قوات الاحتلال تخلص السائق اليهودي من الخطف وإلياهو غورئيل يشيد بإنسانية خاطفيه الفلسطينيين

TT

في الوقت الذي اشاد فيه المخطوف الاسرائيلي، سائق سيارة الاجرة الياهو غورئيل، بخاطفيه الفلسطينيين على تعاملهم الانساني معه، خرجت الحكومة الاسرائيلية بانتقادات حادة الى الحكومة الفلسطينية واجهزتها الامنية. واتهمتها بالعجز المطبق وبالامتناع عن تقديم اية مساعدة لاسرائيل تفضي الى اطلاق سراحه. وقالت ان اجهزة الامن الاسرائيلية عرفت هوية الخاطفين وادارت مفاوضات سرية معهم. لكنها لم تقدم اية معلومات تذكر لاسرائيل، مما ادى الى تهديد حياة المخطوف.

وكانت القوات الاسرائيلية قد تمكنت من تخليص المواطن الاسرائيلي المخطوف بعملية عسكرية من دون مقاومة. واسفرت عن جرح شاب فلسطيني من الخاطفين برصاصة في قدمه.

وحسب المعلومات التي توفرت مما افاد به السائق المخطوف والتحقيق مع الخاطفين وما رشح من معلومات من قادة القوات المشاركة في العملية ، فان قصة الخطف وتخليصه تمت على النحو التالي:

* الاختطاف في ساعات بعد الظهر من يوم الجمعة الماضي، كان غورئيل يقود سيارته من مكان عمله وسكناه في مدينة رمات غان قرب تل ابيب باتجاه مدينة القدس. على الطريق اوقفه مجموعة من ثلاثة شبان عرب معهم صبية عربية وطفلة في الرابعة من العمر. وطلبوا ان ينقلهم الى القدس. فوافق. وقال فيما بعد انه عرف انهم عرب فلسطينيون. لكنه لم يشتبه فيهم، بسبب الطفلة الصغيرة. ثم شعر بالأمان، لأن مسافرين يهوديين آخرين كانا معه في السيارة.

في القدس انزل الراكبين اليهوديين. فطلب الشبان الفلسطينيون منه ان يواصل معهم باتجاه رام الله. فشعر بالخوف. وحاول الاعتراض. فأشهروا سكينا في وجهه. وأمروه بالدخول الى حي بيت حنينا.

هناك نزلت الفتاة الفلسطينية والطفلة. وتابع الباقون طريقهم. ثم انزلوه. وقادوه الى سيارة اخرى كانت تنتظرهم وتوجهوا به الى رام الله.

والشبان الفلسطينيون هم: احمد حجاج، 25 عاما، وهو من بلدة بيتوينا جنوب غربي رام الله الذي يعتبر المخطط والقائد للعملية وكان قد اعتقل في اسرائيل عدة مرات لانتمائه الى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. لكنه ادعى انه قطع صلته بها. ومعه خطيبته، شيرين احمد خليل، 22 عاما، وهي من مدينة غزة وتعيش منذ ثلاث سنوات في مدينة اللد داخل اسرائيل من دون تصريح. والشابان الآخران هما رامز ريماوي، 21 عاما، وسمير ريماوي، 23 عاما، من بلدة ريما الواقعة غرب رام الله التي ارتفع اسمها على اثر قيام ثلاثة من نشطاء الجبهة الشعبية فيها بالمشاركة في عملية اغتيال وزير السياحة الاسرائيلي، رحبعام زئيفي، في اكتوبر (تشرين الاول) 2001.

في الساعة الثامنة من مساء يوم الجمعة الماضي، عرف امر الاختطاف، وذلك لأن الشرطة الاسرائيلية اكتشفت سيارة الاجرة في بيت حنينا من جهة وزوجة غورئيل توجهت بشكوى للشرطة تبلغ عن اختفاء زوجها من جهة ثانية.

وكان الخاطفون قد دخلوا رام الله. والتقوا شابا فلسطينيا رابعا اخذهم الى بلدة بيتوينا لاخفاء السائق المخطوف. ويبدو ان الشبان الفلسطينيين الاربعة لم يكونوا ذوي خبرة، فاحتاروا في ما يفعلونه بالرجل. فأعادوه في اليوم التالي الى رام الله. ثم نقلوه مشيا الى الجبال المحيطة. ثم عادوا به الى رام الله. ثم الى بيتوينا. وهكذا، حتى وجدوا بئر ماء فارغة من الماء في ساحة بيت، بعمق 10 امتار.

