«الشرق الأوسط» تنشر نص رسالة الاستفسارات الفلسطينية إلى كلينتون

TT

المقترحات تقسم الدولة الفلسطينية إلى 3 مقاطعات والقدس إلى جزر معزولة * الأراضي التي ستقدمها إسرائيل «مدافن نووية» * الفلسطينيون مستعدون للتفكير بمرونة في ما يتعلق بآلية تنفيذ حق العودة * لا يوجد سبب لجعل فترة الانسحاب 3 سنوات كما لم يتضح ما إذا كان يشمل الجنود والمستوطنين حصلت «الشرق الأوسط» على نص الرسالة المفتوحة التي بعث به ياسر عبد ربه رئيس فريق المفاوضين الفلسطينيين الى المسؤولين الاميركيين قبل وصول الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات الى واشنطن لاجراء محادثات مع المسؤولين في ادارة الرئيس الاميركي بيل كلينتون.

ولاحظ المراقبون ان المقترحات الاميركية تقبل بوضوح مبدأ تبادل الارض، وثانيا ان معظم المستوطنين سيتركون في اماكنهم (فهي تشير الى ان اسرائيل تحتاج الى استيعاب اقل من 60 الف مستوطن، وهو الامر الذي يعني قبول استمرار وجود اكثر من 140 الف مواطن في الاراضي المحتلة.

واشارت وثيقة الاستفسارات الى ان المقترحات الاميركية ستقسم الدولة الفلسطينية الى ثلاثة كانتونات منفصلة، مرتبطة ومقسمة بطرق اسرائيلية فقط واخرى عربية فقط وتشل امكانية التوصل الى انشاء دولة فلسطينية، كما انها تقسم القدس الفلسطينية الى عدد من الجزر غير المرتبطة، وتجبر الفلسطينيين على التنازل عن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين. كما ان المقترحات، طبقا لوجهة النظر الفلسطينية فشلت في تقديم ترتيبات امنية قابلة للتطبيق بين فلسطين واسرائيل. وقالت الوثيقة الفلسطينية ان المقترحات الاميركية تمثل عددا من المشاكل الخطيرة في مجال التقسيم، فهي غير مصحوبة بخريطة، كما ان المساحة الشاملة التي ستحسب منها النسب ليست محددة. واشارت الوثيقة الى انه «من المستحيل قبول مقترحات تعاقب الشعب الفلسطيني بينما تكافئ سياسة المستوطنات الاسرائيلية غير القانونية. واكدت الوثيقة الفلسطينية ان المقترحات الاميركية تعكس تبنياً كاملاً للموقف الاسرائيلي بأن تطبيق حق العودة يرجع بصورة شاملة الى رغبة اسرائيل. في ما يلي نص الرسالة المفتوحة التي بعث بها ياسر عبد ربه، رئيس الوفد الفلسطيني الى المفاوضات النهائية وفيها الاستفسارات الفلسطينية حول مقترحات الرئيس الاميركي بيل كلينتون، كأساس لاتفاق نهائي.

التقى المفاوضون الفلسطينيون والاسرائيليون الاسبوع الماضي في واشنطن، كجزء من جهودنا المتواصلة لايجاد تسوية سلمية شاملة. وعند نهاىة الاسبوع تقدم الرئيس كلينتون بعدد من الاقتراحات ترمي الى تحديد المؤشرات التي تتم على اساسها تسوية آنية. اننا نشعر بالامتنان للمساهمات المقدرة للولايات المتحدة في جهود السلام ونرحب بمشاركتها الممتدة في المفاوضات القادمة.

واننا لنشعر بامتنان خاص للرئيس كلينتون للجهود الجبارة التي بذلها لتحقيق السلام العادل والدائم بين الفلسطينيين والاسرائيليين. وانه لانجاز يضاف الى سجله كون الفلسطينيون والاسرائيليون قد اصبحوا على هذه الدرجة من التقارب خلال السنوات السبع الماضية. وكما صرح الرئيس كلينتون نفسه في مناسبات عديدة، فان السلام الدائم والناجح سىكون هو ذلك الذي يأخذ في الاعتبار هموم كل الاطراف، ويكون مقبولا للفلسطينيين والعرب والمسلمين، بمثلما يكون مقبولا لاسرائيل، وذلك في اطار الاسس المتفق عليها للمفاوضات الفلسطينية ـ الاسرائيلية، وعلى وجه التحديد قرارات مجلس الامن للامم المتحدة 242 و338.

