الجنود الأميركيون «علي بابا» جديد في بغداد يصادرون الأموال في نقاط التفتيش من دون وصولات فيعتقد الضحايا أنها سرقت

TT

اثر اندلاع اعمال النهب في العراق بعد الحرب أطلق الجنود الأميركيون على اللصوص العراقيين اسم «علي بابا»، لكن الآن صار هذا الاسم يطلق من قبل العراقيين على الجنود الأميركيين انفسهم. فالمزيد من العراقيين مقتنعون بأن الجنود الأميركيين موجودون هنا لنهب أموالهم ومجوهراتهم وسياراتهم. وأصبح هذا التصور شائعا في العاصمة ومضخما من قبل العناصر المعادية للغرب والمستعدة لاستغلال أي تلميح حول سلوك الأميركيين.

ورفض المسؤولون العسكريون الأميركيون مناقشة تهم معينة بقيام بعض جنودهم بأعمال السرقة وما تقرر من اجراءات تأديبية لمعاقبتهم، لكنهم قالوا انه في معظم الحالات كانت الممتلكات قد تمت مصادرتها خلال الغارات أو أمام نقاط التفتيش.

لكن هذا التمييز في اعمال المصادرة لا يشكل أي أهمية بالنسبة للعراقيين. وقال العريف ثاد فارلو المسؤول عن الشؤون المدنية والذي تقوم وحدته بادارة مركز للمساعدة المدنية، ان الشكاوى التي سمعها ناجمة عن مزيج من الاهمال والتصرف السيئ. وأضاف أن ذلك «حينما يصادر الجنود تلفونات الثريا التي يبلغ سعر كل منها 650 دولارا فان هذا يجعل كسب قلوب وعقول العراقيين امرا عسيرا». وهو يشير في هذا المثال الى نوع من الهواتف الخليوية المربوطة بقمر صناعي.

وحذر زعماء عراقيون من أن هذا التصور يمكن أن يسمم ردود فعل العراقيين تجاه الأميركيين ويعمق لديهم شعورا بالعجز عن استعادة ممتلكاتهم ويخلق معارضة لقوات التحالف حتى بين أولئك العراقيين الذين رحبوا باسقاط صدام حسين.

لكن الأميركيين لم يقوموا بشيء لدحض الشائعات حول أعمال السرقة التي يقوم بها الجنود. ولا يوجد هناك نظام مركزي يساعد العراقيين على استرجاع ممتلكاتهم أو للاجابة على شكاواهم. ففي أي يوم يمكن مشاهدة العراقيين واقفين عند بوابات المعسكرات أو في مكاتب الشؤون المدنية وهم يلتمسون المساعدة; امرأة مسنة تبكي لضياع مدخراتها التي أخذت من ابنها على الطريق الى بغداد. شاب قال انه أعطى هاتفا من نوع الثريا الى جندي لغرض اجراء مكالمة واحدة عليه لكنه لم يعده اليه. تاجر سجائر يقول انه رجع الى نقطة تفتيش لأخذ سيارته التي صودرت بعد يوم واحد لكنه فوجئ باختفاء السيارة ونقطة التفتيش معا.

وقالت رسمية رمضان نعمة التي قامت بخمس رحلات من الريف الى بغداد بحثا عن سبعة ملايين دينار تزعم أن الأميركيين أخذوها من ابنها: «كنت (اجلس) دائما ملتصقة بجانب الراديو بانتظار قدوم الأميركيين. الآن هم جاءوا وهذا ما حدث».

وتكمن المشكلة جزئيا في سوء تفاهم ناجم عن اختلاف في الثقافتين. فالمجتمع العراقي محكوم بالتعامل مع الأموال بشكلها النقدي وهو أمر طبيعي للناس أن يحملوا معهم أكداسا ضخمة من الدنانير مع بندقية لحمايتها. لكن الجنود الذين يكتشفون هذه المبالغ النقدية مع بندقية «ايه. كاي ـ 47» يفترضون غالبا أن صاحب النقود والبندقية في طريقه للقيام بعمل سيئ. ولا يستطيع بعض الجنود لحد الآن ادراك أن الكثير من العراقيين يحملون معهم مبالغ نقدية كبيرة عندما يكونون في طريقهم للقيام بصفقات بيع وشراء بيوت أو سيارات او ماشية. وسأل عريف أميركي حينما طرح موضوع مصادرة الأموال: «من أين يستطيع عراقي أن يحصل على 3000 دولار؟ أنا نفسي لا أستطيع ان أحصل على 3000 دولار».

