خاطفو الأطفال يزيدون من نغص الحياة في بغداد

عمليات الخطف لا تقتصر على أبناء الأغنياء * دينا كريم أفتدتها أمها بمبلغ اقترضته سرا ولا تستطيع رده

TT

حينما طلب المختطفون من دينا كريم، 17 سنة، الخروج من الغرفة المعتمة حيث ظلت هناك لخمسة أيام خامرتها فكرة واحدة هي أنهم سيقتلونها إما بمسدس أو بسكين. لكنهم لم يقتلوها، بل عصبوا عينيها ثم أخذوها في سيارة وبعد نصف ساعة سياقة تركوها في منطقة بغدادية وهناك وجدت صاحب محل فطلبت منه استخدام هاتفه فتحدثت مع أمها وطلبت الحضور لأخذها.

حينما حضرت أمها المعلمة ابتسام كريم اندفعت دينا في البكاء، وبكت جزئيا فرحا بنجاتها وجزئيا بسبب تذكرها الطفل الذي لا يتجاوز عمره الخمس سنوات، وتركته بين أيدي المختطفين، إذ أنها وجدته هناك بعد اختطافها وظل يبكي طيلة الوقت. قالت دينا: «ما زلت أفكر به. كان خائفا جدا».

أصبح الاختطاف أمرا شائعا في بغداد بحيث أصبح عسيرا على المرء أن يذهب إلى أي منطقة في العاصمة العراقية بدون أن يسمع عن شخص ما كان ضحية. ففي بعض المناطق يعرف السكان أكثر من حالة. وحينما كانت ابتسام كريم تحاول معرفة الطريقة المثلى لانقاذ ابنتها بدفع فدية لاسترجاع ابنتها قامت بطلب نصيحة أسرة في منطقتها سبق أن مرت بنفس التجربة.

وفي حي الأرمن تحدث في الأسبوع الماضي السكان عن ثلاث حالات اختطاف وفي إحداها تم بيع مراهق من عصابة إلى أخرى بمبلغ 1000 دولار كما قال أحد أقاربه. وخاطفوه يريدون الان 5 آلاف دولار لإطلاق سراحه. وفي مركز شرطة منطقة الكرادة وضعت الشرطة العسكرية الأميركية هناك قائمة بأسماء عشرة مجرمين يعتبرون الأكثر خطورة في المنطقة. الاثنان الاولان هما زعيما عصابتين متخصصتين في الاختطاف. وكتبت الصحف العراقية قصصا عن ضحايا ظلوا يُنقلون من بيت إلى آخر وبعض هذه البيوت كانت مملوءة بمختطَفين يلتمسون أن يُطلَق سراحهم.

وعلى الرغم من أن قوة الشرطة في بغداد قد تنامت إلى حد أنها أصبحت نصف ما كانت عليه قبل الحرب لكن القليل من أفرادها يخرجون في دوريات على الأقدام. والمدينة تخلو من هاتف للطوارئ يستطيع الناس أن يستخدموه لطلب النجدة أو للشكوى لذلك على الناس أن يذهبوا بأنفسهم لمراكز الشرطة.

وفي حديث مع أربع عائلات سبق لها أن دفعت فدية أو أنها في طور التفاوض لإخراج واحد من أبنائها من قبضة المختطفين لم تفكر أي منها بالذهاب إلى الشرطة طلبا للمساعدة. قالت ابتسام، «أولا قد يكون ذلك خطرا. وثانيا لأن الشرطة لا تقوم بأي شيء». وقال عم طفل مختطَف: «هذه مسألة تخص المختطِفين.إنها قضية نقود. إذا دفعت تستطيع أن تسترجع الشخص. أما إذا ذهبت إلى الشرطة فإنك ستحصل على لا شيء».

وحدث اختطاف دينا في الشهر الماضي حينما كانت تسير من بيتها إلى محل موسيقى. وقالت دينا إنهم جاءوا بسيارة مع بندقية ثم صفعوها وقالوا لها أن تأتي معهم. بعد ذلك عصبوا عينيها ودفعوها إلى المقعد الخلفي، ثم ساقوا لأكثر من ساعة حسب تقدير دينا، لكنها تظن أنهم لم يسوقوا بعيدا عن بيتها. وقالت: «معظم الطرق كانت مليئة بالمطبات. أظن أنهم ظلوا يتحركون في دوائر».

وبقيت عيناها معصوبتين حتى دُفعت إلى غرفة فيها نافذة صغيرة. ثم قاموا بصفعها مرة أخرى وطلبوا منها رقم تلفون بيتها. كانت على وجوه ثلاثة من المختطفين ندوب فوق خدودهم اليسرى. وقال أفراد أسرة دينا إنهم يعتقدون بأنها علامة لعصابة معينة.