ونود ان نوضح هنا لماذا فشلت المقترحات الاميركية الاخيرة، في صورتها المجملة والمقدمة دون توضيحات او حواشي، في تلبية الشروط الضرورية للسلام الدائم. ان هذه الاقتراحات وبصورتها الماثلة:

1 ـ تقسيم الدولة الفلسطينية الى ثلاث مقاطعات تربطها وتقسمها في نفس الوقت طرق عربية خالصة واخرى اسرائيلية خالصة، مما يبطل وجود الدولة الفلسطينية.

2 ـ تقسيم القدس الفلسطينية الى جزر معزولة عن بعضها البعض ومن بقية فلسطين.

3 ـ تجبر اللاجئين الفلسطينيين على التنازل عن حق العودة.

وهي تفشل ايضا في طرح اجراءات امنية عملية بين فلسطين واسرائيل، وفي حل عدة قضايا اخرى تهم الشعب الفلسطيني. ويبدو ان اقتراحات الولايات المتحدة تستجيب لمطالب اسرائيل، بينما تهمل المطلب الفلسطيني الاساس: الدولة المستقلة المعززة الوجود.

ان اقتراحات الولايات المتحدة صيغت بصيغ تتسم بالعمومية، وتفتقر في بعض اجزائها للوضوح والتفصيل. ونحن نرى ان اتفاقية للحل النهائي، لا يمكن ان تتمثل في وثيقة تكتفي باعلان مبادئ سياسية عامة. انها، خلافا لذلك، وثيقة شاملة تحدد التفاصيل، والآليات، والجداول الزمنية لانهاء النزاع الفلسطيني ـ الاسرائيلي وحتى تكون مثل هذه الاتفاقية فعالة، يجب ان تدعمها وتصحبها ضمانات عالمية واضحة للتنفيذ. ونحن نعتقد ان اتفاقية غامضة وفضفاضة، من هذه المرحلة المتقدمة من مفاوضات السلام، ستكون ذات آثار سلبية. وينبع هذا الاعتقاد من تجاربنا السابقة مع الاتفاقيات الغامضة، كما ينبع من تاريخ اسرائيل في عدم الالتزام بالاتفاقيات المبرمة. ان اتفاقية الحل النهائي يجب ان تكون، بحق اتفاقية نهائية لا اتفاقية من اجل مزيد من التفاوض.

قدم الجانب الاميركي اقتراحات حول اربع قضايا اساسية: الارض والقدس واللاجئين والأمن.

الرقعة الأرضية للدولة الفلسطينية:

في ما يتعلق بالارض، اقترحت الولايات المتحدة ان تقوم اسرائيل بضم 4 الى 6% من الضفة الغربية، على ان يتم تعويض هذا الضم عن طريق «تبادل اراضي» يتراوح بين 1% الى 3% وان تفكر الاطراف كذلك في تبادل الاراضي المؤجرة واقترحت الولايات المتحدة كذلك رسم الخرائط النهائية بحيث تقع 80% من المستوطنات الاسرائيلية داخل القطاعات التي يتم ضمها لاسرائيل، على ان يساعد ذلك في نفس الوقت على تحقيق وحدة الاراضي وتقليل الاراضي الملحقة، وتقليل عدد الفلسطينيين الذين سيتأثرون بهذه الاجراءات.

ويطرح هذا المقترح جملة من القضايا الخطيرة، ونسبة لان المقترح ليس مصحوبا بخريطة ولأن المساحة الكلية التي اخذت منها النسب ليست محددة فانه لمن الصعب تصور كيفية المواءمة بين هذه النسب وبين وحدة الاراضي الفلسطينية.

وتزداد صعوبة الامر في ضوء اصرار الجانب الاسرائيلي، وتجاهل الجانب الاميركي لكون القدس، كما تعرِّفها اسرائيل، و«الارض التي لا يملكها احد» والبحر الميت، ليست جزءاً من المساحة الكلية التي اخذت منها النسب. يضاف الى ذلك ان المقترح الاميركي ينادي «بتبادل الاراضي المؤجرة» وليس واضحا تماما ما اذا كان مثل هذا التبادل يخدم المصالح الفلسطينية، طالما ان الجانب الفلسطيني ليست له احتياجات اقليمية باسرائيل فيما عدا الممر الذي يربط الضفة الغربية وقطاع غزة، والذي يغطيه تبادل الاراضي ان هذا الاقتراح، مأخوذا مع الخارطة التي قدمها الجانب الاسرائيلي اثناء جولة المفاوضات الاخيرة بواشنطن (انظر الخارطة المرفقة)، يمكن اسرائيل من السيطرة على رقعة واسعة من الارض مما يجعل الدولة الفلسطينية ليست قابلة للحياة وفاقدة للحدود الدولية.

