البطالة والقيود على الحريات تدفع الشبان الإيرانيين للهجرة أو المخدرات

TT

حاملا جواز سفر مزيفا بداخل جيبه، ووثائق عمل غير صحيحة في جعبته، وعنوانا غير واضح لمكان في مدينة اسطنبول احتفظ به في حافظة نقوده، بدا حامد مستعدا للقيام برحلته.. رحلة غير قانونية عبر أوروبا، قد تنتهي به، كما يأمل، في هولندا، وقد حصل على وظيفة جيدة، وحياة أفضل.

قال حامد، 25 عاما، والذي كان يعمل في وظيفة مؤقتة بمجال الكومبيوتر، وقد جلس في إحدى حدائق وسط طهران المليئة بالأشجار: «سأذهب بالحافلة إلى تركيا.. هناك يعمل أحد أقاربي سائق عربة نقل، من هناك سأستقل عربة نقل مرورا بالعديد من الدول.. حتى هولندا.. لقد قال لي إنه يستطيع أن يحصل لي على التأشيرات المطلوبة وعلى وظيفة في أمستردام، وإن يوفر لي الوثائق الضرورية».

تحدث الينا حامد، مشترطا عدم الإشارة إلى اسم عائلته، مبررا أسباب قرار اختياره القيام بهذه الرحلة: «أريد فقط وظيفة جيدة، وبعض الحريات الأساسية، وأن يكون هناك أمل في المستقبل، فهذه أشياء غير متوفرة هنا.. أعلم ان الأمر لن يكون هينا، لكنني اعتقد انه يستحق المغامرة».

وأضاف: «الى جانب ذلك، لا أريد أن ينتهي بي المطاف كشقيقي، فقد بلغ الثلاثين من عمره وهو عاطل عن العمل وقد أدمن المخدرات ويمقت العالم».

بالنسبة لبقية العالم الخارجي، تتمثل مشاعر الغضب والإحباط التي سادت شبان أيران تجاه حكومتهم، في مظاهر الاحتجاج الطلابية التي تستحوذ على عناوين الأخبار من وقت لآخر. لكن في هذا البلد الذي يبلغ عدد سكانه 67 مليون نسمة، وأعمار أكثر من ثلثيهم تقل عن 30 عاما، ونصفهم تقل أعمارهم عن 21 عاما، تشير حالة حامد وشقيقه إلى ذلك النوع من رد الفعل الأكثر شيوعا تجاه صعوبات الحياة في ظل الجمهورية الإسلامية، حيث توجه أحدهما إلى الحدود، فيما انغمس الآخر في الوحل.

نزيف العقول ويسعى آلاف الشبان الإيرانيين سنويا للهجرة بشكل غير قانوني، بسبب شعورهم بالإحباط نتيجة غياب احتمالات الحصول على فرص العمل، والقيود المفروضة على حرياتهم، ثم نتيجة لأوضاع الاقتصاد غير المبشرة. وحسب إحصائيات حكومية، فقد غادر أكثر من 200 الف شاب من متخصصي إيران المتعلمين، بلادهم بشكل قانوني، حيث استقطبتهم الشركات والحكومات في كندا وأستراليا والإمارات العربية المتحدة والسعودية ودول شرق أوروبا والولايات المتحدة، وهي نسبة تعد واحدة من أعلى نسب نزيف العقول في العالم. لكن أعدادا تثير القلق من أولئك الذين يبقون في البلاد، كشقيق حامد، يتجهون للمخدرات. حيث يقدر المسؤولون الإيرانيون أن في البلاد قرابة مليوني مدمن، أغلبيتهم من الشبان. قال حامد: «نطلق على أنفسنا الجيل المحترق.. فقد التهمتنا نيران ثورة آبائنا، وأحرقنا نظام لم يقدم لنا شيئا باستثناء المتاعب». أما الأخصائيون الاجتماعيون والأطباء النفسيون فيقولون إن «المجتمع الإيراني يعاني من مشاعر احباط هائلة، فأولياء الأمور باتوا يقضون وقتا أقل مع أطفالهم، لأن الآباء غالبا يعملون في وظيفتين لكي يتمكنوا من الوفاء باحتياجات أسرهم».

مشاعر الإحباط هذه، واللجوء للمخدرات ومعدلات الانتحار في أوساط الشباب تعد الأعلى من نوعها هذه الأيام. وطبقا للبروفيسور ماجد أبهاري، أستاذ علم النفس، فقد زادت أعداد الشباب الفارين من اسرهم بنسبة 12 في المائة منذ عام 2000. وأغلبية هؤلاء من الفتيات اللواتي يتم استقطاب اغلبهن من قبل دوائر الدعارة المنتشرة في طهران.

وتقول السلطات الإيرانية إنه لا بد من استحداث قرابة مليون فرصة عمل سنويا لمواكبة حاجة سكان البلاد من الشباب. لكن خبراء الاقتصاد يقولون إنه تم استحداث ما متوسطه 400 الف فرصة عمل، في أحسن الظروف، خلال الأعوام الثلاثة الماضية.

ويقول كريم سجادبور، الخبير الإيراني التابع لهيئة «إنترناشيونال كرايسس غروب»، وهي هيئة بحوث بلجيكية: «الافتقار لفرص العمل، يؤجج معظم المشاكل الاجتماعية، ويثير مشاعر شباب إيران، ويمثل تحديا خطيرا بالنسبة للحكومة.. لكن الأمر لا يتعلق فقط بفرص العمل، فالشباب يرغبون أيضا في تنامي الحريات الاجتماعية والسياسية، ويشعرون بالحيرة لأن العالم يمضي قدما بدونهم».

