أسرة المعتقل السعودي ظافر الشهري: كان يختبئ وهو مصاب برصاصتين في ظهره وأخوه اكتشف مكان اختبائه وأقنعه بتسليم نفسه

الأب والأخ يرويان لـ«الشرق الأوسط» تفاصيل عملية الاستسلام: قناعتنا بسلامة موقفه الأمني وثقتنا بعدالة حكومتنا جعلتانا نساهم في إقناعه بالتسليم

TT

قالت اسرة المعتقل السعودي ظافر بن عبد الرحمن الشهري، الذي استطاع شقيقه محمد إقناعه بتسليم نفسه للسلطات بعد محاصرة امنية مشددة استمرت اياما في محافظة النماص(جنوب السعودية)، انها بادرت بإقناع نجلها ظافر، 25 عاما، بألا يستمر في هروبه خشية تعرضه لعقوبات مضاعفة ولثقة الاسرة بسلامة موقفه الامني. وشدد والد وشقيق ظافر في حديث لـ«الشرق الاوسط» على ان افراد الاسرة ومن ورائها افراد قبيلة المقر من بني شهر، احدى قبائل منطقة عسير، ساندوا عمليات الملاحقة الامنية «قناعة منا بأن تسليم نفسه دون مقاومة اسلم له من جميع النواحي وثقة منا بسلامة موقفه وقبل كل ذلك عدالة حكومتنا تجاه ابنائها».

وقد شهدت تطورات الملاحقة الامنية لظافر بن عبد الرحمن بن عبد الله المقر الشهري، فصولا مثيرة على مدى اربعة ايام انطلقت من لحظة تبادله اطلاق النار مع افراد فرقة امنية جاءت لمقر عمله في محافظة النماص قبل ثلاثة اسابيع بغرض اعتقاله على خلفية التحقيقات الامنية المكثفة التي تجريها السلطات السعودية في ملف مكافحة الارهاب، وهو الامر الذي نتج عنه اصابة رجل امن بطلق ناري، ليتسنى للمطلوب امنيا الفرار والاختباء لمدة ثلاث ليال في مواقع مهجورة في المنطقة. وكشفت الاسرة تفاصيل جديدة عن احداث الاربعة ايام التي عاشت خلالها محافظة النماص مشهدا غير مسبوق من تعاون السلطات الامنية مع الأهالي للقبض على ظافر الذي يعمل متخصصا في هندسة الالات المكتبية والمتزوج حديثا. ويقول محمد، شقيق ظافر «فوجئنا بعد ساعات من تسليم نفسه بأنه مصاب برصاصتين استقرتا في ظهره خلال تبادله اطلاق النار مع الامن وبقي خمسة ايام بدون علاج». كما شهدت فصول الملاحقة الامنية سقوط طائرة هليكوبتر على متنها 10 أشخاص كانوا يمشطون جوا بعض المناطق المشتبه في اختباء ظافر فيها. ودفع هذا التعاون الكامل من اسرة المطلوب امنيا الى اطلاق إشاعات كثيرة عن تعرض أسرته الى ضغوط امنية أجبرتهم على المساهمة الفعالة في عمليات القبض على نجلها. لكن الشيخ عبد الرحمن المقر الشهري، والد ظافر، رد على ذلك بالقول «من يستغرب مبادرتنا الى درجة اطلاق الشائعات الكاذبة يجب عليه معرفة ان استنتاجاته مجرد خيالات خالصة. أجزم لك أننا لم نرضخ لأي ضغوطات من اية جهة على الاطلاق». واضاف «نحن نؤمن بسلامة موقف ظافر، وقناعتنا اكيدة بانه لم يتورط في أية أعمال تخل بالاستقرار الأمني الذي تعيشه بلادنا، وفي هذه الحالة فان تسليم نفسه (للسلطات) فيه مصلحة كبيرة له وتجنيبه التورط في دوامة الهروب ونتائجها على مستقبل التحقيق معه». وتابع «اما اذا كان هناك امور لا نعلمها فإننا نثق بان الدولة حريصة على الاصلاح وليس تطبيق العقوبة وهذا ما اكده لنا سمو الامير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية».

