وزير الخارجية الأميركي يزور المنطقة لإنقاذ «خطة الطريق»

TT

في إطار سعيها لتجنب فشل مبادرتها لتحقيق السلام في الشرق الاوسط، تعتزم إدارة الرئيس الاميركي جورج بوش إرسال وزير خارجيتها كولن باول ومبعوثين آخرين الى المنطقة لحمل الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي على تقديم تنازلات تساعد على دفع عملية السلام. وكان باول قد تحدث هاتفيا يوم اول من امس مع كل من رئيس الوزراء الاسرائيلي آرييل شارون ورئيس الوزراء الفلسطيني محمود عباس (ابو مازن) حاثا كلا منهما على بذل المزيد من الجهود لاستئناف محادثات السلام بعد موجة من الهجمات والعمليات الانتقامية خلال الايام القليلة الماضية. ومن المقرر ان يحضر باول مؤتمرا اقتصاديا في الاردن الاسبوع المقبل، لكنه من المتوقع ان يتوجه الى اسرائيل لإجراء المزيد من المحادثات مع الفلسطينيين والاسرائيليين اذا استدعى الامر. ويعتزم باول خلال وجوده في الاردن اللقاء مع مبعوثين من اللجنة الرباعية المكونة من الاتحاد الاوروبي والامم المتحدة والولايات المتحدة وروسيا لمضاعفة الجهود لتعزيز خطة السلام المطروحة التي باتت تعرف بـ«خريطة الطريق».

وقال مصدر في الخارجية الاميركية ان خطة السلام بكاملها باتت معرضة للخطر، الآن مؤكدا على الحاجة الى تدخل «على مستوى عال لإعادة الامور الى نصابها». وجاء الإعلان عن تحركات باول المرتقبة مع توجه جون وولف، المبعوث الاميركي الجديد الى الشرق الاوسط، الى اسرائيل امس كجزء من فريق لمراقبة سير تطبيق «خريطة الطريق». وقال مسؤولون في الادارة الاميركية ان المهمة الرئيسية لوولف لا تتركز في تطبيق خطة السلام الطويلة الامد، التي تنص على إجراء خطوات متبادلة بغرض إقامة دولة فلسطينية خلال ثلاث سنوات، وإنما السعي الى حمل الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي لاتخاذ خطوات عاجلة لتخفيف التوتر. فقد طلبت واشنطن من اسرائيل إطلاق سراح المعتقلين الفلسطينيين وتفكيك مستوطنات يهودية في الضفة الغربية وقطاع غزة شيدت مطلع عام 2001. وفيما قال شارون ان اسرائيل على استعداد لاتخاذ هذه الخطوة، فإن مسؤولين اميركيين اشاروا الى ان جهود اسرائيل فيما يتعلق بإزالة المستوطنات تراجعت غداة موجة العنف الاخيرة التي بدأت نهاية الاسبوع الماضي. واشارت تقارير الى ان الهامش المتاح أمام شارون على الصعيد السياسي قد تراجع عقب الهجوم الاخير الذي استهدف حافلة اسرائيلية في القدس مما ادى الى مقتل 16 اسرائيليا وجرح حوالي 100 آخرين يوم الاربعاء الماضي. لكن رغم ذلك يعتقد مسؤولون اميركيون ان الامل الوحيد أمام اسرائيل لتعزيز امنها على المدى الطويل يكمن في دعم ابو مازن بخطوات مهمة مثل تفكيك المستوطنات. وايدت الادارة الاميركية الحملة الاسرائيلية على الجماعات الفلسطينية المتشددة، متراجعة كما هو واضح عن انتقاداتها السابقة لحكومة شارون التي اثارت غضب بعض اعضاء الكونغرس وجماعات الضغط الموالية لاسرائيل. وفي تصريحات متزامنة حاول مسؤولون في البيت الابيض ووزارة الخارجية الاميركية تحويل التركيز الدبلوماسي من الاعمال الاسرائيلية الى الالتزامات التي وضعها القادة العرب في لقاء قمة شرم الشيخ بقطع دعم وتمويل الهجمات ضد الاسرائيليين. وقال مسؤولون اميركيون ان باول اشار الى هذا الامر خلال مكالمات هاتفية اجراها مع وزراء خارجية عرب.

فقد قال آري فلايشر، المتحدث باسم البيت الابيض، ان القضية الآن ليست اسرائيل ولا السلطة الفلسطينية، فالقضية تكمن، على حد قوله، في «الارهابيين الذين يقتلون الآخرين ويحاولون وقف عملية السلام».

