيب ضمير وهو يستعيد شريط الذكريات مع «الشرق الأوسط» في سجن وايت مور شديد الحراسة بكامبريدج شاير. لحظات من الصمت الكئيب سادت عنبر الزيارات الرئيسي، وهنداوي (47 عاما) والزمن قد ترك بصماته على لون وجهه الضارب الى الاصفرار، وشعر رأسه الذي تحول الى كتلة اشبه بالثلج الابيض. تحدث عن مناولة خطيبته الايرلندية آن مورفي والحامل في شهرها الخامس، حقيبة من المتفجرات في مطار هيثرو بلندن، بل فجر اكثر من مفاجأة تستحق التسجيل وهو يتحدث على مدار اكثر من ساعتين ونصف الساعة، ابرزها ان خطيبته آن مورفي موظفة خدمة الغرف في فندق «هيلتون بارك لين» لم تكن تعلم عن المتفجرات التي كانت في الحقيبة التي اعدها لتحملها لتفجير طائرة البوينج الاسرائيلية فوق جبال النمسا، منذ ان اصطحبها في 17 ابريل (نيسان) 1986 من شقتها في منطقة كليبرن بغرب لندن حتى تم اكتشاف امرها في مطار هيثرو. وثاني المفاجآت هو اعتراف هنداوي انه ليس والد الجنين الذي كانت تحمله في احشائها ويقول انه متأكد من ذلك بنسبة 99 في المائة و«يشهد الله على ذلك»، واعرب عن استعداده لأخذ عينات من دمه او اجراء فحص جيني لاثبات عدم ابوته لهذه الفتاة التي تبلغ من العمر من الان نحو 14 عاما وهي عدد السنوات التي قضاها خلف القضبان. مفاجآت في عنبر السجن اما ثالث المفاجآت التي فجرها هنداوي هو ان المخابرات الاسرائيلية «الموساد» وشرطة اسكوتلنديارد كانتا على علم كامل بتفاصيل العملية، وهو ما أدى الى اكتشاف حقيبة المتفجرات «سمتيكس تشيكية الصنع» التي حملتها خطيبته قبل ان تدخل الطائرة. اما رابع المفاجآت فهو ادعاء هنداوي عبر وثائق حملها معه في عنبر الزيارة بالسجن عن وجود جاسوس عربي مزدوج، عمل لصالح الموساد، قام بابلاغ رجل المخابرات الاسرائيلية هاتفيا في لندن بتفاصيل العملية قبل 24 ساعة من تنفيذها.

وقال ان اجهزة الامن الاسرائيلية والمخابرات البريطانية كانت تعرف شكل الحقيبة وكمية المتفجرات التي تسلمها من المخابرات، للانتقام من اختطاف اسرائيل لطائرة سورية على متنها عبد الله الاحمر الامين العام المساعد لحزب البعث السوري قبل شهرين من تنفيذ عملية طائرة شركة العال. وكان هنداوي قد اقنع خطيبته الايرلندية بالسفر الى الاراضي الفلسطينية في ابريل 1986، لتتعرف على اهله واخوته، وانه سيصل بعدها بعدة ايام ليعقد قرانه عليها هناك بين فرحة اهله واصدقائه. ونفى هنداوي بشدة ان تكون خطيبته السابقة حاولت زيارته خلال الـ14 عاما الماضية، واكتفى بقوله انه اتفق معها قبل تنفيذ العملية على كل شيء، ورفض ان يكشف لـ«الشرق الأوسط» ماذا يعني بكل شيء؟

وما زال هنداوي بعد اكثر 14 عاما من السجن، متمسكا بالامل ويحلم بمسعى ما من احدى الحكومات العربية للافراج عنه، ويصر ايضا على اطلاق لفظ «معتقل سياسي» على نفسه، او أطلاق لقب «اطول عقوبة لسجين سياسي في بريطانيا».

