الإدارة الأميركية تتبنى 12 تعديلا في سياسة اعتقال مشتبهي الإرهاب بعد انتقاد لطريقة تعاملها مع مئات المهاجرين غير الشرعيين بعد هجمات 11 سبتمبر

TT

قالت مصادر مسؤولة في السلطات الفيدرالية بواشنطن إن لديها خططا بشأن تبني معايير صارمة تتعلق بتحديد هوية من يشتبه في علاقتهم بالإرهاب واعتقالهم، وذلك في أعقاب المخاوف التي أثيرت مؤخرا في تقرير حديث أشار إلى أن مئات المهاجرين غير الشرعيين عوملوا بشكل غير لائق عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عام .2001 ووفقا لمصادر على ارتباط بالهيئات التي ورد ذكرها في التقرير المذكور، فإن جهات الضبط القضائي تفكر في إجراء ما لا يقل عن 12 تعديلا جوهريا أوصى بها التقرير الذي أصدره مكتب المفتش العام بوزارة العدل خلال الاسبوع الماضي. وأضافت المصادر ان هناك تسع توصيات أخرى تضمنها التقرير ويجري فحصها بدقة.

ويبدو ان الاتجاه لتبني مثل هذه التعديلات يعد مؤشرا على إدراك مسؤولي وزارة العدل لنقاط الضعف في سياسات مكافحة الإرهاب واعتقال المشتبه فيهم، بطريقة أفضل مما عبروا عنه علانية.

فقد قال المسؤولون إن التوصيات التي استوعبتها سلطات الضبط القضائي لها علاقة بصلب الانتقادات التي طرحها المفتش العام، وإن ذلك قد يمهد لتعديلات هامة في أسلوب التحقيق الذي قد يخضع له المهاجرون غير الشرعيين الذين يشتبه في علاقتهم بالإرهاب ويتم القبض عليهم وحجزهم في السجون.

وكان تقرير المفتش العام غلين إي فاين، قد توصل إلى أن القلة فقط من جملة الـ762 مهاجر غير قانوني اعتقلوا عقب الحادي عشر من سبتمبر، كانوا على علاقة واضحة بالإرهاب، لكن العديد منهم ظلوا في السجون لعدة أشهر يعانون، حسب تشخيص التقرير، من ظروف قاسية، غلب عليها عدم تمكنهم من التواصل مع محامين. وجاء في التقرير ان سجناء بروكلين تعرضوا لسوء معاملة جسدية ولفظية. لكن وزير العدل جون أشكروفت ومساعديه دافعوا عن اسلوب عمل الوزارة، عقب إصدار هذا التقرير، قائلين إنهم «غير ملزمين بالاعتذار» لقيامهم بكل ما أتاحه لهم القانون من أجل التصدي بعنف لأي هجوم آخر قد يتعرض له التراب الأميركي.

على ان مسؤولين في وزارة العدل ووزارة الأمن الداخلي، التي باتت الآن تدير شؤون الهجرة، يواصلون في الوقت نفسه التدقيق في التقرير لتحديد كيفية التعامل مع المشاكل التي ركز عليها، ذلك ان قرابة ست هيئات ومكاتب تابعة للوزارتين، بما فيها مكتب المباحث الفيدرالي (إف.بي.آي) وأجهزة الهجرة، ورد ذكرها في التقرير.

وقد تضمنت التوصيات الـ12 التي قال المسؤولون إنهم على استعداد لتبنيها، وضع معايير أوضح متعلقة بتحديد أي من المهاجرين غير الشرعيين يمكن الاشتباه في علاقته بالإرهاب، إضافة إلى تحسين ظروف الاعتقال والسياسات المتبعة بالنسبة لأولئك المحتجزين، ومنح مسؤولي الهجرة ـ بدلا من مكتب المباحث الفيدرالي ـ المزيد من السلطات بشأن الإفراج عن المعتقلين.

