شارون يهدد بإقالة رئيس الأركان لانتقاده سياسة الحكومة إزاء الفلسطينيين

TT

وجه رئيس الوزراء الإسرائيلي، ارييل شارون، أمس تهديدا علنيا لرئيس أركان جيشه، موشيه يعلون، بإقالته من منصبه بسبب تصريحاته الانتقادية للحكومة حول سياستها إزاء الفسطينيين. وفي المقابل وبخ وزير الدفاع، شاؤول موفاز، يعلون على هذه التصريحات، وطلب منه ألا يقوم بتكرارها مرة أخرى.

لكن المراقبين والمطلعين على الأمور داخل مكتبي شارون وموفاز وكذلك داخل الجيش يؤكدون أن الصراع الذي فجرته تصريحات يعلون لن ينتهي عند هذا الحد، بل إنه يبدأ منه. فما قاله الجنرال يعلون هو ليس مجرد رأي شخصي وليس زلة لسان. إنما هو في الواقع اعتراف غير مباشر بأن سياسة القوة والبطش التي اتبعتها إسرائيل، حكومة وجيشاً، قد فشلت، ومن هنا أهمية هذه التصريحات. إذ أن يعلون نفسه، عندما كان نائبا لرئيس الأركان السابق، موفاز، وكذلك بعدما أصبح بنفسه رئيسا للأركان، كان قد أطلق تصريحات متشددة لدرجة أن المعلقين اتهموا شارون بالانجرار الأعمى وراء الجيش في سياسته العسكرية التي تفضل التوتر والصدام وتبعد الحوار والسلام.

وهذا هو فعلا الواقع، فيعلون هو الذي قاد الحملة لقتل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، بينما يقول اليوم إن التحريض الإسرئيلي ضد عرفات هو الذي يقويه ويعزز مكانته بين صفوف شعبه. ويعلون هو الذي أفشل حكومة محمود عباس (أبو مازن) برفض الانسحاب من المدن الفلسطينية وإصراره على سياسة الاغتيالات وخرقه المتواصل للهدنة، بينما ينتقد الحكومة على أنها كانت بخيلة في التعامل مع حكومة أبو مازن وكان عليها أن تكون أكثر كرما. ويعلون هو الذي قاد عمليات الجيش لدرجة لم تعد تطاق فيها حياة المواطنين الفلسطينيين. فلا يمر يوم من دون تنفيذ اعتقالات في صفوفهم، والجيش يحتل المدن والقرى، فيدخلها من خلال إطلاق كثيف للرصاص وللقذائف المدفعية وينغص حياة المواطنين وينفذ ممارسات القمع والتنكيل والإذلال. واليوم يتحدث عن خطورة الاستمرار في هذه الممارسات ويطالب بتسهيل الحياة، وهو الذي قال إن وجود عرفات في قيادة الشعب الفلسطيني يعرقل مسيرة السلام، ويطلب اليوم أن تتحرك المسيرة السلمية لبعث الأمل في نفوس الفلسطينيين، مما يؤدي إلى تهميش دور عرفات.

ولهذا، فإن ما حصل هو أن يعلون تراجع عن سياسته عمليا، واعترف بأن هذه السياسة خاطئة وغير مجدية.

وفي المقابل، صعقت القيادة السياسية في إسرائيل من انتقادات يعلون لها. ونقل عن شارون قوله إنه كان قد سمع التصريحات، عندما كان غارقا في بيته يستعد للتحقيق البوليسي معه حول ملفات الفساد، فصاح في وجه وزير دفاعه، قائلا: «استدع يعلون فورا إلى مكتبك، واطلب منه أن يعتذر أو يستقيل». وهي كلمات لم يتفوه بها رئيس حكومة إسرائيلي تجاه رئيس أركان جيشه، منذ قيام إسرائيل قبل 56 عاما.

ونفذ موفاز التعليمات، واستدعى يعلون، وطلب منه توضيح أقواله، ثم وجه إليه توبيخا شديد اللهجة. وطلب منه ألا يكرر مثل هذه الانتقادات.

وانفلت نواب الليكود ووزراء اليمين الآخرون ضد يعلون، يطالبون محاسبته على أقواله. ودعا يسرائيل شتاينس، رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، أعضاء اللجنة إلى اجتماع طارئ بحضور يعلون للرد على تصريحاته.

ولم يسكت يعلون وجنرالاته إزاء هذه الحملة، فرد عليها الصاع صاعين، إذ أصدرت الناطقة بلسان الجيش بيانا استغربت فيه «الهجوم الشرس على رئيس الأركان»، وفي الوقت نفسه عادت وأكدت كلام يعلون وأكدت شرعيته، فقالت: «لم يكن الحديث بهدف الانتقاد، إنما كان تحليلا للأوضاع تم إعلانه بصدق، وفيه انعكاس لما يجري داخل الجيش من نقاش». ونقل على لسان يعلون قوله: «أنا لا أريد أن يتكرر ما حدث في سنة 1973. ففي حينه خاف قادة الجيش أن يكشفوا تذمرهم من ركود الحركة السياسية، وسكتوا عن المعلومات التي وصلت إليهم وقالت إن الدول العربية لم تعد تحتمل استمرار الاحتلال وتنوي شن الحرب، وعندما شنوا الحرب فعلا، خرجت القيادة السياسية نظيفة، بينما وجهت الانتقادات إلى الجيش وتمت محاسبة قادته».

وخرج عدد من الضباط الآخرين في تصريحات مجهولة العنوان، في وسائل الإعلام، فانتقدوا موفاز «الذي نسي نفسه وتاريخه، فهو أيضا، عندما كان رئيسا للأركان، انتقد سياسة الحكومة، وتحديدا سياسة (رئيس الوزراء الأسبق) إيهود باراك عندما أمر بالانسحاب من جنوب لبنان في مايو (أيار) 2000. ثم انتقد في أكتوبر (تشرين الأول) 2001 قرار الحكومة الانسحاب من الخليل».

وأوضحوا أن يعلون قام بواجبه بإخلاص عندما انتقد سياسة الحكومة، لأنه يتوقع انفجارا شاملا في المناطق الفلسطينية في حالة استمرار السياسة الحالية، وهو يحاول بتصريحاته منع هذا الانفجار، ومساعدة حكومة أحمد قريع (أبو علاء) على النجاح، لأن فشلها يعني الانهيار التام وانفجار موجة جديدة من العنف وسف الدماء.

إلى ذلك رأى نبيل أبو ردينة المتحدث الإعلامي باسم الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، أمس، أن الخلافات بين المسؤولين الإسرائيليين تكشف استمرار «العدوان» الإسرائيلي على الفلسطينيين لأنها تتناول «حجم التصعيد» وليس «البحث عن حل».

وقال نبيل أبو ردينة لوكالة الصحافة الفرنسية إن «الخلافات في الرأي داخل إسرائيل حول حجم التصعيد في الاعتداءات، تكشف الحقيقة الواضحة لاستمرار العدوان الإسرائيلي» ولا تتناول «البحث عن الحل». ورأى أن هذا الوضع «يستدعي تدخلا عاجلا من اللجنة الرباعية قبل انفجار الأوضاع في المنطقة».