واشنطن تسعى لإبرام اتفاقيات عسكرية مع الدول العربية في شمال أفريقيا وبجنوب الصحراء لمكافحة الإرهاب

TT

تسعى القوات الأميركية الى توسيع وجودها في الدول العربية بشمال أفريقيا، وفي جنوب الصحراء الأفريقية، عبر اتفاقيات عسكرية جديدة، وعمليات تدريب، تهدف الى مكافحة التهديد الارهابي المتزايد في المنطقة.

وحتى عندما يعد المخططون العسكريون خيارات للقوات الأميركية للالتحاق بقوة حفظ سلام دولية لمراقبة وقف اطلاق النار في ليبيريا، فان وزارة الدفاع (البنتاغون) ترغب في تعزيز الاواصر العسكرية مع حلفاء مثل المغرب وتونس.

كما انها تسعى الى الحصول على اقامة طويلة الامد في قواعد بدول مثل مالي والجزائر، يمكن ان تستخدمها القوات الأميركية للتدريب الدوري، او توجيه ضربات للارهابيين. وتهدف الى عقد اتفاقيات لاعادة تزويد الطائرات بالوقود في دول مثل السنغال وأوغندا، وهما دولتان ينتظر ان يزورهما الرئيس جورج بوش في جولته الأفريقية التي تشمل خمس دول وتبدأ الثلاثاء المقبل.

وليست هناك خطط لاقامة قواعد أميركية دائمة في أفريقيا، وفقا لما يقوله مسؤولون في وزارة الدفاع. وبدلا من ذلك فان القيادة الأوروبية للقوات المسلحة الأميركية، التي تشرف على العمليات العسكرية في معظم اجزاء أفريقيا، تريد من القوات الموجودة حاليا في أوروبا ان تتناوب العمل، غالبا، في معسكرات او مهابط طائرات خالية في أفريقيا. وقد يقضي جنود البحرية وقتا اكثر في رحلاتهم على امتداد ساحل أفريقيا الغربي.

وفي الخريف المقبل سترسل القيادة مدربين للعمل مع جنود من اربع دول في شمال أفريقيا لأغراض الحراسة وجمع المعلومات.

وما تزال بعض الخطط على الورق، وستحتاج الى مصادقة وزير الدفاع دونالد رامسفيلد او كبار مساعديه. غير ان مبادرات عسكرية اخرى في أفريقيا جارية الآن او ستبدأ قريبا.

فمنذ اواخر العام الماضي، على سبيل المثال، وضع ما يزيد على 1800 من أفراد الجيش الأميركي في جيبوتي لادارة عمليات مكافحة الارهاب في القرن الأفريقي.

وتعهدات الجيش وتكاليف اقامته في أفريقيا يمكن ان تكون ادنى بالمقارنة مع المهمات في الخليج او شبه الجزيرة الكورية، غير ان القادة يقولون ان التهديدات الناشئة تتطلب من وزارة الدفاع ان تولي اهتماما اكبر بالقارة.

وقال الجنرال جيمس جونز، من فيلق البحرية، ورئيس القيادة الأوروبية، في مقابلة معه الاسبوع الحالي، ان «أفريقيا، كما يمكن ملاحظته من خلال الاحداث الاخيرة، تعتبر مشكلة متنامية بالتأكيد».

واضاف انه «بينما نتابع الحرب الشاملة على الارهاب، سيتعين علينا الذهاب الى الاماكن التي يوجد فيها الارهابيون. ونحن نرى بعض الأدلة، الاولية على الاقل، على ان المزيد من هذه المناطق الكبيرة غير الخاضعة الى تحكم وضوابط، ستكون ملاذات محتملة لذلك النمط من النشاط».

ويقول مسؤولون عسكريون واستخباراتيون أميركيون ان اجزاء كبيرة من جنوب الصحراء الأفريقية، تمتد من موريتانيا في الغرب الى السودان في الشرق، وهي طرق للتهريب عبر قرون، تصبح اماكن تختارها الجماعات الارهابية، بما فيها «القاعدة».

وقال الجنرال جونز ان اسطولا في البحر المتوسط كان قد ارغم مهربي المخدرات وتجار السلاح الدوليين، والمتطرفين الاسلاميين، على سلوك الطريق البري جنوبا عبر أفريقيا.

وتعتبر دول هذه المنطقة من بين افقر الدول في العالم، ولديها شحة في الموارد الضرورية لمراقبة حدودها، او حراسة المناطق القصية الهائلة لمداخلها.

وقال الجنرال في سلاح الجو جيفري كولر، مدير الخطط والسياسة في القيادة الأوروبية، والذي من المقرر ان يقوم، الشهر الحالي، بزيارة الى المغرب وتونس والجزائر «ان ما لا نريد رؤيته في أفريقيا هو أفغانستان اخرى، سرطان ينتشر وسط مكان غير محدد. وذلك هو ما نحاول منعه».

ومنذ انتهاء العملية الرئيسية في العراق حولت الولايات المتحدة طائرات الاستطلاع والاقمار الصناعية من اجل مراقبة المنطقة بصورة ادق، وتبادل المعلومات مع الحكومات هناك، وفقا لما قاله مسؤول عسكري كبير.

وما تزال تظهر دلائل على وجود «القاعدة»، وهي، في بعض الحالات، موضع جدل. ويدقق المحللون الاستخباراتيون في اواصر محتملة لـ«القاعدة» مع المفجرين الانتحاريين الذين هاجموا خمسة اهداف في الدار البيضاء بالمغرب في مايو (ايار) الماضي. وكانت لـ«القاعدة» ارتباطات بالهجوم على معبد يهودي في تونس في أبريل (نيسان) عام 2002، مما أودى بحياة 21 شخصا، وتفجيرات السيارات في سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا عام 1998، وهو ما ادى الى مصرع 224 شخصا.