ومن دون خريطة تجلي الغموض المشار اليه اعلاه، فان الاقتراح الاميركي لا يفعل شيئا مطلقا لمنع اسرائيل من العودة الى مقترحاتها بكامب ديفيد التي تضع 10% من اراضي الضفة الغربية تحت السيادة الاسرائيلية، كما تضع 10% اخرى تحت السيطرة الاسرائيلية جريا وراء اجراءات امنية رديئة التعريف. ومن المهم ان نضع في الاعتبار ان كل المستوطنات الاسرائيلية الحالية في الضفة الغربية تحتل 2% من تلك الضفة. ومن هذا الاطار فان الجانب الفلسطيني يرفض استخدام «قطاعات الاستيطان» كمبدأ ارشادي كما تقترح الولايات المتحدة. ان استخدام هذا المعيار يهضم المصالح الفلسطينية المتمثلة في وحدة دولتهم، والتحكم في مواردهم الطبيعية، ويخضعها للمصالح الاسرائىلية في تواصل المستوطنات، اللاشرعية حسب الاعراف الدولية. كما انه يناقض المعيار الذي انطوى عليه الاقتراح الاميركي والخاص بتقليص الاراضي الملحقة وعدد الفلسطينيين المتأثرين بالاجراءات. بالاضافة الى ذلك، يرغب الجانب الفلسطيني في معرفة تلك المستوطنات التي تنوي اسرائيل ضمها.

وفي نهاية المطاف، يصبح من المستحيل الاتفاق على اقتراح يعاقب الفلسطينيين، بينما يكافئ ويجيز سياسة اسرائيل غير الشرعية في اقامة المستوطنات. ان اقتراحا يضم 4 الى 6% من الارض (دع عنك 10%) يؤدي بصورة حتمية الى تدمير المصالح الفلسطينية الحيوية. فبناءً عليه، سيضم عدد كبير من القرى الفلسطينية الى اسرائيل، مما يضيف المزيد لاعداد المبعدين الفلسطينيين، الضخمة اصلا.

يضاف الى ذلك، وكما توضح الخارطة المرفقة، فان مساحة شاسعة من الاراضي المتنازع عليها بالمناطق الحضرية مثل القدس وبيت لحم، ستضمها اسرائيل، مما ينهي امكانية التواصل الجغرافي ووحدة الاراضي الفلسطينية. وفضلا عن عرقلة حرية حركة الفلسطينيين على ارضهم ودولتهم فان هذا سيكون له آثار خطيرة على قابليات الدولة للنمو، ومن نافلة القول ان مشروعا الحاقيا بهذا الحجم سيضر بالمصالح المائية الفلسطينية.

اما في ما يتعلق «بتبادل الارض» فان الاقتراح الاميركي لا يحدد تلك المناطق داخل اسرائيل التي يتم بواسطتها تعويض الاراضي الفلسطينية الملحقة. ويصر الجانب الفلسطيني على ان اي اراض يتم ضمها يجب التعويض عنها باراض مساوية القيمة، والحجم. ولم تقدم اية حجة ضد ان يكون الامر هكذا. ومع ذلك فان المقترح الاميركي يرفض صراحة ان يكون التعويض بارض مساوية الحجم ويلوذ بالصمت حول قضية موقع ونوعية الارض المقدمة كتعويض. والواقع ان كل المقترحات الاسرائيلية والاميركية السابقة كانت تشير الى اراض قريبة من قطاع غزة في مقابل الاراضي الجيدة، المملوكة ملكا حرا بالضفة الغربية. وبالاضافة الى كونها اراض صحراوية، فان المساحات التي تقدمها اسرائيل بالقرب من قطاع غزة، تستخدمها اسرائيل حاليا لدفن النفايات الذرية. ومن الواضح اننا لا يمكن ان نستبدل اراضي زراعية خصبة وقابلة للتعمير بمستنقعات للنفايات الذرية.