«سمن على عسل» ويوضح ان السلطة الوطنية الفلسطينية وقعت اتفاقية سلام مع اسرائيل، والعلاقات بين دمشق و10 داوننج ستريت مقر رئاسة الوزارة البريطانية على خير ما يرام منذ عام 1990، او كما يسميها «سمن على عسل»، بعد مشاركة سورية في قوات التحالف الدولية، كحجر اساسي لاخراج صدام حسين من الكويت، ولكن يبدو ان الجميع اتفق على نسيان هنداوي، وتغييبه خلف القضبان. ويشير الى كتابته خطابات لتوني بلير رئيس وزراء بريطانيا وجاك سترو وزير داخليته، وكين ليفنجستون عمدة لندن، وتوني بن عضو البرلمان البريطانى، طالبهم فيها بالافراج المبكر او السعي لاصدار عفو عنه ، لكنه لم يتلق ردودا حتى الان. ويقول اذا كانت عناصر الجيش الجمهوري الايرلندي تم اطلاق سراح بعض منهم، فلماذا لا يتمتع باستخدام هذا الحق ويتساءل ان العدو الصهيوني ما زال يطالب سورية بجثة عضو الموساد كوهين بعد 40 عاما من اعدامه؟ ولكن عندما يعتقل مقاتل وثائر عربي تسدل عليه ستائر النسيان ويحرق ملفه وتعذب اسرته. ويتساءل هنداوي ثانية بصوت اعلى «هل تعتقد انني كنت سأقدم على تفجير طائرة العال الاسرائيلية لاسباب شخصية فقط خاصة بي؟ واستطيع ان أؤكد انه بسبب وجود طائرة العال على ارض بريطانية، حصلت على هذه العقوبة القاسية. ويضيف «انت صحافي ارجع بذهنك الى اتفاقية السلام البريطانية الايرلندية، الا تعلم ان معظم عناصر الجيش الجمهوري الايرلندي تم نقلهم الى سجون في ايرلندا الشمالية لقضاء بقية العقوبة، وتم الافراج عن الكثير منهم». وكانت «الشرق الأوسط» قد تلقت رسالة من هنداوي عبر الشيخ عمر بكري زعيم حركة «المهاجرون» في بريطانيا، تحدث فيها عن معاناة المعتقلين السياسيين العرب في السجون الاوروبية، وتحدث في الرسالة عن شقيقه احمد حاسي المتهم الذي قضى 14 عاما في السجون الالمانية عقب ادانته في تفجير منشآت اسرائيلية في برلين، ولا يجد دولة عربية تستضيفه بعد ان رفض بلده الاردن ذلك. مفاجأة في مركز الشرطة بلندن ويقول هنداوي انه تعلم من مهنة الصحافة التي عمل بها (حسب روايته) في جريدة عربية في لندن: «عدم التردد وحب المغامرة»، وافاد انه تدرب على مهنة المتاعب بعد تخرجه من جامعة بغداد على يد طارق عزيز وزير الخارجية العراقي الذي كان يشغل منصب رئاسة تحرير جريدة «الثورة» العراقية الناطقة باسم «حزب البعث» في ذلك الوقت. واضاف ان «الحركة الثورية الاردنية» التي كان يشرف عليها في اوروبا قامت بعدة عمليات في اوروبا الشرقية لم يكشف عنها بعد، وسيترك تفاصيل ذلك للزمن وللتاريخ، او بعد الافراج عنه ان كان في العمر بقية. المفاجأة الكبرى في حياة هنداوي منذ انخراطه في العمل السري، تمثلت حسب روايته، في حضور اثنين من ضباط المخابرات البريطانية «الام اي 6» ثاني يوم من اعتقاله الى مركز بادنجتون جرين للشرطة بوسط لندن المخصص لاحتجاز عناصر «الجيش الجمهوري الايرلندي»، والذي يتعامل في العادة مع قضايا مكافحة الارهاب، وتقع غرف التحقيق فيه اسفل ثلاثة طوابق تحت الارض، يقول هنداوي «قدم ضابطا المخابرات البريطانية عرضا مغريا له للغاية، تمثل في وعدهما باعطائي حق الاقامة في بريطانيا»، واعتباره في القضية شاهد اثبات، مقابل كشف تفاصيل العلاقة بالمخابرات السورية، ولكنه رفض بالحاح، وعندها فتح احد الضابطين ملفا يضم صورا لهيثم سعيد ضابط الارتباط بالاستخبارات السورية، ومحمد الخولي قائد مخابرات السلاح الجوي السوري، واكدا له انهما يعرفان مدى علاقته بالمخابرات السورية، «ولا نريد منك سوى كتابة تقرير تعترف فيه بعملك لحساب السوريين». ويضيف هنداوي «عندما ذكرا لي ان الشرطة كانت على علم بلون وحجم وشكل حقيبة المتفجرات التي تسلمتها آن مورفي داخل المطار قبل وصولها الى صالة طائرة