كان بائع الخضار أسعد ابراهيم مهدي واحدا من القلائل الذين قدموا شكاواهم مع وجود شاهد عيان لصالحه، وهذا هو مترجم عسكري وقّع على شهادة خطية يؤكد فيها أنه خلال حملة مداهمة جرت في أبريل (نيسان) الماضي أخذ جنود أميركيون مدخرات الأسرة التي تم تفتيش بيتها وكان المبلغ يعادل 2000 دولار مع أخذ علبة شوكولاتة تحتوي على عقد شراء البيت وعلى أوراق الجنسية وبطاقة استلام التموينات الغذائية. ولم يعطه الجنود أي وصل بما صادروه، وهذا ما جعل مهدي يعتبر ملكيته قد سُرقت. وقال في الفترة الأخيرة بعد انتظار ثلاث ساعات تحت أشعة الشمس الحارقة لتقديم شكوى لجندي أميركي: «ماذا تسمين ذلك؟».

وقالت اليزابيث هودغين ممثلة منظمة العفو الدولية التي ساعدت مهدي: «لا أعرف ماذا سيفعلون للناس الذين تعرضوا للسرقة ولم يكن لديهم شهود. أنا سمعت الكثير من الناس يقولون: هم أخذوا 30 ألف دولار ولا أعتقد أنني سأرى نقودي مرة أخرى».

بالنسبة لموظفي الشؤون المدنية الذين يتحدد عملهم بتسلم الشكاوى ومتابعتها اصبح هذا الوضع مؤلما جدا بحيث أن واحدا منهم أعطى مهدي 50 دولارا من محفظته الخاصة. وقال رئيس العرفاء جيمس برات «تقوم نقاط التفتيش وبشكل روتيني بمصادرة الأموال الضخمة لكنها لم تتبع المسار الطبيعي في منح الناس وصولات مقابل نقودهم». لكن السلطات المسؤولة عن غرفة الاثباتات بدأت بتحقيق تقدم في هذا المجال حسبما قال العريف فارلو. لكن في بعض الأحيان يواجه أولئك الذين ليس معهم اثباتات مقنعة رفضا لطلباتهم. ولا يتمكن من استرجاع ممتلكاتهم الا أولئك الذين يواصلون مساعيهم، فجهود مهدي لاسترجاع ممتلكات عائلته اقتضته أن يذهب الى المطار (الذي تُحفظ الأشياء المصادرة فيه) أربع مرات ومرة الى الهلال الأحمر، وثلاث مرات الى مقر مركز المساعدة المدنية التابع الى اللواء الثاني من الفرقة 82 المحمولة جوا. وتبنى اللواء الثاني أخيرا قضيته. وهذا اللواء هو واحد من الوحدات القليلة جدا التي بدأت تدفع للدعاوى. ولحد الآن دفعت ما يقرب من 30 ألف دولار، حسبما قال شين ماك كيني المسؤول عن التحقيق في الدعاوى. وهذه مهمة عسيرة اذ حتى لو تم تشخيص الجنود المشاركين في عمليات المصادرة فان هناك احتمالا قويا بأنهم قد غادروا البلد نهائيا. لكن بعض العراقيين لا يستطيعون أن يفهموا هذه المصاعب. وقال التاجر عبد الحميد عبد المجيد الذي اشتكى من مصادرة سيارته و11 مليون دينار حينما قُبض عليه لتجاوزه حظر التجول الليلي «أنا أتعامل مع أعظم جيش في العالم، ولكن هذا الجيش العظيم الذي يستطيع أن يشاهد حتى نملة أو صخرة من السماء لا يستطيع أن يجد من كان في الخدمة تلك الليلة؟».

بالمقابل قال العريف جوشوا هوارد الموظف في الشؤون المدنية «أنا أريد أن أخرج كي أعثر على سيارته والأحد عشر مليون دينار، لكنني لا أمتلك أي صلاحية للقيام بذلك، أنا لا أعلم من يمتلك الصلاحية للقيام بذلك، وبصراحة أنا أتمنى أن أقوم بكل شيء ممكن لمساعدة الناس».

بعد التدقيق في قضية مهدي قرر العريف ماك كيني أن يدفع الجيش النقود له، أما صندوق الشكولاتة الذي يحتوي على أوراق ملكية البيت والهويات الشخصية فلم يتم العثور عليه».

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»