الأمير عبد الله للإعلام الروسي: السعودية لم تغب أبدا عن دعم الجهود لتحقيق الاستقرار في العراق

TT

في اول حديث يدلي به الى مطبوعة اعلامية روسية اكد الأمير عبد الله بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني السعودي على عالي تقديره لنتائج مباحثاته في العاصمة الروسية. وقال في حديثه الى مراسلي وكالة انباء انترفاكس وصحيفة «ازفيستيا» انه يود ان يعرب عن شكره للرئيس فلاديمير بوتين على دعوته لزيارة روسيا الاتحادية. واشار الى ان الزيارة استهدفت توطيد العلاقات بين البلدين، فيما نوه بتوقيع العديد من الاتفاقيات التي توطد توجهات حكومتي البلدين تجاه تطوير العلاقات الاقتصادية وغير ذلك من المجالات الى جانب مناقشة القضايا الدولية والاقليمية التي تهم الطرفين.

وحول اهتمام الكثير من الشركات الروسية بتنفيذ عدد من المشروعات في السعودية ومدى الاستعداد لمنح هذه الشركات الفرصة لذلك، قال الامير عبد الله ان هذا الموضوع ناقشه خبراء من الجانبين بالتفصيل، معربا عن امله في ان تكون الاتفاقية الموقعة بين وزارة البترول والثروة المعدنية السعودية ووزارة الطاقة الروسية تتفق مع طموحات البلدين تجاه تسهيل عملية تشكيل المؤسسات المعنية المشتركة المنوط بها تنفيذ هذه المشروعات في البلدين، الى جانب انها تنص على اجراء الابحاث المشتركة وتبادل المعلومات والخبرات.

وقال الأمير عبد الله انه من المعروف ان المملكة ممثلة في وزارة البترول والثروة المعدنية نظمت منذ فترة وجيزة ندوة جرت خلالها مناقشة آفاق الاستثمارات السعودية في مجال الغاز والطاقة المفتوحة امام الشركات الاجنبية. وقد شاركت المؤسسات الاجنبية المتخصصة بما فيها الروسية في هذه الندوة.

وعن توقعات بعض المحللين بشأن احتمالات ان تسبق روسيا السعودية في عام 2004 في مجال تصدير النفط وما اذا كانت الرياض تعتبر موسكو منافسا لها، قال الأمير عبد الله ان السعودية وروسيا وبوصفهما من اكبر الدول النفطية مدعوتان للتعاون وتنسيق النشاط في الاسواق الدولية وليس التنافس، مؤكدا ان السعودية تفضل ان تعتبر روسيا شريكا لا منافسا سواء في مجال النفط او في المجالات الاخرى. وحول آفاق انضمام روسيا الى منظمة «الاوبك» وماهية الدور الذي يمكن ان تلعبه في هذه المنظمة ومدى استعداد المملكة للتنسيق مع روسيا في مجال السياسة النفطية في الاسواق العالمية، قال ولي العهد السعودي ان التنسيق بين روسيا وهذه المنظمة موجود كما ان روسيا تلعب دورا ايجابيا في تأييد مبادرات «الاوبك» الرامية الى استقرار الاسعار في السوق النفطية. وعن انضمام روسيا الى «الاوبك» قال الأمير عبد الله ان هذه المسألة قرار روسي يمكن ان تتخذه روسيا بما يتفق مع مصالحها. وفي معرض رده على سؤال مراسلي «انترفاكس» وصحيفة «ازفيستيا» حول آفاق التسوية في الشرق الاوسط وتنفيذ خريطة الطريق، اعرب الأمير عبد الله عن اسفه الشديد تجاه مواصلة اسرائيل لتجاهلها للقانون الدولي في نفس الوقت الذي يعرب فيه كل العالم عن تأييده لجهود الرباعي الدولي ومبادرته حول «خريطة الطريق». وقال ان ذلك يتمثل في استمرار اسرائيل في سياسة العنف واتخاذ الاجراءات الاحادية الجانب مثل محاصرة المناطق الفلسطينية الى جانب الاستمرار في بناء السور الامني مما يفضي الى احباط العملية السلمية وافراغها من محتواها. وقال انه ينتظر من روسيا بوصفها احد اعضاء «الرباعي الدولي» ان تبذل قصارى جهدها من اجل تنفيذ خريطة الطريق بما تستند اليه من مرجعيات بما في ذلك مبادرة السلام العربية. ودعا الى الضغط على اسرائيل من اجل تنفيذ البنود التي نصت عليها «خريطة الطريق».

