صدام سرق نهر دجلة وغابت عن أنظار البغداديين ضفتاه وراء أسوارالقصور الرئاسية

TT

بغداد ـ أ.ف.ب: بعد سقوط نظام صدام حسين يفتقد البغداديون نهر دجلة، توأم مدينتهم في الأدبيات العراقية وعصبها، بعد ان غابت عن نظرهم ضفتاه في خضم اسوار القصور الرئاسية وفيلات كبار المسؤولين ومؤسسات سلطة حزب البعث ومنشآتها.

يقول جلال الماشطة رئيس تحرير جريدة «النهضة» «شيدت بغداد أساسا على ضفتي دجلة وصدام حسين حرمها من عصبها».

ويضيف بأسى «لقد سرق صدام النهر من المدينة، والنهر عمادها».

ويقول تغلب جرجيس داود الاختصاصي في علم الجغرافيا وعميد كلية التربية في جامعة المستنصرية «على طول 45 كلم يخترق نهر دجلة بتعرج بغداد التي اتسعت لتبلغ مساحتها حاليا 890 كلم مربعا». درج البغداديون على التنزه على ضفاف دجلة حيث انتشرت المطاعم والمقاهي رغم قلة الطرق المحاذية للمياه، لكنهم بدأوا بفقدانها منذ مطلع الثمانينات أي بعد عام واحد على تسلم صدام حسين سدة الحكم، وخصوصا بعد اندلاع الحرب العراقية ــ الايرانية عام 1980.

وقبل سقوط نظام صدام في أبريل (نيسان) الماضي على يد قوات التحالف الأميركي ـ البريطاني، كان سكان بغداد يشرفون على دجلة من كورنيش نهري متقطع، في مناطق الاعظمية والكاظمية والجادرية وابو نؤاس، لا يتعدى طوله ثلث طول النهر.

ويقول اياد علي فارس مدرس علم الخرائط في الجامعة المستنصرية «منذ 50 عاما كان دجلة عنصرا هاما في حياة البغداديين اليومية. يعيشون على ضفافه ويصطادون اسماكه ويسبحون في مياهه ويتنزهون».

ويوضح الدكتور مؤيد، اخصائي علم المدن في الجامعة نفسها، ان بغداد شهدت «طفرة عمرانية كبرى عام 1958 بعد الثورة التي اطاحت بالنظام الملكي، فتأسست مصارف الاسكان وتم توزيع الاراضي بأسعار رمزية».

ويضيف «ثم بدأت الفئات الغنية باحتلال قسم من الضفاف وبنت عليها قصورا احاطتها بالاسوار. الى ان أتى نظام صدام حسين فاحكم الطوق تدريجيا على دجلة وخصص الضفاف لمؤسسات الدولة ومنازل المسؤولين والمقربين ولقصوره الرئاسية التي لا تعد ولا تحصى».

ويؤكد مؤيد «ان الوقت لم يفت لاستعادة الجزء الاكبر من الضفاف». ويقول «يجب مثلا تحويل القصور الرئاسية والدور المتعددة لعدي وقصي (ابني صدام) الى مجمعات سياحية فور رفع الحظر الأمني عنها. كما يمكن هدم منازل المسؤولين والمقربين لاقامة كورنيش نهري» وتتكاثر مؤسسات النظام البعثي على الضفتين المتقابلتين لدجلة: مبنى المخابرات ووزارة الدفاع ووزارة الصحة وكلية صدام الطبية و«صدامية الكرخ» كما يسميها البغداديون، وهي مجمع يضم نحو 300 منزل تنتشر على ضفة دجلة اقامها صدام لكبار المسؤولين ويحيط بها سور يمنع العابرين من رؤية النهر.

يتذكر حسن، 40 عاما، كيف «اجبر» النظام السابق المالكين على بيع اراضيهم التي تقع على ضفاف دجلة «بأسعار رمزية».

ويقول عجوز جلس على حافة كورنيش أبو نؤاس، حيث ازاح الأهالي بأيديهم سورا من الاسلاك الشائكة فور سقوط النظام، «في الخمسينات ومطلع الستينات كانت حياة الليل عامرة هنا. كنا احرارا».

تتجاور الاسماء: «اسماك بغداد» «أسماك الفاروق»... على طول شارع أبو نؤاس.

هي مطاعم السمك النهري المشوي على الحطب بطريقة خاصة (المسقوف) لكن معظمها مقفل الآن او مهمل والشارع بدا شبه خال مع غروب الشمس بسبب سوء الوضع الألامني وانتشار عمليات السلب والسرقة.

ويقول سليم، 35 عاما، وهو أب لخمسة اطفال «ذهب صدام وأتى الأميركيون. الاحوال الأمنية سيئة والتجول ممنوع ليلا».

وتتواجه منطقتا الكاظمية والاعظمية من على ضفتي دجلة، في الكاظمية كورنيش نهري يمتد نحو 10 كلم. ويقول جعفر، 27 عاما، اخصائي اتصالات «أبصرت النور في المنزل الذي لا يفصله عن دجلة الا الكورنيش. لكن الضفة خضعت لمراقبة عناصر مبنى الاستخبارات المجاور فاخترنا عدم الاقتراب».

في الاعظمية، آخر مكان ظهر فيه صدام حسين قبيل استيلاء القوات الأميركية على بغداد، انتشرت شعارات التأييد له على جدران المنازل.

يتوسط مرسى الحافلات المائية الحكومي كورنيش الاعظمية النهري، وفيه قوارب تستخدم لرحلات المجموعات.

جلس أبو محمد السبعيني على الدرج المؤدي الى المياه يدخن نارجيلته «كانت القوارب تتحرك باتجاه واحد»، مشيرا بيده الى الجزيرة السياحية في الراشدية التي تستغرق الرحلة اليها ساعة ذهابا وايابا.

ويضيف «بلدنا كان مستهدفا فمنعونا من التحرك بحرية في دجلة»، متسائلا «من اين يأتي الخطر من مياه دجلة؟ لقد احتكروه لأنفسهم كما احتكروا كل شيء».

ويشير قيس الى ان البغداديين «لم يستعيدوا دجلة فعليا». ويقول «بعد سقوط النظام لم يتغير الكثير. استقر الأميركيون في القصور والمؤسسات الحكومية التي ما زالت قائمة فلم تتغير الاجراءات الأمنية».

ويقسم دجلة بغداد، التي اسسها الخليفة ابو جعفر المنصور في القرن الثامن الميلادي، الى قسمين; جانب الرصافة وجانب الكرخ ويربط بينهما حاليا 14 جسرا.