والد بريطاني معتقل في غوانتانامو يطالب أميركا بالرد على سؤال واحد: لماذا؟

حمزة بيغ قال إن جريمة ابنه معظم الوحيدة أنه ذهب إلى أفغانستان مع زوجته للقيام بأعمال خيرية

TT

يدرك حمزة بيغ العقوبة التي تعرض لها نجله حتى الآن. فمنذ ما يزيد عن عام حرم من ضوء الشمس ومن الطعام لبعض الوقت، وأحيانا يتم وضعه في قفص لكي تشويه أشعة الشمس. ما لا يعرفه بيغ، حتى الان، هو الجريمة التي تم اتهام نجله بارتكابها لتبرير القاء القبض عليه في باكستان من قبل عملاء الاستخبارات الأميركية الذين نقلوه الى خليج غوانتانامو في كوبا. وما لم يستوعبه هو: لماذا يود رئيس الولايات المتحدة محاكمة نجله امام محكمة عسكرية واتخذ فعلا خطوات قد تؤدي الى اعدامه.

الكثير من الناس في بريطانيا يحاولون فهم نفس الشيء. وقد تصاعدت حدة التشاؤم هذا الشهر عندما أعلن الرئيس جورج بوش عن أن اثنين من البريطانيين سيكونان ضمن أول ستة سجناء من غوانتانامو يمثلون أمام المحاكم العسكرية. وهاهي حدة انتقاد الولايات المتحدة لاسلوب تعاملها مع المعتقلين تتصاعد في وسائل الاعلام البريطانية وفي البرلمان. فمنذ أيام، تواصل الصحف وقنوات الأخبار البريطانية التساؤل حول كيفية قيام الولايات المتحدة باعتقال أناس دون أن توجه لهم تهما محددة، ودون أن يسمح لهم بحق توكيل محامين يتولون تمثيلهم وتمكينهم من التواصل مع العالم الخارجي. وخلال ذلك يطرحون السؤال التالي: ماذا لو قام الجنود البريطانيون باقتحام دولة أجنبية واعتقال أميركيين، ثم حجزهم بدون توجيه تهم محددة ضدهم، ثم اعلان انهم سيعقدون جلسات محاكمة سرية قد تصدر عنها أحكام بالاعدام؟ وقال بيغ، بعدما تم الاعلان عن ان نجله، معظم، سيكون من بين أوائل السجناء الذين سيقفون أمام محاكم عسكرية للدفاع عن أنفسهم من تهم لم تحدد بعد تربطهم بالارهاب: «أشعر بأنني أعيش حلما بأن الولايات المتحدة قد تفعل هذا، لأن هذه المسألة لا يمكن أن تكون حقيقة. فولدي لا يمكنه أن يلحق أذى بفراشة. كما انه لا يمكن أن يساعد أحدا أراد الحاق اذى بفراشة».

واشارت استطلاعات الرأي الاسبوع الماضي الى أن أكثر من 70 في المائة من البريطانيين يريدون أن يحاكم البريطانيون أمام محاكم بريطانية. وقد تعرض رئيس الوزراء البريطاني توني بلير لضغط هائل لكي يستغل ما توفر له من قدرات بحيث يستعيد المتهمين الى التراب البريطاني، وخلال الاسبوع الماضي استجاب للضغط بابلاغ البرلمان ـ البريطاني ـ بأن القضية موضع نقاش مع السلطات الأميركية.

ومسأله كون نجله مذنبا بجريمة ما، تعد ثانوية بالنسبة لبيغ، الذي يصر على ان نجله مسلم ملتزم ليس فقط يمقت الارهاب بل انه يشمئز منه. وسواء أكان معظم بيغ، 36 عاما، والاب لأربعة أطفال، مذنبا أم لا هي مسألة ثانوية ايضا بالنسبة لقرابة 200 عضو في البرلمان البريطاني ممن ينتمون لحزب بلير السياسي. فجميعهم وقعوا على التماس يطالبون فيه رئيس الوزراء، الذي من المقرر أن يلتقي الرئيس بوش اليوم، بالاصرار على أن يحاكم بيغ وغيره في وطنهم. ومن بين القضايا الأساسية بالنسبة لهم، أن يلقى معظم بيغ محاكمة عادلة، يرون انها لن تتوفر وفقا للاجراءات التي سيتبعها الجيش الأميركي. ويرى هؤلاء النواب انه اذا ما كان معظم بيغ مذنبا، فان المحاكم المدنية أكثر قدرة على ادانته.