وحول الوضع في العراق اوضح الأمير عبد الله ان المملكة لم تكن غائبة ابدا عن دعم الجهود الدولية الرامية الى تحقيق الاستقرار في العراق حيث عملت على دعم هذه الجهود بهدف تخفيف المعاناة عن الشعب العراقي والحفاظ على وحدة العراق واستقلاله وسيادته وسلامته، مشيرا الى ان المملكة كانت من أوائل الدول التي بادرت بارسال قوافل الاغاثة الانسانية عقب انتهاء العمليات العسكرية، كما أنها رحبت بقرار مجلس الامن الدولي القاضي برفع العقوبات عنه وتعزيز دور الامم المتحدة في العراق واستقبلت اخيرا وفدا من مجلس الحكم الانتقالي في العراق. واضاف ان السعودية لن تتوانى عن الاضطلاع بدورها في دعم الجهود الدولية الهادفة الى اعادة الإعمار في العراق غير أنه قد يكون من السابق لأوانه الحديث عن اعادة الإعمار قبل اعادة الامن والاستقرار والشرعية الى العراق، الامر الذي يتطلب تركيز جهود المرحلة الحالية على الاسراع في تشكيل الحكومة الدستورية الموسعة والممثلة لكافة أبناء الشعب العراقي والذي بدوره سيساهم في انهاء الوجود العسكري الاجنبي في أقرب فرصة ممكنة.

وحول الاتهامات التي تتعالى في الولايات المتحدة حول دور سعودي في احداث 11 سبتمبر (ايلول) وان المنظمات الخيرية المختلفة في المملكة متورطة في تمويل المجموعات الاسلامية المتطرفة، قال الأمير عبد الله ان مثل هذه الاتهامات عارية عن الصحة تماما. واشار الى انها لا تستند الى اية اسانيد منطقية، مشيرا الى ان المملكة كانت من اولى الدول التي تعرضت للارهاب فيما تظل وللاسف مستهدفة حتى اليوم. واشار الى ما تبذله المملكة من جهود على صعيد مكافحة الارهاب ومحاربة كل ما يؤدي اليه من قول او عمل او تحريض وتصفية منابع تمويله، الى جانب التعاون مع المجتمع الدولي في هذا الشأن دون ان تلتفت الى الاهداف التي يبتغيها مروجو هذه الاتهامات الجوفاء. وقال ان المملكة تناهض اية دعوات او اعمال او حتى التعاطف مع اية مظاهر للعنف.

وعن تقديره للجهود التي تبذلها روسيا لتسوية القضية الشيشانية، قال ولي العهد ان بلاده ترى ان تسوية هذه القضية التي طالت كثيرا يجب حلها عبر الطرق السلمية واستنادا الى بنود دستور روسيا الاتحادية، مؤكدا ان قناعات المملكة تتلخص في ان هذه المسألة قضية داخلية روسية.