في ذلك البيت قام المختطفون بحلق شعرها. وظنت دينا أن ذلك لتجنب القمل في حالة البقاء فترة طويلة. ولم يكن هناك حمام وظلت هي والطفل ملتصقين في زاوية من الغرفة، وكانا ينامان على فراش وسخ ويستخدمان أكياس الرمل وسائد لهما.

قالت الأم ابتسام التي قتل زوجها العسكري في الحرب العراقية الإيرانية سنة 1987: «المختطفون اتصلوا هاتفيا بالبيت. فأخبرتهم أننا لا نمتلك نقودا. ثم قالوا إنهم سيتصلون لاحقا».

وبينما كانت دينا رهن الاختطاف سمعت جدلا يدور بين المختطفين فيما إذا كانت أسرتها تمتلك نقودا أم لا. أشار أحدهم الى أن أسرة دينا تمتلك سيارة جيب تُستخدم لنقل الركاب بين بغداد وعمّان، وسيارة صغيرة أخرى. قالت ابتسام: «ذلك يعني أنهم كانوا يراقبون البيت. لكن الشيء الذي لم يفهموه هو أن سيارة الجيب لا تعود لنا. إنها تعود لشركة، وكان أخي يشتغل فيها فقط، فهو لا يمتلكها».

ويختلف مقدار الفدية بشكل كبير من حالة إلى أخرى حسبما قال بعض العراقيين الذين كانوا فريسة للمختطفين. إذ تصل بعض الطلبات إلى حد ربع مليون دولار. والمختطفون منفتحون للمساومة بشكل عام. ففي البدء كانت الفدية لإطلاق دينا من قبضتهم 10 آلاف دولار لكن المختطفين قبلوا في الأخير بمبلغ 5 آلاف دولار.

أثناء كل فترة الاختطاف تنكرت دينا كصبي، فهي عادة تبقي شعرها قصيرا، وهي رياضية وجسدها أهيف شبيه بجسد عداء. ويسميها أفراد أسرتها «لعادل» وكان هذا هو الاسم الذي أعطته للمختطفين. قالت ابتسام، «حينما قالوا إنهم يمسكون بعادل علمت أنها تواجه مشكلة». وظل المختطفون يتصلون هاتفيا ببيت دينا لكن أخا ابتسام ظل يقول لهم إنهم لن يدفعوا فدية. ققالت ابتسام، «قالوا لنا إنهم يستطيعون أن يقتلوا الصبي إذا شاءوا».

لكن الأم ذهبت بدون علم أخيها وطلبت من الأصدقاء مساعدتها ماليا. وفي اليوم الرابع للاختطاف تمكنت من جمع مبلغ 5 آلاف دولار. وحينما اتصل المختطفون قالت لهم إن المبلغ جاهز. طلبوا منها أن تذهب إلى مدرسة معينة في الصباح التالي وكان هناك صبي قد أرسِل لأخذ الفدية إذ أنه جاء إليها وقال: «أنا عادل». فأعطته ابتسام النقود. وفي الساعة التاسعة مساء اتصل المختطفون بها مرة أخرى وقالوا لها أن تذهب إلى منطقة المهدية. كذلك قالوا لها إنهم سيراقبونها في حالة جلبها رجال شرطة معها.

وهناك وجدت دينا. وكان صاحب المحل الذي طلبت منه استخدام هاتفه جالسا على الرصيف وفي يده بندقية كلاشينكوف. قالت دينا: «أخبرني أنه سيحميني».

في هذا الأيام أصبحت ابتسام حريصة على مراقبة دينا وابنتيها الأخريين فهي لا تجعلهن يخرجن من البيت إلا للذهاب إلى جيران قريبين. ومنى البنت الكبرى ستبدأ دراستها الجامعية في هذا الخريف. وإذا كانت النقود مشكلة فإن الخوف من وقوع اختطاف آخر هو مشكلة أخرى. وقالت ابتسام: «الناس الذين سلفوني الخمسة آلاف دولار يريدون نقودهم وأنا لا أستطيع أن أخبر عائلتي بأي شيء عن الموضوع. هذا هو وضع العراق حاليا. لا أحد يريد أن يدفع. أنا ليس لدي سوى مساعدة الله. لو كان عندي أي شيء أستطيع بيعه. والآن تريد منى الذهاب إلى كليتها أنا سأظل قلقة كل يوم».

تشعر دينا بالقلق على الطفل الرهينة ذي الخمسة أعوام: «لم يخبرني عن اسمه. ظل طيلة الوقت يبكي وكان مريضا. كان خائفا جدا. ربما لن تدفع عائلته قط. ما الذي سيحدث له؟».

*خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الاوسط» =