القدس:

حول قضية القدس صاغ الرئيس كلينتون مبدءاً عاما يقول: «الاراضي العربية اراض فلسطينية، والاراضي اليهودية اراض اسرائيلية». ولكنه حث الجانبين بالتوفر على الخرائط لضمان وحدة الاراضي، باقصى حد ممكن للجانبين. وقد قدمت صيغتان تعالج كل منهما سيادة كل دولة على الحرم الشريف، وعلى «الحائط الغربي». وكلا الصيغتين تضمنان سيادة فلسطين على الحرم، وسيادة اسرائيل على الحائط، وتحرمان الطرفين من الحفر، والتنقيب تحت الحرم او وراء الحائط.

ان الصيغة الاميركية حول الحرم تثير كثيرا من الاشكاليات. اولا: يبدو الاقتراح وكأنه يعترف بالسيادة الاسرائيلية تحت الحرم باشارته الى ان لاسرائيل حقا»، تتنازل عنه طواعية، بالتنقيب وراء الحائط (اي المنطقة تحت الحرم) بالاضافة الى ذلك فان «الحائط الغربي» يمتد الى حدود تتعدى حائط المبكى، بما في ذلك النفق الذي افتتحه عام 1996 رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو والذي ادى لصدامات عنيفة.

ان الجوانب الاقليمية للاقتراح الاميركي في ما يتعلق بالقدس تثير هي الاخرى قضايا خطيرة تستدعي مزيدا من التوضيحات. وكما توضح الخارطة المرفقة، وكنتيجة للسياسة الاسرائيلية المدانة دوليا من اقامة المستوطنات بالقدس الشرقية، فان الصيغة الاميركية القائلة ان «الاراضي العربية اراض فلسطينية والاراضي اليهودية اراض اسرائيلية» لا يمكن مواءمتها مع مبدأ «اقصى قدر من وحدة الاراضي للطرفين» الواردة في الاقتراح نفسه. والارجح هو ان الجزر الفلسطينية داخل المدينة سيتم عزلها عن بعضها البعض، بمقتضى هذه الصياغة.

اما اسرائيل فسيكون بمقدورها ان تحافظ على وحدة اراضيها. ولذلك فان المقترح الذي ينادي «بأقصى درجة من وحدة الاراضي للطرفين» سيكون معناه: «اقصى درجة من وحدة الاراضي لاسرائيل».

ان مطالبة اسرائيل المستمرة بالسيادة على عدد من «المواقع الدينية» غير المحددة جغرافيا، في القدس، ورفضها لتقديم الخرائط التي تحدد هذه المواقع يثير مخاوفها الفلسطينية. وحتى تكون الصيغة مقبولة للفلسطينيين يجب ان تضمن وحدة المناطق الفلسطينية داخل المدينة بالاضافة الى تواصل ووحدة القدس مع الاجزاء الاخرى من فلسطين.

ويتمثل الموقف الفلسطيني بشأن القدس بدرجة رئيسية في وضعها كمدينة مفتوحة يتمتع الجميع بحرية الدخول اليها. وهذه الوضعية لا مفر منها ليس فقط لضمان حرية الدخول والعبادة في جميع الاماكن المقدسة لكافة اولئك الذين يقدسون المدينة، بل ايضا لضمان حرية الحركة في انحاء الدولة الفلسطينية. لكن للاسف، لم تشر مبادرة الولايات المتحدة بأي شكل الى هذا التصور الاساسي.

اللاجئون الفلسطينيون في ما يتعلق بمسألة اللاجئين الفلسطينيين، الذين شردوا من منازلهم نتيجة لتأسيس دولة اسرائيل، اقترحت المبادرة الاميركية ان يعترف الطرفان بحق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إما الى فلسطين التاريخية او الى مواطنهم الاصلية، لكنها اضافت ان على الاتفاق ان يوضح بانه لا يوجد حق محدد بالعودة الى ما يعرف الآن باسرائيل. وبدلا من ذلك اقترحت المبادرة خمسة مواطن نهائية محتملة للاجئين:

1 ـ دولة فلسطين.

2 ـ مناطق منحتها اسرائيل لفلسطين خلال «عملية التبادل».

3 ـ التوطين في الدول التي تستضيفهم.

4 ـ اعادة توطين في بلد ثالث.

5 ـ الدخول الى اسرائيل. وسيكون لجميع اللاجئين الحق بـ«العودة» الى دولة فلسطين، لكن توطينهم في الدول التي تستضيفهم، واعادة توطينهم في بلد ثالث، ودخولهم الى اسرائيل، كلها اجراءات ستعتمد على السياسات التي تتبعها الدول المعنية على حدة.

