ابنة تشيني تستشهد بشعر حافظ ابراهيم للحديث عن عملها بالخارجية الأميركية المكرس للديمقراطية في العالم العربي

ليز تشيني تشرف على 40 برنامجاً مخصصاً لتعزيز الإصلاحات في العالم العربي بكلفة 100 مليون دولار

TT

تسللت اليزابيث تشيني، نائبة مساعد وزير الخارجية الاميركي لشؤون الشرق الادنى وابنة نائب الرئيس ديك تشيني، بهدوء الى مكتبها قبل اكثر من عام واحنت رأسها مبتعدة عن الاضواء منذ تلك اللحظة. ومثلها مثل والدها، فان تشيني نادرا ما تجري المقابلات، ولا تحب ان تلتقط لها الصور، وتجد راحتها الكاملة في الصفوف الخلفية. ولكن مجال اختصاصها في وزارة الخارجية، وهو التنمية الاقتصادية في العالم العربي، اصبح في الايام الاخيرة يحتل مكانا مركزيا في استراتيجية البيت الابيض لاعادة تشكيل منطقة الشرق الاسط. كما خرجت هي نفسها، ولو لفترة قصيرة، الى دائرة الضوء.

المشروع الذي تشرف عليه ليز تشيني، ويتكون من 40 برنامجا تكلفتها الكلية حوالي 100 مليون دولار، ويسمى «مشروع المشاركة الشرق اوسطية»، سيكون محور مؤتمر اقتصادي يعقد في الاردن هذا الاسبوع، ومن المقرر ان يحضره وزير الخارجية الاميركي كولن باول.

وقد القى الرئيس جورج بوش بكل ثقله وراء هذه المبادرة في خطاب القاه الشهر الماضي بجامعة نورث كارولاينا، حيث وعد بانه سيدعم المشاريع التعليمية والاصلاح الديمقراطي في منطقة الشرق الاوسط. وتركز غالبية هذه البرامج على تعليم النساء واطلاعهن على حقوقهن القانونية ومساعدتهن على الترشيح لتقلد المسؤوليات المختلفة.

وقالت ليز تشيني في مقابلة هاتفية وافقت على اجرائها شريطة ان تكون عن البرنامج وليس عن نفسها ان «هناك شاعراً مصرياً عظيماً يقول ما معناه: اذا علمت أماً فانك تعلم شعباً بكامله». وقد قصدت بذلك الشاعر حافظ ابراهيم في بيته الشعري القائل: الام مدرسة اذا اعددتها، اعددت شعبا طيب الاعراق.

ومع ان المشروع لا يمثل سوى جزء ضئيل من العون الاقتصادي السنوي الذي تقدمه الولايات المتحدة الى العالم العربي والذي يبلغ مليار دولار، فان اهدافه تمثل مزيجا غير عادي من الافكار المرتبطة بالليبراليين، مثل تحسين اوضاع النساء في الدول النامية، وبالمحافظين الجدد من امثال بول وولفويتز نائب وزير الدفاع، الذي يقول ان الولايات المتحدة يجب ان تستفيد من الفرص التي لا تعوض لنشر الديمقراطية في كل انحاء العالم العربي والتي لاحت لها بعد سقوط نظام صدام حسين في العراق.

تجد ليز تشيني، 36 سنة، نفسها في نقطة الملتقى الطبيعي بين هذين التيارين. فرغم الكراهية والغضب تجاه الولايات المتحدة في كل انحاء العالم العربي، ورغم كل الصعوبات التي تعترض تنفيذ اصلاحات على الطراز الاميركي، فان ليز تشيني تتحدث بتفاؤل شديد. وقالت معلقة على الاوضاع في منطقة الشرق الاوسط: «عقد المغاربة قبل فترة قصيرة انتخابات عامة انتخبت فيها اعداد كبيرة من النساء، واعلن العمانيون انهم سيسمحون للمرأة بالتصويت لاول مرة. ورشحت النساء لشغل المناصب العامة في البحرين لاول مرة العام الماضي. ان الولايات المتحدة تريد ان تبذل كل ما تستطيع من جهود لدعم هذه التطورات». واشارت كذلك الى الاصلاحات الاقتصادية في مصر والاردن.