وامتد حديث الوالد ونجله محمد، 31 عاما، على مدى ساعتين في مكتب «الشرق الأوسط» في جدة وذلك قبل ساعات من احتفال الاسرة بعقد قران علي بن عبد الرحمن المقر الشهري الشقيق الاكبر لظافر. وعلق الوالد على هذا الحدث السعيد الذي جاء عقب ايام من اعتقال نجله الآخر في عملية مطاردة تابع السعوديون تطور فصولها على الصفحات الاولى للصحف، بالاشارة الى ان «هذا يدل على اننا واثقون تماما من سلامة اهدافنا، وثقتنا غير المحدودة بعدالة تعامل السلطات مع موقف ظافر». وعبر والد ظافر عن اعتقاده بان «كافة الأسر يمكنها المساهمة المطلوبة لتجنيب أبنائها عواقب الاصطدام مع رجال الامن الذين سيؤدون عملهم كما هو متعارف عليه دوليا. كما ان اسرتنا تعتقد بكل صدق اننا جميعا جنود مخلصون لحماية وطننا، وابتعاد مجتمعنا عن كل ما يوتر استقرارنا». واشار عبد الرحمن الشهري الى أبعاد إنسانية وسياسية نبيلة تربط الشعب السعودي بقيادته معبرا عن ذلك بالقول «تربينا في هذه البلاد وتعودنا على نزاهة وعدالة ما يربطنا كمواطنين مع ولاة امورنا. وما كنا نخرج من ازمة إلا اكثر قناعة بمتانة ما يربطنا مع قيادتنا الحكيمة، حفظهم الله سندا لامن بلادنا». واضاف الاب أن شعوره تعزز عندما تلقى اتصالات الامير خالد الفيصل امير منطقة عسير، والامير محمد بن نايف بن عبد العزيز مساعد وزير الداخلية للشؤون الامنية، وقال «قدم لي اصحاب السمو كل معاني التقدير والتكريم والتلاحم فيما بيننا وسعوا بكل ثقة ولطف الى تطميني على مصير ابني ظافر بأنه في ايد امينة ولا داعي لشعور اسرتنا بأي نوع من القلق عليه».

من جانبه، كشف محمد بن عبد الرحمن المقر الشهري، شقيق ظافر والذي يعتبر نفسه صديقا مخلصا لشقيقه، عن تفاصيل الجهد الكبير الذي بذله بمساندة ابن عمه عبد الله بن محمد المقر الشهري لمعرفة موقع شقيقه واهمية اقناعه بتسليم نفسه «لاننا كنا نخشى عليه الامتهان الذي يعيشه الملاحقون، بالاضافة الى ان رجال الامن لن يتساهلوا معه كونه يعطيهم بهذا التصرف انطباعا خاطئا عن شخصيته بأنه خطر جدا، وذلك عكس شخصيته المتماسكة والمحببة لمعارفه واهله». واضاف محمد «بعد استقبال سمو الامير نايف لوالدي ولأعيان القبيلة، أزددت ثقة بصواب ما اقدمنا عليه من حرص على ان يسلم شقيقي ظافر نفسه بمعرفتنا وتشجيعنا». وقال محمد «بدون مجاملة خرجت من استقبال الامير نايف بقناعة ان هذا الامير هو وزير للامان اضافة الى الامن». واضاف «خرجنا من مكتب سموه ونحن اكثر امانا من أي وقت مضى، ونحن اكثر اطمئنانا على مصير شقيقي».

