«صراع سلطة» بين رجال الدين الشيعة الكبار والصغار والشرطة تعتقل 12 مشتبها في اغتيال الخوئي

شكوك في دور إيراني لتأجيج الصراع بهدف إبقاء واشنطن مشغولة في العراق خوفا من أن تتفرغ لها

TT

دخل رجال الدين الذين يمتلكون سلطة روحية على عدد كبير من المسلمين الشيعة في العراق في صراع لفرض سطوتهم حيث يدعو الاكبر سنا فيهم إلى الصبر مع الاحتلال بينما يدفع رجال الدين الشباب الأشبه بزعماء ميليشيات باتجاه إقامة دولة إسلامية في العراق.

وتدور شكوك في قيام ميليشيات رجال الدين الصغار بسلسلة الهجمات الأخيرة وهذه تشمل تلك التي وقعت في عطلة نهاية الأسبوع الأخيرة والتي كانت تهدف إلى إزالة أو زعزعة علماء الدين في النجف. وبدأت عمليات القتل منذ أبريل (نيسان) الماضي حينما تم اغتيال عبد المجيد الخوئي أحد رجال الدين الشباب والبارزين داخل أكثر الأضرحة قداسة بالنسبة للشيعة. وظلت عملية القتل أشبه بفتيل كامد لم يؤكد رجال الشرطة والمحققون وقوع اعتقالات بسببها إلا أول من أمس حيث تم التصريح باعتقال ما يقرب من 12 شخصا مشتبهين بتورطهم في القتل ومن المتوقع أن تجري اعتقالات أخرى لاحقا.

وهذه المواجهة التي اعترف بها رجال دين من الطرفين تجري أحداثها في تلك الطرق الضيقة المنتشرة في مدينة النجف، وهي مواجهة تهدف لكسب زعامة لطائفة الشيعية التي تشكل 60 في المائة من سكان البلد الذين يبلغ عددهم حوالي 25 مليون نسمة.

في زاوية من هذا الصراع يحلق رجال الدين الكبار حول آية الله علي السيستاني مراهنين على أنها ليست سوى قضية وقت قبل أن تحقق الولايات المتحدة نظاما ديمقراطيا في العراق حيث يشكل الشيعة فيه الأكثرية.

وفي الجهة المعاكسة يقف المعارضون الناشطون للاحتلال وهؤلاء يدعمون مقتدى الصدر وهم يؤمنون بأنه على الشيعة أن يتحركوا بقوة لفرض دولة إسلامية مماثلة لما هو موجود في إيران. وقال الشيخ الشيباني، 33 سنة، الذي يدير محكمة إسلامية في النجف متحديا بذلك ايات الله الكبار في السن: «ان الخلاف يعود تاريخيا إلى خطين متميزين وخصوصا في الفكر الشيعي». وأضاف الشيباني: «هناك من يقول إن عليك أن تتبنى الجهاد في أوقات الظلم وهناك من يقول إن عليك البقاء صامتا حتى ظهور المهدي» الذي يعدّ منقذ الشيعة.

وعلى الرغم من أن رجال الدين الشباب لم يعلنوا الجهاد صراحة لكنهم لمَّحوا إليه كمكانية. ولم يشر أي شخص بشكل علني إلى مقتدى الصدر لكن رجال الشرطة والمحققين والأميركيين في العراق القوا المسؤولية على تنظيمه في إثارة أعمال العنف. وقال التاجر قاسم شبر من النجف بعد إشارته إلى احتمال وجود دور لمقتدى الصدر في إراقة الدماء التي وقعت يوم الأحد الماضي حينما انفجرت قنبلة خارج مسكن أحد آيات الله المحافظين وتسببت بمقتل ثلاثة أشخاص: «كل واحد في المدينة يتوقع حدوث شيء كهذا». ويقف وراء كل النقاشات الدائرة حول سلطة المسلمين الشيعة في العراق السؤال المتعلق بالدور الإيراني هنا. ويقول الإيرانيون إنهم يريدون عراقا مستقرا ديمقراطيا وهم يتوقعون من ذلك تحقق الهيمنة الشيعية على الحكم.