خلال هذه الفترة كانت المخابرات الاسرائيلية تعمل على مدار الساعة، بكل اجهزتها وعملائها وأعوانهم الفلسطينيين. فأقامت غرفة عمليات لمتابعة الموضوع، باشراف من رئيس الحكومة ارييل شارون ووزير الدفاع شاؤول موفاز، وبضمن عملهما الاتصال مع رئيس الوزراء الفلسطيني، محمود عباس (ابو مازن) ووزير شؤون الامن الداخلي، محمد دحلان، اللذين اكدا الاستعداد التام للمساعدة على اطلاق سراحه، بينما كان الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، وقادة اجهزته الامنية وخصوصا رئيس المخابرات العامة، العميد توفيق الطيراوي، يديران غرفة عمليات اخرى فلسطينية لمتابعة الموضوع والبحث عن هوية الخاطفين ومكان الاختطاف.

اما الخاطفون فقد راحوا يطمئنون غورئيل بأنهم لن يؤذوه. واتاحوا له محادثة ذويه ثلاث مرات.

* القبض على الخلية بعد يوم واحد من عملية الخطف، تمكنت المخابرات الاسرائيلية من الوصول الى الصبية خطيبة احمد حجاج، في مقر اقامتها الجديد في اللد واعتقلتها. فأعطت كل ما تعرفه من معلومات. وادعت انها لم تكن تعرف شيئا عن هذا الخطف. وان خطيبها طلب منها مرافقته في رحلة لبضع ساعات الى القدس. فتجاوبت معه. وانها عندما رأت عملية الخطف خافت، وقررت العودة الى منزلها. واعطت المحققين اسماء وأوصاف خطيبها وصديقيه.

وتحدث مسؤول امني اسرائيلي في ما بعد عن ظروف الوصول الى هذه الصبية. فقال: «استخدمنا في كل هذه العملية، احدث وسائل التكنولوجيا العصرية». ورفض ان يعطي المزيد من التفاصيل.

واتضح في ما بعد ان المخابرات الاسرائيلية وجدت اتصالا مع احمد حجاج، في صباح يوم الاحد الماضي. وبدأت تفاوضه بواسطة مجموعة من الخبراء في هذا المجال (محققين مختصين وخبراء نفسيين) حول تفاصيل مطالبه وتقنعه بضرورة ابقاء المخطوف اليهودي حيا وتساومه على ثمن اطلاق سراحه. وهو من جهته طلب في البداية اطلاق سراح 2000 اسير فلسطيني، بينهم قاتلو الوزير زئيفي الذين يمضون احكاماً بالسجن في معتقل في اريحا تحت اشراف اميركي ـ بريطاني ومروان البرغوثي، امين سر حركية اللجنة العليا لـ«فتح» في الضفة الغربية، ومجموعة من قادة «حماس» و«الجهاد الاسلامي». كما طلب مبلغا كبيرا من المال، حدده بحوالي مليون شيكل (210 آلاف دولار).

وطلب المحققون الاسرائيليون منه ان يثبت لهم بأن غورئيل حي يرزق، وان يتيح لهم سماع صوته. ومع ان الخاطفين سمحوا للمخطوف بأن يكلم ذويه، رفضوا اعطاءه فرصة الحديث مع المحققين. ويبدو انه لم يكن يعرف ان حديثه مع اهله كان على مسمع من محققي وقادة المخابرات، مما جعلهم يقتنعون انه غير مهني في الموضوع. لهذا، اتبعوا معه اسلوب الاغراء والاستدراج. وراحوا يساومونه على كل صغيرة وكبيرة. و«أقنعوه» بأن يكتفي باطلاق سراح 600 اسير فقط وقالوا له «ها نحن نعطيك مكسبا اكثر مما اعطينا ابو مازن. وغدا تستطيع ان تتباهى انك نجحت في اطلاق سراح عدد اكبر من المعتقلين الذين اطلقهم رئيس الحكومة الفلسطينية».

وزرعوا لديه الثقة بصدق نياتهم، فراحوا يفاوضونه على لقاء. واتفق معهم على مكان اللقاء عند مدخل رام الله من جهة مخيم قلنديا للاجئين. وحدد الموعد في مساء اول من امس.