شركة العال الاسرائيلية، شعرت بالصدمة». من الظلمات إلى النور ورغم مرور 14 عاما من السجن على هنداوي، الا انه مازال يعيش على الامل في حدوث معجزة تخرجه من الظلمات الى النور او نسيم الحرية كما يقول، او الى الفضاء الرحب بعيدا عن الزنزانة B12 التي لا تتعدى مساحتها 6 امتار مربعة، وبها نافذة ضيقة تقترب من السطح، لا تسمح بمرور إلا اشعة الضوء الباهتة وحوض وصنبور مياه لغسيل الوجه وتواليت وتلفزيون 14 بوصة. والامل بالنسبة لهنداوي يتمثل في تدخل القيادة السورية المباشر للافراج عنه من السجن البريطاني، «مثلما تدخلت من قبل السلطات السورية للافراج عن الرهائن الغربيين السبعة المحتجزين في لبنان»، على حد قوله. ويتوقف هنداوي ليلتقط انفاسه وحديثه ويقول: «قد تكون اضغاث احلام اعيش عليها، ولكنها الامل الباقي ليه،» ولا يريد ان يتذكر عدد السنوات التي قضاها في هذا السجن، او السنوات الباقية له، وهي طويلة مملة ولكنه على قناعة بان الله سيكون معه لتجاوز المحنة او امر ما سيحدث لصالح الافراج المبكر عنه. سيناريوهات التفجير في الجو ويرفض هنداوي بالحاح السيناريوهات التي خرجت من قاعة محكمة الاولد بيلي بعد اعتقاله بستة اشهر الى الصحافة واجهزة الاعلام، انه كان بصدد التضحية بخطيبته آن مورفي بتحميلها شنطة المتفجرات بدون علمها، ويقول: لقد قمنا بثلاث تجارب احداها ان تركب آن مورفي طائرة العال الاسرائيلية من مطار نيويورك في طريقها الى فرانكفورت وعندما تحط الطائرة في لندن، يقوم بابلاغ سلطات مطار هيثرو بحدوث عارض اليم لامها، وطلب انزالها من الطائرة، ويضيف بالفعل نزلت من الطائرة في لندن بدون حقائبها، وهو ما كان يهدف الى تكراره يوم ابريل (نيسان)، باتصال احد الاشخاص بمطار فرانكفورت بعد ان تقلع طائرة العال الاسرائيلية من لندن، وعلى متنها آن مورفي ومعها حقيبة المتفجرات، ضمن الركاب الاخرين، اي انه لم يضع في اعتباره التخلص من خطيبته السابقة، بل على العكس كان هناك خطة تأمين لحمايتها، ورغم ذلك فقد اكد في المحكمة عدم معرفتها بخطة تفجير الطائرة في الجو. واسأل هنداوي عن الزيارات الدورية التي يستقبلها مثل بقية نزلاء سجن وايت مور الذي افتتحه جون ميجر رئيس وزراء بريطانيا السابق وزوجته نورما عام 1992، ليكون نزلا لاصحاب الجرائم الخطرة، والتي تبدأ عقوبتها من 8 سنوات الى السجن مدى الحياة، فيجيب انها قليلة وربما نادرة في الوقت الحاضر، وكان هناك بعض الزيارات من والده قبل وفاته، ولكنه يطمئن على اخوته في اميركا والمانيا عبر الهاتف، وحسب نظام السجن، لا يسمح بتلقي اتصالات هاتفية للمساجين، والنظام المعمول هو شراء بطاقة للاتصالات من النقود التي يتلقاها من ادارة السجن وهي 10 جنيهات اسبوعيا مقابل العمل اليدوي الشاق الذي يقوم به مع زملائه على مدار اربع ساعات يوميا، وهي لا تكفي للاتصالات او شراء السجائر، وبالتالي فهو في امس الحاجة الى المال، ويرفض هنداوي بإباء ان يستجدي احدا لمساعدة ابنته ناتاشيا وزوجته الموجودتين في احد البلدان الاوروبية الشرقية، بعد ان طردتهما السلطات الاردنية منذ نحو شهرين. ولم تكن زوجته الفلسطينية ام ناتاشيا هي المرأة الاولى في حياة هنداوي فحسب اعترافاته ان زوجته الاولى توفيت في حادث تفجير سيارة في بيروت ابان الحرب الاهلية. البصمة الإلكترونية للزوار استفسرت من كارين اندروز المتحدثة باسم مصلحة السجون البريطانية عن معنى «سجن شديد الحراسة» فقالت في اتصال هاتفي اجرته معها «الشرق الأوسط» فقالت انه مخصص لمرتكبي جرائم الدرجة الاولى والثانية، مشيرة الى ان سجن «وايت مور» الذي افتتحه جون ميجر رئيس الوزراء البريطاني السابق عام 1992، احد ثمانية سجون داخل بريطانيا «شديدة الحراسة».