لكن بعض العراقيين تنتابهم شكوك في ان إيران تريد أن تبقى الولايات المتحدة مشغولة بالوضع المضطرب في العراق بدلا من توجيه اهتمامها إليها، لذلك هي تدعم مقتدى الصدر أو بقايا منظمة «أنصار الإسلام» المنظمة الأصولية المتطرفة التي يعتقد الأميركيون أنها تخطط لهجمات ضد أهداف غربية في بغداد.

وبعد اغتيال عبد المجيد الخوئي مباشرة والذي كان الحفيد المفضل من قبل آية الله آخر قتله صدام حسين قال سكان النجف إنهم شعروا بخوف شديد في الحديث عن الجريمة. لكن منذ عدة أسابيع بدأوا بتعليق لافتات في الشوارع وراحوا يتكلمون بشكل علني عن شكوكهم في أن الصدر أو على الأقل بعض أتباعه كانوا وراء الجريمة. فهناك لافتة كتِب عليها شعار «العار والذل للهراطقة القتلة» معلقة بالقرب من مكتب مقتدى الصدر الذي هو ابن آية الله محمد الصدر الذي كان هو الآخر ضحية نظام صدام حسين.

وتعد النتائج المحتملة للتحقيق الجاري حول مقتل الخوئي حساسة جدا بحيث ان رجال الشرطة والمحققين يرفضون مناقشتها واكتفوا بالقول إنهم أوقفوا ما يقرب من 10 أشخاص كان الشهود قد حدودهم كونهم ضمن من شارك في القتل.

لكن الشيخ أحمد الشيباني أحد مساعدي الصدر أنكر أن يكون لأتباع الصدر دور في أي أعمال عنف. ويعتبر المحافظون في النجف مقتدى الصدر وأتباعه من محرضي الغوغاء. والفرق بين المجموعتين أصبح واضحا جدا خلال أي مناسبة دينية. إذ يتميز أتباع الصدر بالانفعال الشديد وترديد هتافات ضد الولايات المتحدة «نحن الصدر ضد الكفرة»، ويرددون شعاراتهم بإيقاع متناغم متهيج يمضون في القفز ولطم صدورهم بشدة على الرغم من قيظ أغسطس (آب). بينما يجلس أتباع رجال الدين الكبار من بينهم جزء كبير من الشباب بشكل خجول مرددين شعارات غير فاترة وغير سياسية.

ومن بين أكثر المقترحات المثيرة للخلاف ما طرحه الصدر حول تكوين ميليشيا شعبية قال مساعدوه الكبار إنها من اجل توفر الأمن للمناطق الشيعية. بل يتوقَّع أن تصبح نوعا من شرطة الأخلاق التي تفرض معايير سلوك الجمهور في الشوارع.

ويقول الشيخ محمد الفرطوسي، أحد مساعدي الصدر الكبار في مدينة الصدر ببغداد التي يبلغ عدد سكانها حوالي مليوني نسمة: «إنه ليس جيشا لبث عدم الاستقرار أو لزعزعة الأمن. بل سيساعد المظلومين».

ويسعى اتباع رجال الدين الصغار إلى عدم إثارة غضب القوات الأميركية عن طريق التحريض ضدهم بشكل مباشر ولكن التهديد بمشاغلتهم ينتشر في كل لقاء ديني وفي كل مقابلة. وقال الفرطوسي وهو يؤكد أن عشرات الآلاف من المتطوعين يسجلون كل يوم في «جيش المهدي» وأنهم سيقومون بحماية المناطق الشيعية من أي اعتداء: «نحن لا نمتلك أي طائرات أو دبابات أو مدافع مثل أعدائنا. حتى لو وصلنا إلى نقطة ليس لدينا حجر كاف فنحن سنفرش أجسادنا».

وفي النجف يسخر رجال الدين الكبار من التصريحات المتعلقة بتشكيل مليشيا مدنية لحماية الشخصيات الشيعية أو الأضرحة. لكن بعض التجار في بغداد قلقون من أن تكون هناك مجاميع دينية عنيفة قد بدأت تتشكل سرا. فمن ناحية تم إحراق كل محلات بيع المشروبات الروحية التي يمتلكها عادة مسيحيون عراقيون خلال الأشهر القليلة الأخيرة يجادل رجال الدين الشباب المتحلقون حول الصدر بأن الكحول يجب أن يُمنع لكنهم قالوا إنهم لا يحاولون منعه عن طريق العنف.