وكان لمحمد، الذي تغطيه هالة من الهدوء اللافت، الدور الرئيسي في تتبع اثر شقيقه عقب حادثة اطلاق النار على رجل الامن، وهنا كشف عن تلك المرحلة قائلا «كنت على يقين بان ظافر تورط في حادثة اطلاق النار دون قصد منه، وهو بالفعل ما اكده لي عندما اكتشفت مكان اختبائه، حيث انه اقسم بعدم ادراكه لمجريات محاولة اعتقاله ليجد نفسه متورطا في تبادل اطلاق النار». وعن مجريات البحث والتحري التي قادت محمد الى مكان اختباء شقيقه ظافر قال محمد «بعد ان علمنا من والدي تفاصيل حادثة اطلاق النار وفرار ظافر من مكان عمله في فرع رئاسة تعليم البنات في النماص، قررنا سريعا ان ننظم تحركاتنا وان نكون في مقدمة من يبحث عن موقع اختبائه وذلك لثقتنا بأن موقفه الامني سليم ولا يستدعي كل هذا الفزع الذي اصابه. وبالفعل انخرطنا جميعا، والدي وعمي وابناء عمي واشقائي وبقية اهالي المنطقة مع رجال الامن في عملية البحث عن مكانه»، مشيرا الى ان شعوره في تلك اللحظات كان منصبا «على انني لو التقيت بظافر على انفراد سأستطيع اقناعه بسهوله لتسليم نفسه والخضوع للتحقيقات الامنية المعتادة، وظللت احمل، طيلة الايام الاربعة، هذا الشعور». وبالفعل، وفي مساء الثلاثاء الذي صادف مطلع شهر يوليو(تموز) الحالي، لمح محمد ظل شقيقه بين صخور صغيرة في موقع مصنعهم الجديد المخصص لإنتاج «طوب الآجور». ويقول محمد «كان ذلك بعد اكثر من محاولة لي ولابن عمي عبد الله، حيث تجولنا في جميع المواقع التي نملكها وهي عبارة عن اراض ومزارع وموقعين لمصانع الطوب. وكنا نصوت له بقدر ما تستطيعه حناجرنا. وفي يوم الثلاثاء قررت التوجه منفردا لموقع المصنع الجديد. واخترت ان تكون الجولة بسيارتي الشخصية التي يعرفها ظافر. وقبل حلول موعد المغرب بنحو ساعة تقريبا، لمحت ظافر فناديت عليه لكنه لم يجبني في بداية الامر. وكان تفكيري منصبا على طمأنته بأن رجل الامن الذي اطلق عليه النار ما زال حيا يرزق وفي طريقه للتماثل الى الشفاء، وعندما اقتربت بسيارتي من موقعه توقفت وبدأت اطمئنه على سلامة موقفه وثقتنا جميعا بذلك. وبالفعل خرج من بعيد وتحدثنا قليلا بعبارات الاطمئنان». وهنا كان محمد حريصا على عدم اثارة شقيقه بأي تصرف «كنت مدركا لوضعه النفسي وما يعيشه من هلع مبالغ فيه يتطلب الحرص والثقة والامانة في نقل المعلومات الصحيحة عما يجري حوله وبسببه». ويضيف محمد عن تلك اللحظات الشديدة التأثير «قررت أنني لو نزلت من سيارتي لربما ضيعت عليه فرصة ان يسلم نفسه بنفسه وكنت سببا في مواصلته للهرب الذي لا طائل منه. فرميت له بعلبة مياه ورجوته بأن يثق بالله ثم بنفسه ونبهته الى ان صدر الدولة سيكون اوسع على نفسه من صدره شخصيا. وبدأ ينصت بكل هدوء وسأل عما سيجري فنصحته ونقلت له مطلبنا جميعا في الاسرة بان يسلم نفسه خشية تورطه في اخطاء لا يحمد عقباها نتيجة استمرار الملاحقة الامنية الوثيقة له». ويقول محمد انه اتفق وشقيقه على ان «اذهب لترتيب اجراءات تسليمه لنفسه مع قيادات الامن العام في المنطقة وبالتنسيق مع والدي الذي بارك هذه الخطوة ولاختيار الموقع المناسب لاجراءات تسلم الامن له بدون احداث ضجيج او صخب من أي نوع». واوضح «تركت ظافر في موقعه وتوجهت الى اقرب نقطة يمكن لابن عمي عبد الله بن محمد ان يأتيني فيها حيث اطلعته على الامر وصحبته معي في السيارة وتوجهنا الى موقع ظافر من جديد وكان ذلك بعد صلاة المغرب تقريبا. وما ان وصلنا الى