بعد اسابيع من المفاوضات المريرة وافقت الدول الاعضاء في الامم المتحدة من حيث المبدأ مساء اول من امس على خفض المبالغ المستحقة على الولايات المتحدة ولذلك لأول مرة خلال ربع قرن. وإذا ما صادق الكونجرس الاميركي على هذه التسوية ستزاح من طريق التفاهم بين واشنطن والمنظمة الدولية عقبة مزعجة جداً قبيل تولي الادارة الجديدة السلطة في البيت الابيض.
رد الفعل الاولي الصادر عن اوساط الكونجرس كان ايجابياً، بينما ذكرت جهات دبلوماسية في مقر المنظمة الدولية انه لم يتبق سوى بضع نقاط تفصيلية قبل ان تقر الجمعية العمومية للامم المتحدة التسوية.
ريتشارد هولبروك المندوب الاميركي في الامم المتحدة لم يخف سعادته بما انجز معتبراً اياه «إنجازاً جباراً» للمنظمة. وللعلم كان هولبروك قد امضى معظم الاشهر الـ16 التي شغل فيها هذا المنصب وهو يكافح من أجل تفاهم 188 دولة مع الولايات المتحدة على سلّمين منفصلين من المستحقات، الاول للميزانية العادية للمنظمة والثاني لنفقات حفظ السلام. وسيتوجب في ضوء التفاهم المقر ان تزيد مساهمات بعض الدول لتغطية خفض المساهمة الاميركية.
وفي واشنطن ايضاً، كان الترحيب حاراً. فحتى السناتور جيسي هيلمز (جمهوري يميني متشدد من نورث كارولينا) الذي يعد اشد منتقدي الامم المتحدة في مجلسي الكونجرس، اعتبر ما تحقق في نيويورك «قفزة حقيقية الى الامام» وخص هولبروك بثناء خاص.
الجدير بالذكر ان العلاقات بين واشنطن والامم المتحدة تدهورت كثيراً اثر نجاح الجمهوريين بالسيطرة على مجلسي الكونجرس عام 1994. وبحلول عام 1995 كان الكونجرس يسن تشريعات تفلص تعاون واشنطن مع المنظمة الدولية، ويخفض المساهمات المترتبة عليها بموجب معاهدات، ويطالب المنظمة باعادة ترتيب اوضاعها. وبالتالي ارتفع حجم الدين الاميركي المستحق للمنظمة الى ما يقرب من ضعفي حجم ميزانيتها العملانية. وتزايد سخط العديد من الدول على ما رأته توقع واشنطن من دول العالم الموافقة بلا تحفّظ على سياساتها بينما تنوء المنظمة تحت وطأة الديون المتراكمة.
الا ان هولبروك نجح في تغيير وجهة الجدل القائم، معتبراً ان المطلوب هو إعادة تقييم مساهمات جميع الدول الاعضاء لأن اوضاع العالم ككل تغيّرت منذ آخر مراجعة للمساهمات الدولية خلال عقد السبعينات، وانه لا بد من ان تعكس تغير «الحقائق» الاقتصادية في العالم.
* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»