الإعلان عن ترشيح خاتمي لولاية ثانية فتح مبكرا السباق الرئاسي في إيران

تصعيد الحملات المناهضة للرئيس الإيراني بهدف إسقاط حكومته قبل الانتخابات

TT

بعد اسابيع من الترقب والانتظار قرر الرئيس الايراني محمد خاتمي الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة المقرر اجراؤها في يونيو (حزيران) المقبل. ويسمح الدستور الايراني بتجديد ولاية رئيس الجمهورية مرة واحدة، وقد ترشح في السابق كل من علي خامنئي وهاشمي رفسنجاني لولاية ثانية غير ان ثمة تطورات وعوامل تسببت في تردد خاتمي في الاشهر الاخيرة لخوض الانتخابات الرئاسية، علما انه سبق ان اعلن في يوليو (تموز) الماضي في اجتماع طلابي عزمه الترشح للانتخابات الرئاسية، لكنه سرعان ما تراجع عن قراره امام حملة شاملة شنتها ضده الصحف اليمينية المناهضة للاصلاحات. وكان هدف تلك الحملة تشويه صورة خاتمي وتضليل الرأي العام بانه بات يستغل موقعه كرئيس للجمهورية بوضع امكانيات الحكومة تحت تصرف انصاره من اجل تحقيق فوزه في الانتخابات، وادعى محمد رضا باهوز زعيم كتلة المحافظين في الدورة الماضية للبرلمان الايراني، واحد مرشحي التيار اليميني للانتخابات الرئاسية المقبلة ان قرار خاتمي اعلان ترشيحه في وقت مبكر، قد يحول دون قيام معركة انتخابية حقيقية لأنه تحول اليوم من رئيس للجميع الى مرشح لما يسمى بجبهة الثاني من الجوزاء (الاصلاحية) ولانه يستطيع باعتباره رئيسا للحكومة، ان يستخدم الامكانيات المتوافرة لديه في حملته الدعائية المبكرة، اما بقية المرشحين فانهم مرغمون وفقا للقانون على الالتزام بالفترة القانونية المخصصة لهم، من لحظة قبول ترشيحهم من قبل مجلس صيانة الدستور حتى الـ 48 ساعة الاخيرة ما قبل يوم الاقتراع، للدعاية لاشخاصهم وبرامجهم. بمعنى اخر فان المرشح خاتمي قد بدأ حملته الانتخابية قبل سنة من موعد الانتخابات بينما لن يكون بوسع المرشحين الاخرين البدء بذلك الا قبل شهر من موعد الانتخابات.

الى ذلك فان قيام السلطة القضائية بأمر المرشد الاعلى علي خامنئي بتعطيل كافة الصحف الاصلاحية واعتقال ابرز كتاب جبهة الثاني من الجوزاء وتدخله المباشر في شؤون البرلمان بمنعه من اقرار تعديلات مقترحة من قبل وزير الارشاد السابق الدكتور عطاء الله مهاجراني، في قانون الصحافة، ومن ثم مبادرة جمعية المؤتلفة الاسلامية اليمينية القريبة من المرشد الاعلى بتوجيه رسالة الى خامنئي والديوان الاعلى للقضاء للبت في صلاحيات خاتمي والاعلان عن عدم كفاءته لرئاسة البلاد، وتشكيل تحالف شبه رسمي بين التنظيمات اليمينية وجمعية العلماء المناضلين ورئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني مع انتشار شائعات حول احتمال ترشيح رفسنجاني للانتخابات الرئاسية المقبلة، كانت من الامور التي قد تسببت في اعلان خاتمي بعد اقل شهر من اعلانه الاول عدم اتخاذه القرار بالترشح. وكانت شخصيات قريبة من الرئيس الايراني، ومنها عدد من النواب الاصلاحيين وبعض مستشاري خاتمي قد كشفت في مناسبات مختلفة عن عدم رغبة خاتمي في الترشح، بسبب فشله في تحقيق وعوده للناخبين واستحالة قيام مجتمع مدني حر في ايران بوجود سلطة غير منتخبة (ولاية الفقيه) فوق سلطة الرئيس المنتخب. وفي شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، اكد مهدي كروبي رئيس البرلمان القريب من خاتمي، ان الرئيس الايراني يدرس طلبات انصاره ومؤيديه بضرورة ترشيحه للانتخابات الرئاسية بصورة جدية. واعرب كروبي عن امله بان يشارك خاتمي في الانتخابات، مشيرا الى انه سيفوز باصوات اعلى من الاصوات التي حصل عليها في عام 1997.

يذكر ان الدكتور محمد رضا خاتمي شقيق الرئيس خاتمي وزعيم حزب جبهة المشاركة ونائب رئيس البرلمان، الذي هاجم امس بعنف صحيفة رسالت اليمينية وصحفاً يمينية اخرى مثل كيهان وسياست التي نشرت في الايام الاخيرة تقارير حول قرار خاتمي بعدم الترشح للانتخابات، سبق واعلن بان جبهة المشاركة والتنظيمات الاصلاحية المتحالفة معها عازمة على ترشيح خاتمي في الانتخابات وهي واثقة من ان خاتمي سيحصل هذه المرة على اكثر من عشرين مليونا من الاصوات.