وهناك ايضا منظمات ارهابية نشأت محليا، يقول بعض المسؤولين ان لديها صلات مع «القاعدة»، مثل الجماعة السلفية في الجزائر، التي اختطفت ما يزيد على 30 سائحا أوروبيا اوائل العام الحالي. وينتمي الى هذه الجماعة حوالي 750 من الاعضاء المتشددين، غير ان اتباعها والمتعاطفين معها يصلون الى الآلاف، وفقا لمسؤولين استخباراتيين.

وقال جنرال سلاح الجو تشارلز والد، نائب رئيس القيادة الأوروبية ان «هذه جماعات شبيهة بـ«القاعدة» ولديها الاهداف ذاتها، لكنها لا تتمتع بامكانيات وقدرات «القاعدة». انهم اشخاص اشرار، ويتعين علينا مراقبتهم».

وفي اشارة الى اهمية أفريقيا المتزايدة يقضي الجنرال والد، الذي قاد القوات الأميركية في حرب أفغانستان، ما يقرب من نصف وقته، حاليا، في قضايا تخص أفريقيا.

وتعد القيادة الأوروبية لعقد مؤتمر للملحقين العسكريين العاملين في سفارات الولايات المتحدة في القارة، وتوسع ذلك ليشمل السفراء ايضا، وفقًا لما قاله الجنرال جونز. وتحظى الدعوات المتعلقة بتوسيع وتعميق اواصر الجيش الأميركي مع أفريقيا بردود فعل ايجابية الى حد كبير من جانب كثير من الدول. وقال ادريس الجزائري، سفير الجزائر لدى الولايات المتحدة «نحن نولي اهتماما كبيرا لتوسيع تعاوننا مع الولايات المتحدة في المجالات المدنية والعسكرية»، مضيفا «اننا سنكون مستعدين للتعاون في مجال تدريب فرق مكافحة الارهاب الأفريقية لمواجهة هذا التحدي المشترك».

غير ان بعض خبراء الشؤون الأفريقية يحذرون وزارة الدفاع، التي تدعم فكرة الدمقرطة في الدول العربية الاخرى، من المساومة على تلك القيم عبر التعامل مع حكومات تتميز بنفوذ عسكري كبير. وقال هيرمان كوهين، الذي عمل مساعدا لوزير الخارجية لشؤون أفريقيا في عهد ادارة الرئيس بوش الأب ان «الجانب السلبي لهذا الامر يتمثل في ان المرء يمكن ان يتبنى أجندة الزعماء المحليين».

ويأتي التركيز المتجدد للجيش على أفريقيا عشية رحلة الرئيس بوش، وهو جزء من مسعى تقوم به القيادة الأوروبية لاعادة صياغة الاماكن والاساليب التي توضع فيها القوات الأميركية في منطقة تضم 93 دولة يشملها قوس يمتد من جنوب أفريقيا حتى روسيا. وتعتبر تلك المراجعة جزءا من مسعى شامل تقوم به وزارة الدفاع لتحديد مواقع القوات المسلحة للولايات المتحدة.

وقال الجنرال جونز ان لديه تصورا لما سماه طائفة من القواعد. ففي أفريقيا يمكن ان يشمل هذا قواعد العمليات المتقدمة، ربما مع وجود مطار قريب، وهو ما يمكن ان يضم فرقة، أي ما يتراوح بين 3 و5 آلاف من القوات. واضاف الجنرال جونز انه «شيء يمكن ان يستخدم، بنشاط، لوجود عسكري كبير».

اما النمط الثاني من القواعد فهو موقع عمليات متقدمة يمكن ان يكون قاعدة مزودة بمعدات خفيفة، حيث يمكن لمجموعة من افراد القوات الخاصة، او البحرية، او المشاة، ان يتخذوا موقعا، ويقوموا بالعمليات التي تتطلبها المهمة.

وقال الجنرال جونز انه «على العموم، نحن نحاول التوصل الى خيار اكثر مرونة في ما يتعلق بالمواقع، يوفر مشاركة اوسع عبر المناطق التي نعتبرها مناطق مسؤوليتنا».

وكانت وزارة الدفاع قد اتخذت خطوات مبكرة قبل سنوات عدة عندما جرت مفاوضات ووقعت اتفاقيات مع غانا والسنغال والغابون وناميبيا وأوغندا وزامبيا، تسمح للطائرات الأميركية المحلقة في اجواء المنطقة باعادة التزود بالوقود في قواعد جوية محلية.

وفي الخريف المقبل تبدأ وزارتا الدفاع والخارجية برنامج بقيمة 6.25 مليون دولار لتوفير التدريب، وكذلك اجهزة الارسال وشاحنات تويوتا الخفيفة، لوحدات عسكرية صغيرة في موريتانيا ومالي والنيجر وتشاد.

وقال مسؤول عسكري كبير انه «اذا ما قمنا بهذا، يمكننا ان نكسب اصدقاء يمكنهم، عندما يحصلون على معلومات عبر المراقبة، تبادل هذه المعلومات معنا».

وقد قامت القوات الخاصة الأميركية والفرقة 173 المجوقلة بمناورات مشتركة مع القوات المغربية في السنوات الثلاث الماضية. ويقول مسؤولون عسكريون انهم يرغبون في توسيع وزيادة تلك الصلات.

* خدمة «نيويورك تايمز» ــ خاص بـ«الشرق الأوسط»