وزير الجيش الأميركي المقال يفتح النار على رامسفيلد: خطة ما بعد الحرب في العراق.. فاشلة تماما

TT

بعد أشهر من ابعاده من قبل وزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفيلد من منصبه كوزير للجيش الاميركي، ظل توماس وايت يشعر بالمرارة. وقد جاء رحيله عن أعلى منصب مدني في الجيش اثر سلسلة من المصادمات مع رامسفيلد ومساعد وزير الدفاع بول وولفويتز حول طبيعة وسرعة تحديث الجيش والتخطيط لما بعد الحرب في العراق. وعندما استدعي وايت الى مكتب رامسفيلد في وقت متأخر من احد أيام الجمعة في ابريل (نيسان) الماضي، وأبلغ، بفظاظة، بأنه لم تعد هناك حاجة لخدماته، غادر جنرال الجيش المتقاعد والقائد السابق لفيلق «انرون»، بدون أي تعليق علني عن ابعاده أو اشرافه لمدة سنتين على أكبر فرع في الجيش.

لكن في الأسابيع الأخيرة بدأ وايت الحديث علنا، ولم يكن مثيراً للدهشة ان تكون لديه بعض الانتقادات لمسؤوله السابق، حول الهيمنة المطلقة التي مارسها رامسفيلد بشأن توقيت نشر القوات الأميركية قبل بدء الحرب في العراق، وحول كفاءة خطط اعادة الاعمار في فترة ما بعد الحرب، وكذلك حول وجهات نظر رامسفيلد السلبية بشأن استعداد الجيش لاجراء تغييرات عليه.

وكانت الأداة الرئيسية لعودة الظهور، نشر كتاب أعده وايت وثلاثة من المتخصصين السياسيين والاقتصاديين من مؤسسة «كونتري واتش»، وهي شركة يديرها صديق قديم لوايت وتعنى بتقديم التوقعات لـ 192 بلدا. وكتاب «اعادة اعمار عدن»، الذي جاء في 380 صفحة، يعتبر مجموعة من الاحصائيات والتوصيفات العامة أكثر منه كتابا شاملا يتضمن حججا مثيرة للجدل. ولكنه وفر لوايت فرصة تسجيل بعض ما يقلقه.

جاء في المقدمة حول الوضع العراقي انه «من الواضح تماما ان الخطة لتحقيق السلام كانت فاشلة تماما. وتبين ان الرأي القائل ان حرب «تحرير» العراق ستخلق فوراً مواطنين مؤيدين للولايات المتحدة ومستعدين لاعادة الولادة السياسية والاقتصادية، تجاهل الحقائق الصارخة على الأرض».

والى حد ما، يشير وايت الى افتراقه مع رامسفيلد. ففي نزاع معلن قبل أسابيع من بدء الحرب اصطف وايت مع رئيس هيئة أركان الجيش اريك شينسيكي، محذرا من ان هناك حاجة لتوفير مئات آلاف من أفراد القوات المسلحة لتحقيق الاستقرار في العراق بعد انتهاء الحرب. وقد رفض رامسفيلد مع وولفويتز ذلك التقدير باعتباره مبالغا فيه الى حد كبير، وأصرا على ان الاستقرار يمكن تحقيقه بسرعة، ويمكن تقليص عدد القوات الأميركية بشكل عاجل.

وقام وولفويتز بتوبيخ وايت سرا في ما بعد. وقال وايت في مقابلة معه ان وولفويتز «لم يكن مرتاحا من اتخاذنا موقفا يتعارض مع رأيه بشأن الموضوع»، مضيفا «انه لم يستطع تصور وضع حيث حجم القوات الضرورية لتأمين السلام سيكون أكبر من القوات الضرورية لخوض الحرب. ولكن ذلك انتهى، في ادراك متأخر، الى ان يكون الحقيقة على وجه التحديد».