ومعظم بيغ هذا هو واحد من تسعة بريطانيين معتقلين في غوانتانامو. وقد تتم بعض جلسات المحاكم العسكرية سرا، حيث لن يمنح السجناء حق الاطلاع على جميع الأدلة الموجهة ضدهم، كما ستتكون لجان التحكيم، التي ستحدد مصيرهم، من ضباط عسكريين. وقد اعتبر بوش، القائد الأعلى للقوات المسلحة، ان مجموعة المتهمين هي «أسوأ السيئين». وتقول وزارة الدفاع الأميركية ان الولايات المتحدة في حالة حرب، وانه يمكن محاكمة مقاتلي العدو بنزاهة من قبل محاكم عسكرية، وان أي تقييد للحقوق التي عادة ما توفرها المحاكم المدنية سيكون ناتجا عن مخاوف متعلقة بالأمن القومي. وقال ضابط البحرية كريس ايليب، المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية: «اننا في زمن حرب، وهؤلاء الناس هم ممن اشتركوا في هذه الحرب. سيتم ضمان دفاع غيور عن المتهم الذي سيكون من حقه افتراض البراءة». وعن هذا النوع من المحاكم، أضاف: «هذه ليست مسألة مستحدثة. وهناك تراث طويل من المحاكم العسكرية يعود تاريخه ربما لما قبل الحرب العالمية الثانية. والقانون الدولي يعترف بها».

يذكر ان المتهمين يواجهون تهمة المشاركة في حرب ضد الولايات المتحدة. وتصر وزارة الدفاع الأميركية على ان الضباط الذين سينظرون في شأن المتهمين، سيحرصون على توخي الحياد بشدة، وان عبء الاثبات سيقع على عاتق المدعين، وليس على محامي الدفاع. لكن حمزة بيغ قال: «في ظل هذه الظروف، ما هو الذي يمكن للمرء أن يتوقعه؟ وهل هذا هو كل ما تعنيه أميركا؟». ويتفق معظم مع أبيه في انه لقي ما يكفي من العقاب على أية جريمة قد يكون اعتقل بسببها، رغم انه يقسم بأنه لا يعرف ماهية تلك الجريمة. وكان معظم بيغ قد كتب لأبيه خلال ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أي بعد ما يزيد على عام من اعتقاله في اسلام أباد بباكستان، يقول «بعد كل هذا الوقت، ما زلت لا أعرف ما هي الجريمة التي يفترض انني ارتكبتها ولست وحدي الذي أعاني منها، بل أيضا زوجتي وأطفالي. انني في حالة احباط وقد بدأت في الشعور بأنني سأخسر معركتي مع اليأس وافتقاد الأمل».

وحسب حمزة بيغ، فان نجله ذهب الى أفغانستان مع زوجته وأطفاله خلال الأشهر التي سبقت هجمات 11 سبتمبر (أيلول)2001. فقد اعتاد نجله العمل مع الجمعيات الخيرية الاسلامية، كما يقول الأب، وقد أراد انشاء مدرستين صغيرتين خارج مدينة كابل، على ان تقوم زوجته، واسمها زينب، بتدريس الفتيات، بينما سيقوم هو بتدريس الأولاد. وعندما بدأت القوات الأميركية بقصف أفغانستان ردا على الهجمات التي تعرض لها مبنى وزارة الدفاع الأميركية ومركز التجارة العالمي، غادر نجله البلاد وتوجه مع أسرته الى اسلام أباد، حيث أراد البدء بعمل خيري هناك بدلا من أفغانستان، كما قال حمزه بيغ.