يعكس مقترح الولايات المتحدة تبنيا شاملا للموقف الاسرائيلي الى درجة ان تنفيذ حق العودة سيكون خاضعا بشكل تام لرغبة اسرائيل.

من المهم ان نتذكر ان القرار 194، والذي اعتبر دائما اساس تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين، يطالب بعودة اللاجئين الفلسطينيين الى منازلهم، اينما كانت وليس الى وطنهم الاصلي او الى فلسطين التاريخية.

يتمثل جوهر حق العودة في الاختيار: يجب ان يمنح الفلسطينيون فرصة اختيار المكان الذي يرغبون في الاستقرار فيه، بما في ذلك العودة الى المنازل التي طردوا منها، اذ لا توجد سابقة تاريخية تخلى فيها الناس عن حقهم الاساسي بالعودة الى منازلهم سواء اكانوا قد طردوا منها أم فروا منها في حالة خوف. ولا يمكن ان نكون اول شعب يفعل ذلك. فالاعتراف بحق العودة والنص على حرية الاختيار للاجئين مطلبان ملحان لوضع نهاية للنزاع.

الفلسطينيون مستعدون للتفكير بمرونة وبشكل خلاق في ما يتعلق بآلية تنفيذ حق العودة. وخلال العديد من المناقشات مع اسرائيل تم التطرق الى آليات تنفيذ حق العودة باسلوب يتيح وضع نهاية لقضية اللاجئين ومشكلتهم، وفي الوقت نفسه يتيح التقليل من المخاوف الاسرائيلية، كما تمت مناقشة هذه المسألة بشيء من التفصيل.

لم يتمكن مقترح الولايات المتحدة من الاشارة الى اي من هذه النقاط المتقدمة وعاد الى الوراء ليشير الى مواقف اسرائيلية تفاوضية مبكرة. وبالاضافة الى ذلك لم يقدم مقترح الولايات المتحدة اي ضمان متعلق بحقوق اللاجئين في العودة والتعويض.

الأمن في ما يتعلق بقضية الامن، اقترحت الولايات المتحدة ان يكون هناك حضور دولي لضمان تنفيذ الاتفاق. واشار مقترح الولايات المتحدة الى ان الانسحاب الاسرائيلي سيتم خلال فترة ثلاثة اعوام، بحيث يتم احلال قوات دولية بشكل تدريجي. وفي ما بعد، عند نهاية هذه الفترة، سيتم السماح باستمرار وجود اسرائيلي عسكري في وادي الاردن لثلاثة اعوام اخرى على اساس انها قوة دولية.

اقترحت الولايات المتحدة ايضا السماح لاسرائيل بالاحتفاظ بثلاث محطات انذار مبكر لما لا يقل عن عشرة اعوام، وان يمنح لها حق نشر قواتها في المناطق الفلسطينية في حالة الاعلان عن «حالة طوارئ في البلاد». وبالاضافة الى ذلك، اقترحت الولايات المتحدة تعريف فلسطين بانها «دولة غير مسلحة»، ومع اعترافها بالسيادة الفلسطينية على مجالها الجوي، اقترحت ان يتوصل الطرفان الى ترتيبات خاصة متعلقة بحاجات اسرائيل التدريبية والعملياتية.

ورغم ان المقترحات الاميركية تفرض على السيادة الفلسطينية اعباء اقل مما اقترحته اسرائيل في وقت سابق، الا انها مع ذلك تثير جملة من المخاوف. اذ لا يوجد اي سبب يحتم حاجة اسرائيل لثلاثة اعوام لكي تنسحب من الضفة الغربية وقطاع غزة.

وبالنظر الى حقيقة ان اسرائيل وطنت اكثر من مليون مهاجر ينتمون للاتحاد السوفياتي السابق خلال بضع سنوات، فان عاما واحدا يعد وقتا اكثر من اللازم لاعادة توطين ما يقل عن 60 الف مستعمر اسرائيلي. يضاف الى ذلك انه لم يتضح من المقترح الاميركي ما اذا كانت فترة الانسحاب متعلقة بالجنود والمستعمرين معا، لان كلا منهما يعد جزءا من قوى الاحتلال في الاراضي الفلسطينية. وقد تؤدي عملية انسحاب طويلة الامد الى تعريض التنفيذ السلمي للاتفاق للخطر، كما قد تتسبب في وجود مصدر مستمر للاحتكاك.