وقال مسؤول كبير في وزارة الدفاع (البنتاغون) مطلع بشكل مباشر على الحديث بين الرجلين ان تقدير البنتاغون لمتطلبات ما بعد الحرب جاء من القائد الأميركي الأعلى في المنطقة الجنرال تومي فرانكس، وقام وولفويتز بابلاغ وايت بانه من غير الملائم بالنسبة لمسؤول عسكري ان يناقض القائد في الميدان. واضاف هذا المسؤول أن وايت وافق على ذلك وقال إنه سيتحدث الى شينسيكي. وأشار الى انه بالنسبة لعدد القوات الأميركية منذ تلك الأحداث وعموم قوات التحالف فانها شهدت تقلصا ارتباطا بارتفاع مستوى القوات العراقية التي أعيد بناؤها.

وخلال المقابلة كان وايت يجلس في غرفة الاستقبال الفسيحة في شقته بجورج تاون في مجمع واشنطن هاربور المطل على بوتوماك. وهذه الشقة، التي قدر ثمنها العام الماضي بخمسة ملايين دولار، بيعت في الآونة الاخيرة على الرغم من أن وايت رفض الكشف عن السعر والمشتري، مشيرا الى ان الاثنين يخضعان لضمانة قانونية. ويعتزم العودة الى هيوستن في وقت قريب ويتوقع الدخول ثانية في مشاريع للطاقة.

قدم وايت، 59 عاما، صاحب الشعر الخفيف الاشهب والعينين الزرقاوين الحادتين، الى وظيفته في الجيش بمزيج من الخبرة العسكرية والعمل في الشركات والمشاريع التجارية. وقضى خريج اكاديمية «ويست بوينت» والمشارك في حرب فيتنام، 23 سنة في الجيش الى ان وصل الى رتبة عميد. وعمل في سنته الأخيرة كمساعد تنفيذي للجنرال كولن باول الذي كان حينها رئيسا لهيئة الأركان المشتركة. وفي يوليو (تموز) 1990 انتقل الى تكساس ليصبح نائب رئيس لشركة «انرون سيرفيسيز»، وهي شركة تابعة لشركة «انرون» للطاقة.

وعكس تعيينه كوزير للجيش عام 2001 دافعا قويا من قبل رامسفيلد لوضع مديري الشركات في قمة الخدمات العسكرية. فقد كلف جيمس روش، نائب رئيس شركة «نورثروب غرومان» بادارة سلاح الجو، وتولى غوردن انغلاند، نائب الرئيس التنفيذي لشركة «جنرال ديناميكس»، مسؤولية البحرية. وكان للثلاثة ان يشكلوا نوعا من مجلس ادارة مع رامسفيلد كرئيس للمجلس، ولكن التناظر لم يتحقق أبدا، حسبما ذكر وايت.

وقال انه «بمرور الوقت راح كل واحد منا يركز على مشروعه الخاص. وانتهى المكان الى ادارته من قبل رامسفيلد وموظفي مكتب وزير الدفاع، وهي الطريقة التي يدار بها منذ سنوات».

وقد عكس جزء من تلك الطريقة أسلوب رامسفيلد الصارم، كما قال وايت. وعكس الجزء الآخر المتطلبات غير المتوقعة للحرب على الارهاب في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر (ايلول) .2001 في عامه الأول كان وايت مثقلا بالجدل المثار حول دوره السابق كمدير لشركة «انرون». وعلى الرغم من استجوابه القاسي من قبل الكونغرس والتحقيق معه من قبل محققي وزارة العدل، قال وايت انه لم يتخذ ضده اي اجراء قانوني ولا يتوقع ذلك في المستقبل. وقال ان رامسفيلد قدم له الدعم الكبير في محنته تلك.

أما الموضوع الذي واجه وايت فيه مشاكل مع رامسفيلد فكان يدور حول قرار وزير الدفاع الغاء مدفع «كروسيدر» المحمول والذي كان الجيش يعمل على تطويره منذ سنوات. وكان وايت يقف الى جانب البرنامج الذي بلغت كلفته 11 مليار دولار ورفض تحرك رامسفيلد لانهائه في ربيع عام .2002 ورأى رامسفيلد ذلك السلاح باعتباره قديماً من فترة الحرب الباردة واختار تطوير تكنولوجيات جديدة تعد بأنظمة أخف وتكون أكثر قدرة على النقل وأكثر دقة في التوجيه.