في هذه الاثناء كانت عدسات الكاميرات وعيون ضباط الوحدات العسكرية الخاصة ترصد كل حركة حول المخيم بقطر عدة كيلومترات. وتمكنوا من التعرف على احمد حجاج، الذي حضر مع رامز ريماوي، بواسطة التواصل معه في الحديث الهاتفي من خلال هاتفه الجوال. وتركوه يفتش عنهم فترة طويلة، حتى بدأ يغلي غضبا وتوترا. وعندها انقض عليه وعلى رفيقه عدد من الجنود المستعربين.

حاول رامز ان يقاوم، فأطلق الجنود رصاصة على احدى قدميه وأصابوه بجراح. وقاموا باعتقالهما بسهولة. وعلى الفور بدأت عملية التحقيق معهما، حتى اعترفا بمكان اخفاء المخطوف غورئيل. وتبين ان المخبأ يقع على بعد بضع مئات من الامتار من معسكر الجيش الاسرائيلي عوفر، الذي يسجن فيه مئات الاسرى الفلسطينيين. وعلى الفور، اندفعت الوحدة العسكرية القتالية المختارة، المعروفة باسم «وحدة هيئة رئاسة اركان الجيش»، لتطلق سراح غورئيل. وحال وصولها هرب احد الشابين الحارسين في المكان، فألقوا القبض عليه، وسلم الثاني نفسه. وتبين انهما لم يكونا مسلحين الا بسكين.

وكان رئيس الوزراء الاسرائيلي، قد غادر اسرائيل يوم الاحد بعد ان اطمأن الى ان قواته عثرت على طرف الخيط في القضية. وعندما اعتقل احمد حجاج كان شارون يحضر حفلا موسيقيا في لندن. وقاد العملية السياسية في الاشراف على العملية العسكرية القائم بأعمال وزير التجارة والصناعة، ايهود اولمرت. واشرف عليها عسكريا كل من وزير الدفاع، شاؤول موفاز، ورئيس الاركان، موشيه يعلون، وقائد اللواء الجنوبي، اللواء موشيه كبلينسكي، وقائد الشرطة العام، شلومو اونشكي، ونائب رئيس اركان الجيش، اللواء جابي اشكنازي، وقائد قوات الجيش في الضفة الغربية، العميد غاوي ايزنكوت.

وعند انتهاء العملية قال كبلينسكي ان قواته حققت نجاحا باهرا. واكد ان عملية تحرير غورئيل كانت «اسرائيلية صرفاً» ولم تحصل اسرائيل على اية مساعدة من اي طرف فلسطيني رسمي. وأضاف: «الفلسطينيون لم يفعلوا شيئا. لقد ابدوا نيات طيبة لكنهم لم يترجموا ذلك الى لغة الفعل. لم نشعر بوجودهم، لم نشعر بقلقهم، ولم نلاحظ انهم غيروا من اسلوبهم المائع في التعامل مع منظمات الارهاب».

وحذرت اوساط امنية رسمية من استمرار اسلوب الحكومة الفلسطينية في التعامل مع قوى الارهاب. وقالت ان مثل هذا التساهل يؤدي الى ترسيخ الثقة بأسلوب العنف هذا. وربما تتجرأ الان قوى اخرى على خطف اسرائيليين.

واما في الطرف الفلسطيني، فانهم يشكون من ان اسرائيل هي التي رفضت التعاون معه، اذ ان المخابرات الفلسطينية اقامت فرقة عمليات وبدأت تحقق واهتدت الى الاشخاص وبامكانها فورا اعتقالهم.

* المخطوف ولوحظ ان غورئيل حرص، منذ اطلاق سراحه، على الاشارة الى ان خاطفيه تعاملوا معه بقمة الانسانية. فقال: «منذ البداية تعاملوا بشكل معقول، باستثناء التهديد بالسكين عشية الخطف. تكلموا العربية وكنت افهم ما يقولون. لكنني لم اظهر ذلك لهم. فاضطروا الى التكلم معي بالعبرية... لم يقيدوني بالاغلال. ولم يغمضوا عيني. وتعاملوا معي بمنتهى الانسانية والديمقراطية. لم يؤذوني. ولم يضربوني. وحتى انهم لم يهددوني. بل اكدوا لي انني سأظل بخير. ولن يقتلوني كما فعل خاطفون آخرون».

واكد اللواء كبلينسكي ايضا هذه الحقيقة وقال: «كان ذلك تعاملا انسانياً».