وكانت الاوساط الرسمية والاعلامية الروسية قد واصلت تعليقاتها على زيارة الأمير عبد الله التي حظيت باهتمام فائق من جانب كل الاوساط السياسية والاعلامية. وبدا ما يشبه الاجماع حول الاهمية التاريخية لهذه الزيارة بوصفها الاولى على هذا المستوى منذ ما يزيد عن خمسة وسبعين عاما. وقد اعتبرها اندريه باكلانوف سفير روسيا الاتحادية في الرياض في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» نقطة الانطلاق الحقيقية لمسيرة واعدة وبداية بالغة الاهمية لحوار سياسي لا بد ان ينسحب على مختلف القضايا الاقتصادية والتجارية والثقافية. وقال ان اللقاء الذي جرى في الكرملين بين الرئيس فلاديمير بوتين والأميرعبد الله اتاح لأعضاء الوفدين فرصة افضل للتعارف والتقارب فيما كان فرصة مناسبة لاستعراض مواقف البلدين تجاه مختلف القضايا الاقليمية والدولية ومقدمة عملية للتحول صوب النهج البراغماتي لتحقيق التطور بين البلدين. وكشف المسؤول الدبلوماسي عن العمل على اعداد عشر اتفاقيات اخرى في مختلف المجالات الى جانب الاتفاق حول انعقاد الدورة الثانية للجنة الحكومية المشتركة للتعاون الاقتصادي والعلمي التقني في الرياض في مطلع العام المقبل.

وبصدد التعاون بين روسيا والسعودية في هذا الشأن اعلن ايغور يوسوفوف وزير الطاقة الروسية في تصريح لـ«الشرق الأوسط» ان الاجتماع المقبل للجنة الحكومية المشتركة سيعمل على اعداد عدد من الاتفاقيات اللازمة لتوفير المناخ المناسب لتطوير العلاقات بين البلدين. واشار الى انه من المتوقع اعداد اتفاقيتين; الاولى حول حماية الاستثمارات الاجنبية والثانية حول تفادي الازدواج الضريبي.

وتعليقا على ما يقال حول وجود بعض المخاوف من تضارب المصالح حول التعاون في مجال النفط والغاز بين روسيا والمملكة العربية السعودية وبين ما سبق وحدده الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والاميركي جورج بوش حول التعاون بين بلديهما في مجال الطاقة، قال يوسوفوف ان الاعلان المشترك الذي وقعه الرئيسان في الكرملين في 24 مايو (أيار) من العام الماضي يضع اسس الحوار بين البلدين في مجال الطاقة ولا يتعارض مع الاتفاقية التي وقعتها موسكو مع السعودية خلال زيارة ولي العهد الأمير عبد الله. وقال ان ذلك الاعلان يحد ملامح وأطر الحوار الذي بدأ بقمة هيوستن في الولايات المتحدة لرؤساء اكبر المؤسسات النفطية والطاقة في البلدين فيما من المقرر استئنافه في سان بطرسبورغ في سبتمبر (ايلول) الجاري.

وفي تصريحاته لـ«الشرق الأوسط» قال اندريه باكلانوف سفير روسيا في الرياض ان القضية الشيشانية جرى تناولها في المباحثات، كما تطرقت اليها بالمزيد من التفاصيل مباحثات الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي ونظيره الروسي ايغور ايفانوف.

وحول رغبة موسكو في الانضمام الى منظمة المؤتمر الاسلامي قال السفير الروسي في الرياض ان هذا الموضوع ليس وليد اليوم بل اثارته روسيا منذ ما يزيد عن الثلاث سنوات فيما ناقشه في اكثر من اجتماع مع الامين العام للمنظمة في مقرها بجدة. واشار الى ان الوزيرين ايفانوف والأمير سعود الفيصل ناقشاه خلال لقائهما الاخير في موسكو. وقال ان الجانبين خلصا الى الاتفاق في الرأي حول مواصلة الحوار من منظور تطوير العلاقات مع منظمة المؤتمر الاسلامي. وذكر سيرجي ماركوف مدير مركز الدراسات السياسة والاستراتيجية في تصريح لـ«الشرق الأوسط» ان الزيارة التي قام بها ولي العهد السعودي يجب تناولها من منظور الرغبة المشتركة في فتح قنوات الاتصال والحوار المباشر بعيدا عن مخلفات الماضي التي تأثرت كثيرا بالقوالب الآيديولوجية. وعزا ماركوف ذلك الى اتساع مساحات الاتفاق بين الجانبين.