* حديث التفاصيل

* وبالرغم من حديث المسؤولين الايرانيين المعلن عن «أزمة اجتماعية» تعصف بالشباب، الا أن قلة منهم تتحدث عن التفاصيل. وقال محمد علي أبطحي، نائب الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي، مشيرا إلى المحافظين الذين يمسكون بالمفاصل الحيوية للسلطة، وتسببوا في إعاقة معظم مقترحات الإصلاح: «بصراحة، يشعر شبابنا بالإحباط لشحة فرص العمل وللقيود المفروضة على حرياتهم، وقد بذلنا قصارى جهودنا للتعامل مع هذه القضايا، لكن التيار اليميني لا يريد أن ننجح في عملنا».

على ان شباب إيران، ومعظمهم أيد برنامج خاتمي للإصلاح، وسلب البابهم حديثه المشوق حول مزيد من الديمقراطية والحرية، باتوا يشعرون إلى حد كبير بالإحباط نتيجة لعدم تمكن الإصلاحيين من الوفاء بوعودهم.

وخلال مقابلات اجريناها معهم في ساحات الجامعة وفي دور العرض السينمائي والحدائق، حيث اعتادوا على التجمع، أعرب اغلبهم عن مشاعر إحباطهم تجاه الإصلاحيين، وعن تنامي مخاوفهم من ردود فعل المحافظين على أصحاب الرأي المخالف، وعلى اتساع الرغبة في مغادرة البلاد.

كما أعربوا أيضا عن تأييدهم للأفكار التي تنادي بقيام ديمقراطية علمانية، وعن تنامي مشاعر عدائهم لرجال الدين، وتنامي الإحساس بأن التورط في السياسة قد يجلب معه المزيد من المخاطر. خلال شهر يونيو (حزيران) الماضي، اتسعت مظاهر احتجاج الطلاب على زيادة الرسوم الدراسية، لتتحول إلى مظاهرات عامة شملت قضايا تهم الرأي العام بأسره، وكانت الأشد اثارة للفوضى منذ مظاهرات الطلاب التي عصفت بالبلاد عام 1999، وأدت إلى مقتل ما لا يقل عن خمسة اشخاص واعتقال المئات.

* اتهامات الحكومة

* كان تعامل السلطات هو الأشد مع المظاهرات الأخيرة، اذ اعتقلت قرابة 4 الاف شخص، إضافة إلى عمليات الضرب المبرح، والقاء زعماء الحركة الطلابية المؤيدين للديمقراطية في السجون.. كل ذلك أثار القلق في أنحاء إيران. وقد أدت حملة الدعاية الحكومية اليومية، التي وصفت المتظاهرين بأنهم «مرتزقة أميركيون»، و«فوضويون معادون للإسلام»، إضافة إلى التلويح بعمليات قمع إضافية، والتشويش على البرامج التلفزيونية التي تبثها المعارضة عبر القنوات الفضائية من لوس أنجليس، إلى التأثير على احتمال تواصل مظاهر الاحتجاج مستقبلا.

وقال علي رضا، وهو مثقف إصلاحي بارز وأكاديمي عرف عنه إنه المنسق بين أنصار الديمقراطية من الطلاب وبين القيادة الإصلاحية، إنه يشعر بالقلق من مشاعر خيبة الأمل التي تسود الشباب. واضاف: «لقد لاحظت في أوساط الشباب ميولا تبعث على الانزعاج الشديد، فهذا الشعور بخيبة الأمل يعد شديد الخطورة لأننا بحاجة إلى قيام هؤلاء الشباب بشحذ همة حركة التغيير، أما بدونهم فلا شيء سيحدث».

بالنسبة لحامد، كانت إجراءات القمع، التي القت بأحد أصدقائه في السجن، تأكيدا لقراره بالمغادرة.

وبالمقارنة مع ما قد يلقاه أصحاب الرأي المخالف، تبدو مخاطر القيام بالرحلة غير القانونية غير جسيمة. وإذا ما ألقي القبض عليهم واعيدوا إلى منازلهم، يواجه شباب إيران ممن لم يؤدوا الخدمة العسكرية دفع غرامات مالية أو تمديد فترة الخدمة. آخرون قالوا إنهم تعرضوا لعملية استجواب غير قاسية، ثم أطلق سراحهم. لكن أشد المخاطر التي تنتظر حامد في أوروبا، حيث قد ينتهي به الأمر ضحية لإجراءات لجوء مطولة، هو أن لا يتمكن من العمل بصورة قانونية، وأن يبقى عالة على الدولة وينجرف نحو الاقتصاد الخفي غير المجدي.

آخرون من أمثال جلال، 16 عاما، والذي كان يقضي فراغه في مركز شاهد شمران الثقافي بطهران، فإنه يبذل قصارى جهده لتجاهل القضايا السياسية، حيث قال: «ليس لدي وقت لمثل هذه الأشياء، بالطبع أريد المزيد من الحرية، لكن ماذا يمكنني أن أفعل؟».

وأضاف إن لديه خطة للمستقبل: «سوف أدرس الطب في إيران، وأعمل لمدة سنتين، ثم أتوجه إلى كندا والتحق بشقيقي الأكبر».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»