أسرتا منفذي عمليتي رأس العين وأرييل تؤكدان أن الاستفزازات الإسرائيلية هي التي دفعت خميس وإسلام إلى تفجير نفسيهما

يوسف قفيشة لاحظ أن ابنه مقدم على عمل ما وغازي جروان اتصل بالشرطة الفلسطينية ليبلغها بغياب ابنه

TT

بعد وقوع العمليات التفجيرية، يقول اباء وامهات المشاركين في مثل هذه العمليات، انهم لم يكونوا على علم بما كان ابناؤهم يستعدون له. وخلافا لهؤلاء يعترف يوسف قفيشة بانه لاحظ شيئا ما على ابنه المراهق اسلام (منفذ عملية مستوطنة ارييل) منذ اكثر من عام. بل انه قال انه حاول ان يبعده عن ذلك. وقال قفيشة «قلت له: انت في حاجة الى تعليم ـ ويمكنك الانخراط في السياسة. واتفقنا على ذلك».

كما ان غازي جروان الذي يعيش على بعد عدة مئات من الامتار عن اسرة قفيشة في مخيم عسكر شرق مدينة نابلس، كان قلقا ازاء احتمال تطوع ابنه خميس، لعملية تفجيرية لدرجة انه اتصل بالشرطة الفلسطينية يوم الاثنين، بعد يوم من اختفاء ابنه من عمله وقبل يوم من تنفيذ العملية في راس العين داخل الخط الاخضر.

ولم يلتق الابوان قط الا يوم الثلاثاء اي عندما شاع في نابلس بان ولديهما، نفذا عمليتين انتحاريتين منفصلتين ذلك الصباح، أدت الى مقتل اسرائيليين وجرح ما لا يقل عن 13.

وبعدها التقى الابوان مرة اخرى لتقبل العزاء في ابنيهما حيث اختلط الحزن بالفخر لموتهما كـ«شهيدين» والغضب لاعتقادهما ان اسرائيل هي المسؤولة. وقال قفيشة وهو بقال «لا استطيع السيطرة على اولادي. لقد حضر الاسرائيليون الى مدننا لاستفزازنا. وحتى لو قبلت انا الاستفزاز فأولادي لا يمكنهم قبول ذلك».

وما يقوله هو وجهة نظر مطروحة منذ بدء الانتفاضة قبل حوالي 3 سنوات حول من المسؤول عن ظهور ظاهرة التفجيريين.

ويشعر معظم الاسرائيليين بالغضب من تحميلهم مسؤولية هذه العمليات التي يصفونها بأنها عمليات غير اخلاقية. ويردون التهمة الى الفلسطينيين ويحملون الاباء منهم مسؤولية تعليم اولادهم كراهية الاسرائيليين. ويلقون باللوم ايضا على فصائل فلسطينية مثل حركة حماس وكتائب شهداء الاقصى ـ الجناح العسكري لحركة فتح، وهما الحركتان اللتان اعلنتا مسؤوليتيهما عن عمليتي راس العين وارييل.

وتشارك اسر وجيران التفجيريين هذه الايام في نابلس في النقاش ليس فقط في اطار النزاع الشامل ولكن ايضا في اطار الحملة الحالية لتحقيق السلام ضمن خطة خريطة الطريق الاميركية. ويقولون ان الامر ليس صدفة انهما اتيا من نابلس التي شهدت قبل ذلك باربعة ايام مقتل 4 فلسطينيين من بينهم اثنان من قادة كتائب القسام ـ الجناح العسكري لحماس، على ايدي القوات الاسرائيلية. وقالت الاسرتان ان اسلام قفيشة وخميس جروان شاهدا الجيش الاسرائيلي وهو يدمر عمارة سكنية من 4 طوابق كان يختبيء فيها رجال حماس.

وقتل احد الرجال الاربعة خلال عملية الهدم، وكان من بينهم ايضا شاب في الثامنة عشرة من عمره اسمه محمود عتيق، قال الجيران انه كان يلقي الحجارة على الجنود وكان صديقا مقربا من خميس جروان. واضاف جروان الذي يدير مطعما «كان ابني شاهدا على ما حدث.. تدمير منزل على شخص بداخله».