البرنامج الاول الذي نفذته ليز تشيني، تمثل في دعوة 55 من السياسيات العربيات الى الولايات المتحدة، لمتابعة الانتخابات التكميلية الاميركية عام 2002 وعقد لقاءات مع كولن باول وجيمس كارفيل، مساعد الرئيس السابق بيل كلينتون للشؤون السياسية.

ويتمثل البرنامج الثاني في جولة تقوم بها القاضية ساندرا داي اوكونر، التي ستقود في سبتمبر (ايلول) المقبل وفدا اميركيا الى البحرين لمناقشة القضايا الاخلاقية القضائية واختيار وتدريب القضاة والقانونيين بالمنطقة.

يقول اصدقاء ليز تشيني انها اخذت الحماس والتركيز من والدتها، لين تشيني، التي لم تتخل عن العمل رغم صغر سن بنتيها ليز وماري. وقالت مارغريت توتوايلر، سفيرة الولايات المتحدة لدى المغرب، والتي تعرف ليز تشيني منذ سنوات: «ارتبط اسم والدتها بتاريخ طويل من الانجازات في المجال الاجتماعي، ولا يفترض ان تتفق او تختلف معها في ايديولوجيتها لتعترف بذلك». واضافت عن ليز: «انها قوية ولكن بطريقة لا تجرح احدا».

ترعرعت ليز تشيني وشبت بينما كان والدها يتقلد مناصب عديدة: رئيسا لموظفي البيت الابيض، وعضوا بالكونغرس عن ولاية ويومينغ، ووزيرا للدفاع، ولذلك نشأت هي في ويومينغ وواشنطن. وقد تخرجت من ثانوية ماكلين بضواحي فيرجينيا، ثم انتقلت الى كلية كولورادو، عام 1988، وفي 1989 عندما كان والدها وزيرا للدفاع في ادارة الرئيس الاسبق بوش الاب، التحقت بالعمل في الوكالة الاميركية للتنمية الدولية، وعملت في مكتب الوكالة بمدينة بودابست، حيث كانت مهمتها تنمية المشاريع التجارية الصغيرة في المجر.

وفي عام 1992، عملت ليز تشيني في مشاريع التنمية الاقتصادية تحت رئاسة ريتشارد ارميتاج الذي كان حينها منسقا للمعونات المقدمة الى دول الاتحاد السوفياتي السابق، في اطار برامج وزارة الخارجية الاميركية. وعندما صار كلينتون رئيسا للبلاد عملت ليز تشيني مع ارميتاج بشركته للاستشارات، وكان من ضمن مهامها تحليل القطاع النقدي لقزقستان.

ثم التحقت ليز تشيني بكلية القانون في جامعة شيكاغو، وتخرجت عام 1996، والتحقت بشركة «وايت اند كيس» القانونية بواشنطن. وعملت في القطاع المالي العالمي، وتحولت عام 1999 الى «الشركة العالمية للنقد»، وهي ذراع للبنك الدولي يملكه القطاع الخاص. وعملت هناك في مجال الاستثمارات في الشرق الاوسط وآسيا الوسطى.

وفي مارس (آذار) 2002، عادت ليز تشيني مرة اخرى الى وزارة الخارجية، والتحقت مباشرة بمشروع «المشاركة الشرق الاوسطية». ويقول اصدقاؤها انها كانت مترددة في البداية في قبول هذه الوظيفة. وقالت توتوايلير: «كانت تخشى الا تعامل معاملة عادية. فوالدها ليس فقط نائب الرئيس الحالي، بل هو رجل واسع النفوذ لدرجة هائلة».

قال زملاؤها انهم لم يكونوا يعرفون في البداية كيف يتعاملون معها، ولكنها كسبتهم في نهاية المطاف. وقالت كاثرين نوفيلي، مساعدة الممثل التجاري للولايات المتحدة في اوروبا والبحر الابيض المتوسط، والتي عملت مع ليز تشيني: «انها لاعبة فريق من الدرجة الاولى، وامراة تريد ان يعترف لها فقط بصفاتها الشخصية وان تعامل على هذا الاساس».

*خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»