ظافر حتى خرج لنا وتعانقنا بحرارة، واخذنا نطمئنه، واطلعناه على ثقتنا بوضعه، وبعدالة الدولة التي ستقدر له ولأسرته مبادرة تسليم نفسه بنفسه». وقال محمد ان شقيقه ظافر استقل معهم السيارة وتوجهوا على الفور الى مكان يقع ضمن نطاق املاكهم ويتميز بكونه بعيدا عن العمران. واوضح قائلا «بعد صعود ظافر معنا في السيارة قررنا ان يذهب ابن عمي الى والدي ويطلعه بالامر ويحدد له المكان المختار ليذهب بدوره الى القيادة الامنية في المنطقة ويصحبهم لتسلم ظافر وفق الترتيبات التي تم الاتفاق عليها معهم منذ البدء». وقال «انتظرت بصحبة ظافر حتى جاءنا والدي ومدير شرطة محافظة النماص يصحبهما المقدم عبد الله الشهري وجميعهم في سيارة والدي الشخصية وبدأ الجميع في السلام على ظافر وتطمينه. وأود الاشارة هنا الى الطريقة الممتازة التي تعامل بها كبار الضباط مع شقيقي ومع ظروفه ومحاولتهم الجادة بان يتم تسليمه دون أية خسائر او استفزازات». ووفق محمد فان ظافر استقل سيارة والده بصحبة كبار الضباط وتوجهوا جميعا الى شرطة مركز «السرح» في ضواحي محافظة النماص. ويشير «في (مخفر) الشرطة بدأت اتصالات امنية لاستكمال اجراءات التسليم ووقائع محاضر الضبط وغيرها، واثناء ذلك كان مدير الشرطة قد طلب وجبة عشاء للجميع. وبعد ان انتهينا من تناول الوجبة إذ بظافر يعلن لنا عن وجود رصاصتين في ظهره، تجرع ألمها المبرح طيلة تلك الليالي، معتقدا انه في مصيبة اكبر من الاهتمام بإصابته النارية». وعند تلك اللحظة فارق الأب وأبناؤه ظافر بعد ان سلموه بأنفسهم وبترتيباتهم التي اختاروها. وبالعودة الى والد ظافر قال «نشكر تعامل رجال الامن معنا لحظة تسليم ظافر لأنهم راعوا تماما مسألة انه شخص مفزوع بما يجري حوله». واضاف الأب «تستحق المعاملة التي رأيناها بأنفسنا الشكر والتقدير. لن أنسى تواضع مدير الشرطة عندما حانت لحظة اخذ ظافر الى مركز الشرطة العام للمنطقة حيث استأذن مدير الشرطة ظافر بتعامل إنساني راق بأن يضع القيد في يديه. وعلمنا فيما بعد أنهم توجهوا به مباشرة الى المستشفى لإخضاعه للرعاية الطبية وعملية جراحية لإخراج الرصاصتين من ظهره». ولم ينف الأب وجود تشويش معلوماتي صاحب الايام التي شهدتها المنطقة لملاحقة ابنه. وقال «عندما شرفنا الامير نايف بن عبد العزيز بذلك الاستقبال الحافل بالتواضع وتقدير ظروفنا الانسانية ذكرت له ما حدث من تضارب في معلومات نقلت في الاعلام عن وجود 50 رشاشا وأسلحة أخرى وجهاز كومبيوتر محمول ضمن المضبوطات في منزل ظافر. وقلت لسموه ان منزل ظافر هو نفس المنزل الذي نعيش فيه جميعا أنا وأبنائي وشقيقي الاكبر وجميع أبنائه. وبالفعل وعد الامير بتصحيح تلك المعلومات حيث ان مجموع تلك الرشاشات لا تمت لنا بصلة وجهاز الكومبيوتر يعود لمحمد والجهاز مهمل منذ اكثر من عام. اما كمية البارود فهي لي شخصيا استخدمها في احتفالات المنطقة الرسمية وذلك وفق عاداتنا في الأفراح». وعلق محمد، شقيق ظافر، على عملية التفتيش التي جرت في منزل العائلة بالقول «صراحة نؤكد ان عملية التفتيش جرت بدون تعريضنا لأية إهانة او جرح لمشاعرنا وهذا ما يوجب شكرنا لجميع رجال الامن بتوجيهات سمو وزير الامن والأمان، وسمو نائبه وسمو امير منطقة عسير وسمو الامير محمد بن نايف بن عبد العزيز الذي استقبلنا وتحدث لنا بطريقة تثبت ان تلاحم القيادة مع الشعب عمود صلب تستند اليه نهضة وطننا ومتانة استقراره الأمني».