وما يزال العديد من المسؤولين في مختلف أجهزة الضبط القضائي يراجعون التوصيات التسع الأخرى ومن المرجح أن يقبلوا بالعديد منها أيضا، كما صرحت المصادر التي أضافت ان أيا من هذه التوصيات لم ترفض بشكل تام. ويتوقع أن تبادر الهيئات التي ورد ذكرها في التقرير بعرض وجهة نظرها على المفتش العام بحلول منتصف شهر يوليو (تموز) المقبل، وتوضيح ما ترغب في المضي به قدما بشأن التوصيات، إذا ما قررت تبني أي منها على الاطلاق. لكن المدافعين عن حقوق المهاجرين حذروا من انه حتى لو تم تبني جميع توصيات التقرير، فإن ذلك لن يعني توفر ما يكفي من الضمانات الكفيلة بمنح المهاجرين غير القانونيين الفرصة الملائمة للتواصل مع محامين، أو لمراجعة حالتهم قضائيا ولتحسين ظروف اعتقالهم.

وقال مايكل شيرتوف، مساعد النائب العام والمسؤول عن الإدارة الجنائية، في رسالة بعث بها إلى الكونغرس مؤخرا إنه يتوقع قيام مكتب المباحث الفيدرالي ومسؤولي الأمن الداخلي بوضع نظام أفضل يتسنى من خلاله تحديد من سيخضعون لتحقيقات لها علاقة بالإرهاب، وذلك وفقا «لحد لائق من الاهتمام».

وكان المفتش العام قد توصل إلى أن مكتب المباحث الفيدرالي، وفي مدينة نيويورك على وجه الخصوص، لم يبذل الجهد المطلوب لتحديد ما إذا كان المهاجرون غير الشرعيين، الذين اعتقلوا عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر، على علاقة حقيقية بالإرهاب.

وأشار التقرير إلى أن السلطات المعنية اعتقلت العديد من المهاجرين غير الشرعيين ـ ومعظمهم من منطقة الشرق الأوسط ـ ممن وقعوا في فك تحقيقات الإرهاب بالصدفة، إما من خلال اعتراضهم أثناء السير أو من خلال بلاغات مجهولة وغيرها من الأساليب. وقد تبين للمفتشين ان العديد من المشتبه فيهم تم اقحامهم ببساطة في قائمة «من يجدر تحري أوضاعهم» بشأن تحقيقات الإرهاب، وتعرضوا لظروف شاقة وأحيانا مهينة خلال اعتقالهم، نتيجة لذلك التوصيف. وقال شيرتوف إنه يتوقع قيام السلطات المختصة بوضع أنظمة أفضل بشأن توصيف المشتبه في علاقتهم بالإرهاب، وتحديد مواعيد قصوى للإفراج عن أولئك الذين ثبت أن لا علاقة لهم بالإرهاب، إضافة إلى تبادل المعلومات في ما بين الأجهزة لتشكيل «خطة إدارة الأزمة» تتضمن تحديد المسؤوليات في حالة وقوع طارئ مشابه على المستوى القومي. وأوضح شيرتوف: «هذه التحسينات قد تقلل بشكل إضافي من احتمالات انتهاك الحقوق المدنية».

وفي الوقت نفسه قال مسؤولو أجهزة الضبط القضائي إنهم بدأوا بالفعل بإجراء بعض التعديلات في الأسس والسياسات، حتى قبل إصدار تقرير المفتش العام، وإنهم يتوقعون إجراء طائفة من التعديلات الإضافية التي ستأتي انعكاسا لما جاء في الاستنتاجات شديدة الأهمية التي تضمنها تقرير فاين.

وفي إشارة إلى واحد من التعديلات المهمة، قال مسؤولو الهجرة إنهم لم يعودوا مضطرين لانتظار أن يسمح لهم مكتب المباحث الفيدرالي بالإفراج عن أو بترحيل مهاجر غير شرعي، خضع للاعتقال لاشتباه علاقته بالإرهاب. وبدلا من ذلك بدأ مسؤولو الهجرة بإبلاغ المكتب بأنهم يخططون هذا العام لإزالة بعض الأسماء من قائمة المشتبه فيهم، وفي الوقت نفسه منح المكتب فرصة التقدم لإثبات علاقة المشتبه فيه بالإرهاب. ويبدو ان المسؤولين يسعون الآن لتأطير وتعزيز تلك السياسة.