وهناك ايضا مخاوف فلسطينية اخرى، اذ يتوجب على اسرائيل ان تعرض موقفا مقنعا بشأن ما يدفعها للحاجة الى قوى متأهبة في وادي الاردن، او الى حقوق متعلقة بنشر قوات في حالة الطوارئ، او اليهما معا. وهذه المسألة مطروحة بالنظر الى ان قوات دولية ستكون حاضرة في هذه المناطق. والاكثر من ذلك، ان اسرائيل لا تحتاج الى اكثر من محطة انذار مبكر واحدة في الضفة الغربية لاشباع حاجاتها الاستراتيجية. كما ان الحفاظ على المحطات في مواقعها الحالية بالقرب من رام الله ونابلس والقدس الشرقية سيؤدي حتما الى اعاقة التنمية الفلسطينية. يضاف الى ذلك، ان مقترح الولايات المتحدة سيمنح اسرائيل الصلاحية المطلقة لتحديد فترة عمل هذه المحطات.

واقتراح المبادرة الاميركية بشأن التوصل لترتيبات خاصة متعلقة بحاجات اسرائيل التدريبية والعملياتية في المجال الجوي الفلسطيني يثير هو الاخر مشكلة حادة. فبدون توضيحات معينة، يمكن استغلال هذا المقترح في الدفاع عن حق اسرائيل في استخدام المجال الجوي الفلسطيني خلال تدريبات المناورات العسكرية بما تكتنفه من مخاطر على السكان المدنيين الفلسطينيين وعلى البيئة، في الوقت الذي يتم فيه تجنيب المواطنين الاسرائيليين أيا من هذه المخاطر. ان الفلسطينيين متمسكون بالتزامهم العمل على التوصل لاتفاق اقليمي بشأن الطيران بما يتماشى مع القواعد المتعارف عليها والمقبولة دوليا. واي اتفاق مغاير سيؤثر على السيادة الفلسطينية ويلحق ضررا بالعلاقات مع الدول المجاورة.

قضايا أخرى لم يشر المقترح الاميركي الى عدد من القضايا التي تعد ضرورية لاقامة سلام دائم وشامل. وبالتركيز فقط على القضايا الاربع المذكورة آنفا، لم يتجاهل مقترح الولايات المتحدة فقط قضايا متعلقة بوضع نهاية للنزاع، وانما ايضا صرف النظر عن اساليب ضمان ان تعود العلاقات المستقبلية بين الشعبين بالفائدة عليهما معا. وبشكل خاص، فان المقترح لم يشر الى قضية المياه، والتعويض عن الاضرار الناتجة عما يزيد على ثلاثين عاما من الاحتلال، والبيئة، والعلاقات الاقتصادية المستقبلية، وغيرها من القضايا التي تمس الدولتين معا.

نهاية النزاع بينما نلتزم كليا بوضع نهاية للنزاع الفلسطيني ـ الاسرائيلي، نعتقد ان هذا يمكن التوصل اليه فقط عند حل القضايا التي أدت الى تصعيد النزاع نهائيا. وهذا في المقابل يمكن التوصل الىه من خلال اتفاق شامل يوفر طرقا مفصلة لحل القضايا المتعلقة بصلب النزاع. ويجب ان نتذكر انه عند التوصل لتسوية بين اسرائيل وكل من مصر والاردن، تحققت نهاية النزاع فقط بعدما تم التوصل لمعاهدة سلام نهاية مفصلة.

ومع تنحيتها جانبا لمتطلبات القانون الدولي والعدالة، فان المقترحات الاميركية ـ وما لم يتم توضيحها لكي تأخذ في الحسبان المخاوف المذكورة آنفا ـ لا تسمح حتى بحل عملي للنزاع. وما لم يتسن التوصل لمثل هذه الحلول العملية، فاننا نعتقد ان اي اعلان شكلي لنهاية النزاع سيكون بلا معنى.

الخلاصة يسرنا مرة اخرى ان نؤكد استمرارنا في الالتزام بحل سلمي للنزاع الفلسطيني ـ الاسرائيلي، وفقا لقراري مجلس الامن رقم 242 و338 وللقانون الدولي. وبالنظر الى الخسائر البشرية الهائلة نتيجة لأي تأجيل في المفاوضات، فاننا ندرك الحاجة لحل النزاع في اقرب وقت ممكن. ومع ذلك فلا يمكننا قبول مقترح لا يضمن تأسيس دولة فلسطينية بمعنى الكلمة ولا يضمن حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة الى منازلهم.