وأضاف الأب، وهو مصرفي متقاعد وكان يتحدث في منزله الكائن بمنطقة تسكنها الطبقة العامله في مدينة برمنغهام: «لقد حزنت عندما فارقنا، لكنني لم أطلب منه عدم الذهاب. فقد اعتاد القيام بهذا النوع من العمل، وقد كان سعيدا به، ولذلك كان علي أن أشعر بالسعادة لسعادته». وقد اعتاد بيغ تلقي المكالمات الهاتفية من نجله، والاستماع الى أصوات حفيديه التوأم وهما يتجاذبان سماعة الهاتف، اضافة الى حفيده الصغير أيضا. وخلال أوائل شهر يناير (كانون الثاني) من العام الماضي، بلغته أنباء سارة ـ فقد كانت زينب حاملا، وهو سيصبح جدا لحفيد أخر. لكنه تلقى مكالمة أخرى بعدها مباشرة. وهذه المرة لم يكن نجله يحادثه من المطبخ، بل من صندوق عربة، حيث تمكن الابن من استخدام هاتفه الجوال. «قال لي: لقد اعتقلوني، لكن لا تقلقوا. فسيتبين لهم انهم ارتكبوا خطأ».

قال بيغ ان خطأ نجله، يكمن في انه مسلم متدين سافر الى أفغانستان، ولا شيء غير ذلك. ويضيف: «لكن حتى هذه المسألة، ليست ذات أهمية في الوقت الراهن. المهم هو: لماذا لا تتوفر له فرصة المحاكمة العادلة. ولو كان لديهم دليل، فليدينوه استنادا اليه، علنا أمام الملأ. مشكلتهم ان لا دليل لديهم. ولايوجد أي من ذلك».

لكن وزارة الدفاع امتنعت عن الكشف عن أدلتها. وقال ستيفن يعقوبي، المسؤول عن جماعة بريطانية، تدعى «فير ترايلس أبرود» (محكمات عادلة في الخارج)، تتولى الدفاع عن حق البريطانيين في محاكمة عادلة خارج بلادهم، وتساعد أولئك الذين يعتقدون أنهم تعرضوا للاعتقال ظلما: «لا أستطيع أن أتخيل لدقيقة واحدة ان الناس في الولايات المتحدة قد يقبلون معاملة أميركيين بهذا الاسلوب. فهذا اجراء غير منصف للغاية تقوم به ما يفترض انها دولة صديقة». وأشار يعقوبي وآخرون الى ما قالوا بأنها معايير مزدوجة في العدالة، تشير الى الانحياز ضد المسلمين. وكدليل على ذلك، يطرحون حالة جون ووكر، الذي أطلق عليه «الطالباني الأميركي»، والذي خاض قتالا ضد الأميركيين خلال معركة مع عملاء للاستخبارات الأميركية في قندهار. وقال بيغ: «لم يعثر على ولدي في خندق وبيده بندقية، وهو يطلق النار على الأميركيين. ومع ذلك فقد حوكم الأميركي أمام محكمة مدنية. لماذا الحال مختلف مع ولدي؟».

منذ المكالمة الهاتفية التي أجراها من صندوق العربة، ظل تواصل حمزة مع نجله محصورا في الرسائل الخاضعة للرقابة، والتي عادة ما تصل بعد شهر أو اثنين، من كتابتها. وفي رسائله يكرر معظم بيغ طلبه من أبيه، الذي أجرى جراحة في القلب، بألا يقلق. وقد كتب معظم في احدى رسائله: «أحاول التمسك بالصبر بقدر الامكان، وأتذكر كيف كانت الساعات شاقة ثم الأيام والأسابيع ـ لكنني أخشى أن يتحول الأمر الى سنوات دون أن يحدث شيء على الاطلاق. وبينما لا أشكو على الاطلاق من معاملتي الشخصية، لكن الأوضاع هنا بلغت حدا لم أتمكن خلاله من رؤية الشمس والسماء والقمر، وغيرها، لما يقرب من عام». وفي هامش الرسالة، يوجه طلبا، بأن يطلق على مولوده الأخير، الذي كانت زوجته، حاملا به في شهرها الأول عندما القي القبض عليه، وقد أنجبته خلال العام الماضي، اسم ابراهيم. وقد كتب قائلا: «اذا ما توفرت لديكم آلة تصوير فيديو، فأرجوكم أن تلتقطوا بعض المشاهد لزينب والأطفال ـ خاصة ابراهيم، بحيث يتسنى لي مشاهدة شيء من أيامه كرضيع».

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» و«واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»