ووفقا لمسئوول بارز في أجهزة الهجرة فإن المهاجرين غير الشرعيين ممن تم اعتقالهم «لن ينظر الىهم بشكل تلقائي على انهم حالات خاصة لمجرد انهم سجلوا عرباتهم أو تلقوا دروسا في نفس معهد الطيران أو مكتب تسجيل العربات الذي استخدمه أحد خاطفي طائرات الحادي عشر من سبتمبر».

وكما هو حال آخرين تحدثنا اليهم حول توصيات تقرير المفتش العام، فقد طلب هذا المسؤول عدم الإشارة لاسمه نظرا لحساسية الموضوع.

وقد أضاف قائلا ان مثل هذه التعديلات يتم تبنيها «بالفعل نتيجة لشعورنا بالإحباط» من سياسات ما بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر. حيث أوضح: «لقد كنا نخضع لمكتب المباحث الفيدرالي، وبطريقة فاقت ما اعتقدنا ان الحال سيكون عليه».

من جانبهم أشار مسؤولو هجرة إلى أنهم توقعوا أن تؤدي إجراءات الفحص الدقيق على الأرجح إلى حصر أعداد المهاجرين غير الشرعيين الذين سيتم حجزهم للاشتباه في علاقتهم بالإرهاب. واشار المسؤول المذكور إلى أن عددا يقل عن 24 شخصا مشتبها فيه ما يزالون قيد الحجز.

من جهة أخرى قال مسؤول رفيع في مكتب المباحث الفيدرالي إن المكتب يفكر في تبني طائفة مترابطة بشكل أفضل من الإجراءات المتعلقة بتحديد المشتبه فيهم، وبحيث لا يتعرض المهاجرون غير الشرعيين في مدينة نيويورك لمعاملة أشد قسوة من تلك التي تعرض لها آخرون في أنحاء مختلفة من البلاد. لكن هذا المسؤول أضاف ان التقييم سيتم وفقا لكل حالة على حدة، وان ذلك لن يعني بالضرورة وجود عدد أقل من المشتبه في علاقتهم بالإرهاب، حيث أوضح: «لا بد أن تتبنى نسقا معينا. إذا لا يمكنك تشديد الإجراءات أو التخفيف من حدتها، ذلك إن الأمر سيعتمد على الحالة».

وبينما إيقن مسؤولو مكتب المباحث الفيدرالي ان هناك حاجة جلية لإعادة النظر في سياساتهم الداخلية، الا أنهم امتنعوا عن قبول ما لمح اليه المفتش العام بشأن مبالغتهم في إجراءاتهم خلال الأشهر التي أعقبت الحادي عشر من سبتمبر.

وقال هؤلاء إنهم اعتقدوا أن الجدل الدائر في الوقت الراهن القى بظلاله على أجواء الخوف التي سادت في أوساط الناس وعلى التحديات اللوجيستية التي واجهها المكتب عقب هجمات سبتمبر.

وأضاف جوزيف بيللي جونيور، المشرف على جهود مكافحة الإرهاب في مكتب نيويورك: «أجل، سنعمل على تحسين العملية. والجزء الكبير منها يتعلق بالفعل بتطوير الاتصالات».

وإستطرد قائلا: «لكن عليكم أن تتذكروا الأجواء التي سادت عقب الحادي عشر من سبتمبر. فقد فقدت نيويورك 3 آلاف إنسان. وكنا نحن الهدف. هل يعني ذلك ان ما قمنا به كان انعكاسا لواقعنا، بالنظر إلى الظرف الذي عشناه؟ أنا شخصيا لا أعلم».

ومن بين التعديلات الأخرى، كما أضاف مسؤول في جهات الضبط القضائي، فإن مسؤولي وزارة العدل قرروا تبني جملة من التوصيات التي تضمنها تقرير المفتش العام وتركزت على معاملة السجناء.

*خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»