واضاف: يستضيف سجن ويت مور الموجود على حافة مدينة مارش بمقاطعة كامبريدج شاير 534 نزيلا، ويتميز هذا السجن بان كل نزيل له زنزانته الخاصة التي يقضي فيها مدة العقوبة، ولا يشاركه فيها احد من زملائه، على عكس بقية السجون الاخرى. وافادت ان مهمة السجن شديد الحراسة تعني جعل محاولة الهرب من جدرانه شبه مستحيلة. وقالت ان زيارة احد النزلاء يجب ان تحجز عبر الهاتف قبل موعد الزيارة بـ48 ساعة، وبالنسبة للنزلاء الخطرين يجب الاتصال بادارة السجن قبل موعد الزيارة بخمسة ايام. ويمر الزوار باجراءات اخذ البصمة الالكترونية من يدهم اليمنى واخذ صورهم قبل الدخول الى ساحة السجن، وكذلك المرور امام كلب الشرطة الذي يشم الزائرين بحثا عن المخدرات التي قد يحملها احد الزائرين لاقاربه او اصدقائه من المساجين. ويخلع الزائر ملابسه الثقيلة التي تمر اسفل اجهزة الاشعة السينية، ويتم تفتيش الزوار ذاتيا قبل الدخول الى عنبر الزيارة الرئيسي. ويقول بيان صادر عن ادارة السجن انه بالرغم من الاجراءات الامنية المشددة، فإنه جرت محاولة هرب ستة من المساجين الخطرين في سبتمبر (ايلول) 1994، ضاعفت ادارة السجن بعد التحقيق في محاولة الهرب من اجراءات الحراسة، وتقرير وودكوك، اوصى بأن يكون السجن رغم الحراسة المشددة على بواباته اصلاحا وتهذيبا للنزلاء، لمنعهم من ارتكاب جرائم اخرى بعد الخروج من السجن. مارجريت فرت مذعورة رحلة العودة من محطة مارش بشمال كامبريدج شاير كانت اسهل كثيرا من رحلة الذهاب فقد رافقتني فيها سيدة انجليزية اسمها مارجريت في الاربعينات من العمر تحفظ رحلة الاياب عن ظهر قلب، فهي تذهب اسبوعيا لزيارة زوجها، الذي يقضي عقوبة السجن 8 سنوات، والمسجل خطرا بتهمة سرقة المساكن التي احترفها، وتحدثت مارجريت خلال رحلة التاكسي من بوابة السجن الى محطة مارش، ثم خلال رحلة القطار السريع من بيتر بره الى لندن، عن استيائها الشديد لحرمان المساجين من الزيارة خلال فترة اعياد الميلاد ورأس السنة الميلادية، لان معظم ضباط السجن المكلفين بالحراسة وترتيب امور الزيارة، يأخذون اجازة لقضاء فترة الاعياد مع عوائلهم. وجدت مع السيدة مارجريت المفتاح الحقيقي لخزانة تحتوي على كثير من الاسرار عن سحن «وايت مور» شديد الحراسة والعلاقة الطيبة التي تربط في كثير من الاحيان ضباط السجن والمسجونين، شعرت معها انني في حضرة الشارع الانجليزي العتيق، وهي تتحدث بلهجة «الكوكني» لسكان منطقة الايست إند بشرق لندن ، وهي تأكل معظم الحروف التي تخرج من شفتيها المكتنزتين، عن زوجها الذي يئست من اصلاحه، ولكنه داخل السجن اشبه بالحمل الوديع.

