الأميركيون قلقون حيال الخسائر البشرية في صفوف قواتهم في العراق ومنزعجون للتكاليف المتصاعدة للحرب وللجهل بما سيؤول إليه الوضع

لا مؤشر على وجود تراجع في الدعم للهدف الأول للغزو المتمثل بإسقاط صدام فيما يبقى التأييد لبوش قويا نسبيا

TT

كانت بيكي بانتنغ من أكثر أنصار غزو العراق واستحسنت كثيرا سقوط بغداد والطريقة التي استخدمها الرئيس جورج بوش في تنفيذ الحرب، لكنها بدأت هذه الأيام تشعر بقلق متزايد تجاه ما يجري في العراق، فهي منزعجة من التكاليف المتصاعدة وتشعر بالاضطراب للاصابات بين الجنود الأميركيين، وأكثر من أي شيء آخر هو جهلها بما ستؤول اليه الأوضاع. وقالت الجمهورية بانتنغ أول من أمس وهي تتسكع تحت شمس سبتمبر (ايلول) المنعشة في سوق المنطقة المفتوح: «أنا قلقة جدا تجاه ذلك. أنا لي أخوان في البحرية. وأظن أنه ستكون هناك خسائر بشرية كثيرة. كذلك أظن أننا سنبقى هناك لفترة طويلة». وأضافت بانتنغ: «أنا مقتنعة بأننا قمنا بالشيء الصحيح. لكنني لا أرى أي شخص هنا يعتقد بأننا سننتصر».

يمكن القول ان المشاعر التي عبّرت عنها بانتنغ شائعة بين الناس حاليا. فبعد مضي أسبوع على خطاب بوش الذي طلب فيه حشد الدعم للحملة في العراق يبدو ان الأميركيين اصبحوا أكثر فأكثر قلقين حول المجهود الحربي وقلقين من احتمال ان تكون الولايات المتحدة قد وقعت في شرك مغامرة لا تشير الدلائل على وجود مخرج واضح منها، حسب المقابلات التي أجريت مع عدد من الأميركيين خلال الايام الخمسة الأخيرة وعلى امتداد الولايات المتحدة وشارك فيها مؤرخون ومستطلعون للرأي وعلماء اجتماع. بل ان بعض الناس راحوا يقارنون الوضع في العراق مع بدايات حرب فيتنام.

مع ذلك، ليس هناك أي مؤشر على وجود تراجع بين الأميركيين عن دعمهم لما سماه الكثير منهم بالهدف الأولي للغزو والمتمثل باسقاط صدام حسين من الحكم وتقليل الهجمات الارهابية داخل الولايات المتحدة. ويظل التأييد لبوش قويا نسبيا على الرغم من أنه ليس بنفس القوة التي كان عليها قبل شهر حسب ما قاله مستطلعون للرأي. لكن هناك تأزما متزايدا حول مسار المهمة في العراق وادراك أن النزاع سيكون أكثر تكلفة من حيث الأرواح والأموال وأطول زمنا. وأعطى بوش عند نزوله فوق حاملة الطائرات «سان دييغو» في الأول من مايو (ايار) الماضي الاشارة للاحتفال بسقوط صدام حسين. وفي استطلاع للرأي أجرته «واشنطن بوست» ومحطة «ايه. بي. سي» الإخبارية ظهر ان هناك زيادة في عدد الناس غير المؤيدين لبوش في سياسته تجاه العراق بمقدار تسعة في المائة وهذا ما جعل نسبة المعارضين 46 في المائة بينما هبطت نسبة التأييد للسياسة من 56 في المائة الى 52 في المائة.

وقال الناخب المستقل من شيكاغو، مايك غالاغر، 34 سنة: «أظن ان هذا الوضع سيستمر الى الأبد. الولايات المتحدة فتحت صفيحة قصدير مملوءة بالدود وكان عليها ألا تفتحها أساسا». أما الناخبة الجمهورية بتي انفيلد، 59 سنة، المقيمة في بنساكولا بفلوريدا فقالت: «عرفت ان الأمر لن يكون سهلا. بدا بوش كأن لديه خطة لعب جيدة للحرب. لكن الأمور سارت بشكل سيئ جدا بعد الحرب». وفي أوماهو قال الناخب المستقل بول ماك غيل، 39 سنة، انه دعم الحرب، لكنه أضاف بنبرة مهذبة: «أريد أن أرى القِياد يُسلَّم لآخرين. أريد أن أرى استراتيجية خروج مطروحة بشكل تفصيلي». لكن زوجته فكتوريا التي عارضت الحرب قالت متأوهة: «أظن أننا تورطنا. وأنا لا أستطيع أن أرى أي طريقة تخرجنا من المأزق».

وقال العديد من منظمي استطلاعات الرأي ان هناك تحولا في المزاج العام وقد يتضح انه ليس سوى انتقالي خلال فترة تتميز بالتأرجح الشديد في الآراء وقد أدت الى تسارعه مطالبة بوش يوم الأحد قبل الماضي بمبلغ 87 مليار دولار لتمويل المجهود الحربي. وقد يتبدل هذا المزاج مرة أخرى اذا احتل خبر اعتقال صدام حسين محل صور القتل العشوائي في بغداد أو العثور على أسلحة غير تقليدية.

وعلى الرغم من بروز مؤشرات عن مخاوف الجمهور الأميركي، فإن التأييد للحرب ما زال قويا. وقالت الناخبة المستقلة سارة جونسون، 50 سنة، والتي أعطت صوتها لبوش، انها غير مندهشة ان طالت الفترة الزمنية للوجود العسكري الأميركي في العراق «فالأشياء لا تحدث بسرعة. فهم لا يستطيعون ان يدخلوا ثم يكملوا المهمة ويخرجوا بسرعة، مثلما يوضح التاريخ في الحروب الأخرى». مع ذلك يقول منظمو استطلاعات الرأي ان علامات القلق قد تكون لحظة تقييم لحرب ظلت تتمتع بتأييد شعبي واسع وبداية جولة جديدة من التساؤلات فيما اذا كانت تستحق كل هذه التكاليف والاصابات. وقد يسبِّب تطور من هذا النوع اشكالا بالنسبة لبوش الذي يقترب الآن من سنة 2004 حيث ستجري فيها الانتخابات الرئاسية الجديدة.

وقال السوسيولوجي الكاثوليكي البارز أندرو غريلي الذي يعمل في المركز القومي لبحوث الرأي العام التابع لجامعة شيكاغو: «انطباعي أن الرأي العام في خضم تبديل لموقفه. هو ما زال يؤيد بشكل عام الحرب في العراق. لكنه لا يؤمن ان الحرب هي قضية مركزية في الحرب ضد الارهاب وهو غير متأكد في نهاية المطاف من أن الولايات المتحدة قادرة على الخروج من العراق».

وقال المؤرخ السياسي الجمهوري ريتشارد سميث مدير معهد روبرت دول للعلوم السياسة في جامعة كنساس حول ادارة بوش: «اعتقد انها تدفع الثمن الآن، بغض النظر عن ان يكون ذلك قصير الأمد أم لا، لعدم صراحتها في ما يتعلق بالتكاليف المحتملة وطول الفترة التي تبقى فيها القوات الأميركية هناك وتقدير تكاليف اعادة بناء العراق. كان على الادارة الأميركية أن تشرح بشكل أفضل لأي أغراض ستنفق مبلغ الـ87 مليار دولار. أظن أن هذا الرقم قد صعق الناس».

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»