وعلى حد قول احد النواب الاصلاحيين في البرلمان الايراني فان الجبهة المناهضة للاصلاحات التي تعرف جيدا بانها تدخل لعبة خاسرة بمشاركة خاتمي في الانتخابات فلذا قامت بشن حملة شاملة ضد خاتمي والتيار الاصلاحي لزعزعة موقع خاتمي لدى الرأي العام والنيل من معنوياته تمهيدا لارغامه على الانسحاب من المعركة.

واوضح النائب الايراني في حديث لـ«الشرق الأوسط» بان اركان الجبهة المناهضة للاصلاحات عقدوا اخيرا سلسلة من الاجتماعات مع شخصيات قريبة من المرشد الاعلى مثل وزير الخارجية السابق علي اكبر ولايتي ووزير الارشاد الاسبق مصطفى ميرسليم فضلا عن محمد رضا باهوز ومحمد جواد لاريجاني بغية تشجيعهم على الترشح للانتخابات الرئاسية. وهناك اعتقاد سائد لدى عسكر اولادي زعيم جمعية المؤتلفة الاسلامية اليمينية واحمد جنتي امين مجلس صيانة الدستور ومحمد يزدي رئيس السلطة القضائية السابق وهم من ابرز اركان الجبهة المناهضة للاصلاحات، بان الرأي العام الايراني مستاء من ضعف خاتمي وتراجعه عن اهم شعاراته، وفضلا عن ذلك فان حالة الكراهية والغضب التي تسود المجتمع الايراني حيال كل من يلبسون العمامة والعباءة يجب استغلالها بترشيح شخصية من غير علماء الدين ممن يثق بهم المرشد الاعلى . اذ ان الشعب الايراني الذي بات يفقد ثقته وامله بخاتمي ووعوده لاصلاح النظام سيرحب بمرشح من غير علماء الدين.

واضاف النائب الاصلاحي، بان الجبهة المناهضة للاصلاحات درست ايضا امكانية ترشيح هاشمي رفسنجاني، غير ان رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام الذي جرب حظه في الانتخابات البرلمانية في فبراير (شباط) الماضي وتلقى ضربة عنيفة لم تختف اثارها بعد، اذكى من ان يدخل في معركة باتت نتائجها معروفة بعد اعلان موسوي لاري وزير الداخلية وصديق خاتمي الحميم عن قرار خاتمي بخوض معركة الانتخابات.

واشار النائب الايراني الى ان الجبهة اليمينية المناهضة للاصلاحات تقوم ايضا بوضع اخر النقاط على خطة لاثارة مزيد من الازمات الحادة والتوترات في البلاد في الاشهر المتبقية لرئاسة خاتمي، بهدف اختلال الامن في المجتمع وارباك الحكومة. وعندها وبذريعة ان حكومة خاتمي غير قادرة على احلال الامن والاستقرار في المجتمع وتحت ذريعة المحافظة على استقلال البلاد سيقوم المرشد باصدار قرار باسقاط الحكومة واقامة حكومة طارئة، وبعد ذلك سيقوم مجلس الخبراء بتعيين شخص مثل رفسنجاني او ولايتي ليتولى الحكم كمنقذ للبلاد والنظام. ويختتم النائب الاصلاحي القريب من جبهة المشاركة حدىثه قائلا ان النظام قبل انتخاب خاتمي كان منعزلا على المستوى الدولي بسبب ادانته من قبل محكمة برلين في قضية اغتيال قادة الاكراد. كما كانت علاقات ايران مع اوروبا والعالم العربي شبه مقطوعة. وكان الاستياء داخل البلاد قد بلغ ذروته مما اضطر النظام الى قبول اجراء الانتخابات الرئاسية بصورة شبه حرة، نتج عنها اندفاع الحركة الاصلاحية التي اسهمت بشكل فاعل في فوز خاتمي. والان حيث اثمرت جهود خاتمي وتم بنجاح تنفيذ سياسته القائمة على مبدأ ازالة التوتر مع الدول المجاورة واوروبا، وتقلصت ضغوط المجتمع على الفئة الحاكمة بسبب التغييرات التي ادخلها خاتمي في منهج الحكم وعلاقة الحاكم بالمجتمع، من غير الممكن اعادة الامور الى الوراء. ورأس السلطة اي المرشد يدرك ذلك جيدا بحيث اكد هو نفسه مرارا في اجتماعاته الخاصة ان العودة الى ما قبل الثاني من الجوزاء، هي بمعنى اطلاق رصاصة الرحمة في رأس النظام، وخاتمي هو الوحيد الذي يستطيع انقاذ النظام.