احسست شكواها خلال مشوار العودة الذي استغرق نحو ثلاث ساعات انني امام انسانة صهرتها المحن فاختلطت احزانها بأفراحها لتنتج شعورا خاصا لا هو بالفرح ولا هو بالحزن، ولم تتوقف ثرثرتها عن قلة النقود التي يتقاضاها زوجها والتي لا تكفيه لتدخين السجائر، وتذكرة الذهاب والعودة التي تكلفها نحو 45 جنيها اسبوعيا. وسألتها ان كانت السابقة الاولى لزوجها فهزت رأسها نفيا، وقالت انها الثالثة. ونظرت الى حقيبة اوراقي البنية اللون، وسألتني هل انت محام، فقلت لها بل صحافي وسألتني عن العقوبة الصادرة بحق الشخص الذي جئت لزيارته فقلت لها 45 عاما بدون حقه في العفو، فصرخت باعلى صوت «بلايمي بلايمي» او بالعامية المصرية «يا لهوي». وسألتني وحدقتا عيناها تتسعان بمزيد من علامات الدهشة والاستفهام عن التهمة الموجهة اليه، فقلت لها «ارهاب»، وبدأت اشرح لها ما جرى من احداث عنف حاليا بالاراضي الفلسطينية، الى ان وصلت الى آن مورفي الفتاة الايرلندية البسيطة التي كانت تحمل معها فستان عرسها في يد وتحلم بالزواج من فتى احلامها الشاب العربي الوسيم بعد ايام من وصولها الى فلسطين، ولكنها وجدت ضباط الشرطة البريطانية في انتظارها، وقبل ان اصل الى النهاية غير السعيدة، صرخت مارجريت ثانية «بلايمي بلايمي»، واحسست بعلامات الالم والخيبة على وجهها، وفرت مذعورة من جانبي، وهي تلملم اوراقها داخل حقيبتها الى عربة القطار الاخرى قبل ان يصل القطار الى محطة كنجز كروس عند الساعة السابعة والنصف من مساء الاثنين الماضي. حيثيات الحكم ركز مارس جونز قاضي محكمة الاولد بيلي، وهو يصدر حكمه بالسجن لمدة 45 عاما على هنداوي، على انه لا يمكن التساهل مع هذه الجريمة «غير الانسانية» فيما رفض اللورد لين كبير القضاة البريطانيين الاستئناف المقدم من ممثل الدفاع في اكتوبر (تشرين الاول) 1988، لاعادة النظر في الحكم الصادر بحق موكله، مشيرا الى ان «الجريمة التي اقترفها لا يمكن تخيل مدى بشاعتها». وكانت الشرطة البريطانية اعتقلت نزار هنداوي يوم 18 اكتوبر (تشرين الاول) 1986 في احد فنادق وسط العاصمة لندن، وخلال التحقيقات في مركز شرطة بادنجتون جرين اعترف هنداوي بتأسيس «الحركة الثورية الاردنية» مع شقيقه احمد حاسي وفاروق سلامه، وكلاهما يقضي عقوبة السجن في برلين بتهمة التورط في تفجير منشآت اسرائيلية في برلين.

وطبقا للافادات القانونية التي نظرتها محكمة الاولد بيلي البريطانية قبل ان تصدر حكمها على هنداوي فقد تعرض التحقيق الى لقائه مع مسؤول استخباراتي سوري في اكثر من مناسبة اولها في يناير 1986، والذي كان ضابط الارتباط الخاص به والى لقائه بعد ذلك مع ثلاثة مسؤولين اخرين عرض عليه احدهم عملية تفجير طائرة العال الاسرائيلية، ثم تطورت العلاقة الى حد تزويد هنداوي بجواز سفر سوري يحمل صورته واسم عصام ساهر. ومن وقائع القضية يعود هنداوي بجواز سفره السوري الى العاصمة لندن يوم 5 ابريل 1986، حيث يلتقي بخطيبته الايرلندية، وبعدها بيومين يلتقي باحد ضباط المخابرات في فندق رويال جاردن هوتيل، والذي يزوده بحقيبة المتفجرات التشيكية الصنع، ويوم 16 ابريل يبدأ العد التنازلي للعملية بوضع المتفجرات في قاع الحقيبة، التي غطاها بملابس آن مورفي بعد ان اقنعها قبل ذلك بعدة ايام بالذهاب الى مكتب شركة العال لشراء تذكرة ذهاب الى تل ابيب، لعقد قرانه عليها هناك. وعند اكتشاف حقيبة المتفجرات عند الساعة الثانية ظهرا يوم 17 اكتوبر بعد احتجاز خطيبته آن مورفي واعلان في التلفزيون والاذاعة محاولة تفجير طائرة العال الاسرائيلية يقنعه احد اصدقائه بالذهاب الى احدى السفارات العربية في لندن، وبعد اجراء بعض الاتصالات يذهب هنداوي الى شقة احد العاملين في السفارة، حيث يقوم بقص شعره وتغيير هيئته، وفي اليوم التالي يحضر شخصان الى الشقة، ويشعر هنداوي بالقلق والخوف من تصفيته، ويفر هاربا الى احد الفنادق القريبة، حيث يقنعه شقيقه بضرورة تسليم نفسه للسلطات البريطانية، وتتسارع الاحداث وتطلب السلطات البريطانية رفع الحصانة عن ثلاثة من الدبلوماسيين العاملين في السفارة السورية وهم منير مونا وزكي عود، واحمد عبد اللطيف. وكانت السلطات البريطانية على قناعة بان هنداوي التقى السفير السوري عقب اقتراف فعلته، وان السلطات السورية هي التي اصدرت جواز سفر يحمل صورته واسم عصام ساهر.