المسؤولون العرب من جانبهم القوا مسؤولية ما حدث على محاولة الاغتيال التي تعرض لها عبد العزيز الرنتيسي، احد قادة حركة «حماس»، اذ اكد دبلوماسي عربي بارز تحدث الى باول اول من امس، انهم اوشكوا على التوصل الى اتفاق مع الفلسطينيين على إنهاء الهجمات الانتحارية، مضيفا انهم كلما اصبحوا قاب قوسين او ادنى من التوصل الى اتفاق يشن الاسرائيليون هجوما على الفلسطينيين.

واثارت محاولة اسرائيل اغتيال الرنتيسي استياء مسؤولين اميركيين، وقال الرئيس بوش يوم الثلاثاء الماضي انه يشعر بـ«الانزعاج»، إلا ان تعليقاته حول هذا الامر اثارت بدورها غضب مؤيدي اسرائيل خصوصا عقب الهجوم الانتحاري على الحافلة الاسرائيلية الذي اوقع 16 قتيلا اسرائيليا. وكان مسؤولون اميركيون قد اصروا يوم اول من امس على انهم لم يتراجعوا عن انتقاداتهم السابقة لمحاولة الاغتيال الاسرائيلية، لكنهم رفضوا تكرار انتقاداتهم حتى عندما شنت اسرائيل عدة هجمات اخرى ضد عناصر تابعة لحركة «حماس». فقد علق ريتشارد باوتشر، المتحدث باسم الخارجية الاميركية، ردا على اسئلة متكررة من الصحافيين، انه لا يود الإدلاء بأي شيء جديد حول هذه القضية.

كما صرح مسؤول في ادارة بوش بأن البيت الابيض يرغب في تجاوز الجدل حول الضربات العسكرية الاسرائيلية والتركيز بدلا من ذلك على حمل شارون على وقف التوسع الاستيطاني في الاراضي الفلسطينية، مؤكدا ان هذا هو افضل سبيل لإظهار التقدم للجانب الفلسطيني تماما، كما تظهر خطوات الجانب العربي والفلسطيني ضد الجماعات الارهابية تقدما في جهود السلام للجانب الاسرائيلي. وعلق المسؤول قائلا ان ادانة العالم العربي لهذه الهجمات سيكون لها مردود ايجابي. وأضاف ان مسؤولين اميركيين يتطلعون حاليا الى خطوة رمزية من جانب ابو مازن على الصعيد الامني تكون في موازاة الخطوة الاسرائيلية لإزلة البؤر الاستيطانية. ومن جانبه عزا مصدر موال لاسرائيل على صلة بمسؤولين في ادارة بوش انتقادات البيت الابيض الاولى لاسرائيل الى «رد فعل انساني» بعد ان ادركت ادارة بوش ان محاولة الاغتيال الاسرائيلية ضد مسؤول حركة «حماس» قد نسفت ما تم التوصل اليه في قمة الشرق الاوسط التي شارك فيها بوش الاسبوع الماضي، إلا ان هؤلاء المسؤولين ادركوا يوم الاربعاء، حسب اعتقاد المصدر، خطأ تسرع الولايات المتحدة في الدفاع عن الرنتيسي. وقال دبلوماسي عربي ان الهجمات الاسرائيلية التي وقعت خلال الايام الماضية قد اضعفت موقف ابو مازن بصورة مؤثرة ودعمت في نفس الوقت موقف منتقديه ومعارضيه الذين اتهموه الاسبوع الماضي باتخاذ موقف يقدم تنازلات كبيرة لاسرائيل. وأضاف المسؤول ان ابو مازن اذا فشل في مهمته لن يتقدم فلسطيني آخر لأدائها.

ويعتقد ادوارد ووكر، مدير معهد الشرق الاوسط والمسؤول السابق في الخارجية الاميركية، ان شخصين تضررا اكثر من غيرهم مما حدث في الايام الاخيرة هما ابو مازن وبوش. فالأخير، حسب اعتقاد ووكر، يواجه مشكلة مصداقية جراء ما حدث. وأوضح ووكر، الذي عاد لتوه من جولة بمنطقة الشرق الاوسط، ان مزاجا سلبيا يخيم في اوساط العرب بعد فورة الاسبوع الماضي، فسكان المنطقة، حسبما أشار، يعتقدون ان بوش بدأ يتراجع ولم يعد مؤيدا لخطة السلام «خريطة الطريق»، مؤكدا ان السؤال الذي يدور بين الناس هناك يتركز حول ما اذا لا يزال بوش جادا في هذه القضية.

* خدمة «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»