إدارة بوش تعترف بأن تكلفة احتلال العراق أكبر من طاقتها وتسعى لإعطاء دور أكبر للأمم المتحدة

TT

مع تحركها لدور أكبر للأمم المتحدة في العراق، اعترفت ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش بأن التكاليف الباهظة للعملية، في الاطار البشري والمالي، هي من الضخامة بحيث لا يمكن للولايات المتحدة وحدها ان تتحملها.

وحتى الوقت الحالي ظل «الدور الحيوي»، الذي وعد الرئيس بوش الأمم المتحدة به، محدوداً في اسهام هامشي. غير ان الحاجة الأميركية الحالية للقوات والأموال التي لا يمكن ان توفرها الا دول اخرى تحفز واشنطن على اعادة التفكير بواقعية في المشاركة الدولية.

ان المهمة الاوسع التي يمكن تحديدها، بما في ذلك اشراف الأمم المتحدة على قوات متعددة في العراق تحت قيادة اميركية ـ وهو ترتيب قالت الادارة، للمرة الاولى، انها قد تكون مستعدة لقبوله ـ ان هذه المهمة مطروحة للتفاوض. وتبقى هناك، داخل مجلس الأمن، وداخل الادارة الاميركية ذاتها، اختلافات عميقة بشأن المدى الذي يجب ان تتوافق فيه المشاركة الأوسع في الأعباء في العراق بالتزامن مع مشاركة اوسع في السلطة وفي عملية صنع القرار.

ولكن بعد اربعة اشهر اقتضى فيها الاحتلال الاميركي للعراق ضريبة ثقيلة، وبدون نهاية منظورة، يمكن ان ينظر الى الطريقة الاميركية الجديدة تجاه الولايات المتحدة باعتبارها دعوة للمساعدة في وجه وضع مرهق سياسياً.

وقال السناتور الاميركية جوزيف بيدن في مقابلة اجريت معه بالهاتف يوم الخميس الماضي «نحن نشكل 95 في المائة من القتلى، ونتحمل 95 في المائة من التكاليف، ونشكل ما يزيد على 90 في المائة من القوات»، مضيفاً ان «التكاليف صاعقة، ونحن نشهد تصاعداً مستمراً في عدد الضحايا الاميركيين، ونحتاج الى التوجه الى الامم المتحدة طلبا للمساعدة، ومن اجل عملية عسكرية تصادق عليها الأمم المتحدة وتكون تحت قيادة اميركية». وبوجود ما يقرب من 140 ألف جندي اميركي في العراق، تصل التكاليف العسكرية وحدها الى ما يقرب من أربعة مليارات دولار شهرياً حسب ما قاله مسؤولون في الادارة. وزاد عدد أفراد القوات الاميركية الذين قتلوا منذ انتهاء العمليات العسكرية الرئيسية على عدد من قتلوا اثناءها، وبينهم ما لا يقل عن 64 بنيران معادية في مقاومة حرب عصابات لا تظهر دليلاً على الانحسار.

وبينما كانت الادارة الاميركية تأمل في ان ايرادات النفط العراقي ربما تغطي كلفة اعادة الاعمار، فقد تلاشى ذلك التفاؤل الى الحد الذي جعل بول بريمر، الحاكم المدني الاميركي في العراق، يقول الاسبوع الماضي، ان العراق يمكن ان يكون بحاجة الى عشرات مليارات الدولارات من الولايات المتحدة ودول اخرى في العام المقبل للمساعدة في جهود اعادة الاعمار.

ومن اجل تعبئة المساعدة الخارجية في تسديد تلك الفاتورة، فان الولايات المتحدة ستعقد مؤتمراً للمانحين الدوليين في العاصمة الاسبانية مدريد اواخر اكتوبر (تشرين الاول) المقبل، وفي هذا الاطار سيجري لقاء تمهيدي، الاسبوع الحالي، في العاصمة البلجيكية بروكسل. غير ان خبراء كثيرين يقولون انه لن يجمع مبلغ كبير من المال الضروري ما لم توفر الولايات المتحدة للمانحين دوراً اكبر في كيفية انفاق الاموال، وما اذا كان ذلك سيتم عبر الأمم المتحدة أو بوسيلة اخرى محددة ومتفق عليها. وقال جيمس شتاينبيرغ، الذي عمل مساعداً لمستشار الأمن القومي في عهد الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون، وهو الآن مدير لدراسات السياسة الخارجية في معهد روكينغز بواشنطن، انه «من الصعب الاعتقاد بان كبار المانحين سيحررون صكاً لدعم احتلال اميركي لا سيطرة لهم عليه».

ان رغبة الولايات المتحدة في تلقي مساعدة من دول اخرى في عملية حفظ السلام في العراق واعادة اعمار اقتصاده ليست مسألة مفاجئة بحد ذاتها. فقد اوضحت الادارة منذ البداية انها تأمل في تعبئة «تحالف راغبين».

والحقيقة انه حتى في الوقت الحالي تتجمع فرقة عسكرية متعددة الجنسيات في جنوب غرب العراق لتحل محل قوات المارينز الاميركية التي من المقرر ان تغادر اوائل الشهر المقبل. ويقول الفرقة البولنديون، وستضم الوية يقودها الاوكرانيون والاسبان. وتشمل الدول الاخرى التي تساهم في القوات كلاً من بلغاريا والدنمارك وجمهورية الدومينيكان، والسلفادور، وهندوراس، والمجر، وكازاخستان، ولاتفيا، وليتوانيا، ومنغوليا، ونيكارغوا، والنرويج، والفلبين، وبولندا، ورومانيا، وسلوفاكيا، وتايلاند. غير انه بغض النظر عن تلك القوة، فان ما كان مفاجئاً هو معارضة الكثير من الدول ارسال قوات بأعداد كبيرة الى العراق من دون تفويض جديد من الأمم المتحدة.

وسوية مع الأعباء التي تفرضها الهجمات المستمرة على القوات الأميركية والبريطانية، والبنية الأساسية للبلاد، فان النتيجة هي ان كلفة الولايات المتحدة اعلى مما كانت الادارة قد توقعته. وحتى مايو (ايار) الماضي كانت الادارة الاميركية تأمل ان تقلص قواتها في العراق في الخريف الحالي الى 30 ألف جندي فقط، او ما يقل عن ربع اولئك الذين تتوقع، الآن، بقاءهم في المستقبل غير المنظور. وينظر الآن الى الحصول على تفويض جديد من مجلس الأمن باعتباره هدفاً اميركياً هاماً الى حد ان وزير الخارجية كولن باول قطع اجازته الاسبوع الماضي ليتوجه الى نيويورك للقاء الأمين العام للأمم المتحدة كوفي انان. ويمكن لمثل هذا التفويض ان يسمح للقادة العسكريين الاميركيين بطلب قوات من دول مثل الهند وباكستان عارضت الحرب ولكنها مستعدة للاسهام في قوة اذا ما كان ذلك يحظى بمصادقة من الأمم المتحدة. وقد يفتح مثل هذا التفويض السبيل الى تعبئة قوة من دول حلف الناتو، بما في ذلك تركيا، وفقا لما قاله بيدن الخميس الماضي.

ولكن من غير الواضح ما اذا كانت الادارة الاميركية مستعدة لتقديم التنازلات الضرورية لتعبئة دعم أعضاء في مجلس الأمن مثل فرنسا وروسيا، اللتين قالتا ان دورا اكبر للولايات المتحدة في العراق لا بد ان يشتمل على نفوذ حقيقي.

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»