تجدر الاشارة الى ان اسرائيل تقول ان من حقها ملاحقة مخططي الهجمات على اسرائيل، ولا سيما عندما فشلت السلطة الفلسطينية في حل منظمات مثل حماس، مثلما تنص خطة السلام، الا ان الفلسطينيين يقولون ان اسرائيل لم توف بالتزاماتها طبقا لخطة خريطة الطريق، وواصلت الغارات مثل تلك التي وقعت يوم الجمعة وفشلت في سحب قواتها من المدن الفلسطينية مثل نابلس.

وحتى قبل ان ينفذ الشابان عمليتيهما التي يفصل بينهما 40 دقيقة وعدة اميال فهناك صفات مشتركة بين اسلام قفيشة وخميس جروان، فقد كان الاثنان يعيشان في مخيم عسكر على بعد دقائق من بعضهما البعض. خميس في بيت جديد ـ دمرته القوات الاسرائيلية اول من امس. اما اسلام فقد كان يعيش في عمارة سكنية خارج المخيم. وكان الاثنان يعيشان مع اسرتيهما الكبيرتين ويحاولان كسب رزقيهما عن طريق بيع الاشياء الصغيرة في الشارع، حيث كان جروان يكسب اقل من دولارين يوميا.

ومن بين الاثنين فإن خميس كان اقرب الى التطرف، رغم ان اسرته قالت انه لم تكن تعلم بوجود علاقات له بالجماعات المتطرفة، انما كان كغيره من الشباب الفلسطيني يقذف بالحجارة الجنود الاسرائيليين واصيب برصاصة مطاطية في ساقه في اغسطس (اب) الماضي عندما كان يواجه القوات الاسرائيلية.

وقتل خمسة من اصدقاء خميس خلال سنوات الانتفاضة الثلاث السابقة. وكتب في دفتر يومياته المدفون الآن تحت الانقاض ان «الشخص اذا فقد صديقا، فإن الموت سيكون امرا سهلا».

لم يعد يوم الجمعة من عمله في الموعد المحدد واتصل بشقيقه الاكبر وابلغه بأنه ذاهب الى صاحب العمل، إلا ان اسرته اتصلت في وقت لاحق بصاحب العمل الذي قالت زوجته انه في الاردن وأن جروان خرج مبكرا وقال ان والدته مريضة.

اتصل الاب بالشرطة الفلسطينية في اليوم التالي وعبر لها عن شكوكه آخذا في الاعتبار غضب ابنه عقب المداهمة التي حدثت يوم الجمعة الماضي. وقال جروان ان لديه شعورا بان ابنه اقدم على فعل شيء. واستغل مسؤول امني اسرائيلي هذا الكلام ليتهم السلطة الفلسطينية بانها لم تنقل اليهم هذه المعلومات.

واختفى في نفس اليوم عصام قفيشة. وقال لاسرته انه لم يشارك في عمليات الرشق بالحجارة ولم يكن متدينا، بل ان طموحه الآني كان يتركز في اللحاق بصديق سافر الى روسيا للدراسة. ويقول شقيقه انه كان يريد من يساعده على الخروج من حياته البائسة. لكنه قال قبل عام، وبطريقه لم يحددها والده، انه يريد ان يصبح «شهيدا»، كما اعرب كثيرا عن غضبه خلال العمليات العسكرية الاسرائيلية في نابلس.

واضاف شقيقه انه دائما ما كان يقول عند حدوث هجوم عسكري اسرائيلي على نابلس «أي حياة هذه (التي نعيشها)». وقال فايز سدر، جار جروان، انه كان يتساءل عن صدى الرد الاسرائيلي المعتاد بتدمير منازل التفجيريين على الاجيال المقبلة من الفلسطينيين.

وفي الساعة الثالثة فجرا وصل الجنود الاسرائيليون وطرقوا باب منزل جروان ومنحوه عشر دقائق لمغادرة المنزل قبل ان يدمروه. وخوفا من أي اضرار جانبية، ايقظ السدر اطفاله الاربعة، الذين كانوا نائمين في غرفة واحدة، واخرجهم من المنزل قبل ان يحدث الانفجار حفرة كبيرة في الغرفة. ويقول السدر ان نفوس أطفاله ستكون قد امتلأت بالتأكيد بكراهية الجنود الاسرائيليين وستظل هذه المشاهد موجودة في ذاكرتهم.

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»