ويعترف المسؤولون الأميركيون إنه ليس هناك أية طائفة أكثر أهمية من الشيعة في العراق. ووصف أحد المسؤولين من قوات التحالف الموافقة الضمنية لرجال الدين الكبار لاحتلال العراق بأنها استراتيجية أساسية لتحقيق الاستقرار وقال هذا المسؤول: «الحفاظ على دعم الشيعة جوهري لنجاح قوات التحالف».

واجمالا يظهر الشيعة قدرا من التردد في مناقشة خلافاتهم الداخلية. ويقول المسؤولون من المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق وحزب الدعوة ـ الممثلون في مجلس الحكم الانتقالي ـ إن التوتر شيء طبيعي بعد سنوات طويلة من الاضطهاد. وقال عادل عبد المهدي المسؤول الكبير في المجلس الأعلى للثورة الاسلامية: «بعد 35 سنة يريد الناس فقط التعبير عن أفكارهم حتى لو كان التعبير أحيانا بطريقة غير عقلانية. إنه مؤشر صحي أن يتخلص الشيعة من براثن الاضطهاد» أنت لديك طائفة تحاول أن تجد طريقها ولهذا السبب يمكن أن يكون أمرا خطيرا إذا نحن لم نكن موحدين».

وحينما سئل رجال دين كبار آخرون عن الصراع القائم أنكروا جميعا وجود انشقاق عميق داخل الطائفة الشيعية وحمّلوا البعثيين مسؤولية ما يجري لزعزعة الوضع في العراق عن طريق أعمال العنف. وعلقت لافتة على مكاتب مؤيدي مقتدى الصدر توجه الاتهام لقوات التحالف بالمسؤولية عن الانفجار الذي وقع يوم الأحد الماضي بهدف ترهيب الحوزة العلمية في النجف. لكن المجموعات الشيعية الأكثر هيكلية اعتبر التكتيكات التي يتبعها أتباع الصدر مثل حرق محلات الخمور بأنها أساليب غير ناضجة وهي لن تنجح على الأكثر في كسب الناس إلى جانبها.

ويقول علي عبد المهدي المسؤول الكبير في المجلس الإسلامي للثورة الإسلامية في العراق: «إن هذه الحركة الطفولية تفرض أفكارها على الآخرين بالقوة. وأفكارها هي من دون أية معرفة عميقة أو دراسة من قبل أولئك الناس الذين هم إما مراهقون أو أشخاص لم يتابعوا أية دراسة دينية». مع ذلك لم يكن هناك سوى القليل من النقد العلني لمقتدى الصدر في العراق. ويبدو أن المؤسسة الشيعية لم تجد الطريق المناسب الذي يمكنها من تحديه فهي تخاف من أنها قد تفقد أنصاره الذين ينتمون إلى أكثر الفئات الشعبية فقرا وعزلة.

وخارج الطائفة الشيعية يرى بعض المسؤولين ان الصدر يخدم كأداة مفيدة. فبينما قد يشعر آيات الله بالغيظ الشديد من الناشطين لكنهم يعدون مثالا حيا لحرب دينية يمكن أن تُعلن في حالة فشل قوات التحالف من تحقيق وعودها.

والسؤال المطروح الآن هو فيما إذا كان رجال الدين الأكبر سنا والأرسخ قدما سينجحون في كسب كل الفئات الشيعية أو أن مشاعر الخيبة ستوسع من قبول فكرة إنشاء دولة إسلامية في العراق. ويرى رجال الدين المعتدلون أن أسرع علاج لمواجهة التطرف هو بتوفير الأمن والعمل والكهرباء فهذه العناصر ستساعد في رأيهم على إبعاد الشيعة عن التطرف. ويقول محمد حسين الحكيم ابن آية الله العظمى محمد سعيد الحكيم الذي كان بيته مسرحا للتفجير الذي جرى يوم الأحد الماضي: «الناس تخاف من الفوضى». وكان الابن الأصغر للحكيم قد تعرض هو الآخر قبل عدة أسابيع لهجوم سبّب له جروحا. وأضاف في المقابلة التي أجريت معه: «إذا نجحت قوات الاحتلال في تحقيق النتائج بسرعة فإن ذلك سيمنع المحرضين على أعمال من هذا النوع».

* خدمة «نيويورك تايمز»