واصبح الحدث رمزا لرأي رامسفيلد القاضي بأن الجيش لم يكن يغير نفسه بالسرعة الكافية ليتحول الى قوة اكثر رشاقة. وقال وايت: «أعتقد انه كان يرى اننا كجيش الى حد ما، وأننا، شينسيكي وأنا شخصيا، وارتباطا بثقافتنا العسكرية، لم ندرك قيمة ذلك، أي لم نقدر قيمة التحول أو التحديث»، مضيفا اننا «كنا دائما نشخص ونعامل باعتبارنا محافظين ثقيلين ومعارضين للتغيير».

واعتبر وايت هذا التشخيص خاطئا، وقال انه في السنوات الأخيرة استثمر الجيش الكثير في مثل هذه البرامج التغييرية، وبينها المدرعة «سترايكر»، ونظام «فيوتشر كومبات». وبينما اعترف وايت بأن الجيش كان بطيئا في اعادة هيكلة فيالقه وفرقه وجعلها وحدات أصغر وأكثر قدرة على الانتشار، قال ان متطلبات الحرب في أفغانستان والعراق جعلت مثل هذا التغيير صعبا على المدى القريب. واضاف وايت: «أعتقد انه من السلبية بمكان أنني لم استطع إقناع رامسفيلد بأننا كنا في الجيش نتحرك في المسار الصحيح، وأننا كنا نعرف ما كنا نفعل، وأننا تعهدنا أمام أنفسنا باحداث التغيير وبسرعة. ولم اعتقد أبدا أنني وشينسيكي تغلبنا على تلك العقبة».

وعلى الرغم من كل التوترات التي سادت العلاقات بينه وبين رامسفيلد، فان وايت عبر عن مشاعر احترام لمسؤوله السابق، وقال انهما اختلفا من الناحية المهنية، «لكنني شخصيا اكن احتراما كبيرا له. فهو رجل يتمتع بمواهب وطاقات هائلة، وكان حقاً وزير دفاع قوياً جدا».

وأشاد وايت بقيادة العمليات الحربية في العراق. لكن اضافة الى انتقاده لخطة ما بعد الحرب، اعتبر وايت ان رامسفيلد اخطأ في الطريقة التي نشر بها القوات عشية الحرب. فبدلا من التمسك بالمواعيد والبرامج التفصيلية للقوات المسلحة، تخلى رامسفيلد عن ذلك، وأصر على تقليص ادارة العملية، حسبما رأى وايت.

واشار الى ان «عملية الانتشار بأسرها تحولت الى عمليات تدريجية في فواصل زمنية قصيرة، تعين اتخاذ قرار بشأنها جميعا بشكل مستقل، حتى بالنسبة لتلك الوحدات الصغيرة التي يصل عدد أفرادها الى ما يقرب الخمسين شخصا»، مضيفا ان «العملية أدت الى ارباك التوقيت وتأخير القرارات، وبالتالي كانت هناك بعض قوات الاحتياط التي لم يكن امامها الوقت الكافي والمناسب للتعبئة. ولم يجر ذلك بطريقة سلسة كما يتطلب الأمر مما أدى الى الكثير من المعاناة البشرية».

وقال وايت ان «الوزير اراد ان يدير ذلك، وكان يسعى الى الهيمنة. وأعتقد ان هذه النظرة الأساسية تتجلى في أننا كقوات عسكرية لم نكن نتمتع بما يكفي من الانضباط في عملنا كقوة بشرية. اننا ندعو الكثير من الناس، ونطلب الكثير، ونتطلع الى اشياء من هذا القبيل».

من جانبه قال لاري ديريتا، المتحدث باسم وزير الدفاع في رد على سؤال: «لا شك أن نشر القوات كان مختلفا في هذه الحرب عما كان عليه في الحروب السابقة. ولكن الوزير عمل بشكل وثيق مع قائد المعركة الجنرال تومي فرانكس ورئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال ريتشارد مايرز، في اتخاذ قرار نشر القوات. لقد كان النظام القديم معدا لعصر مختلف».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»