الإجراءات الأمنية الجديدة تثير استياء العراقيين وتزيد مخاوف الجنود الأميركيين

TT

مع تكثيف حربهم ضد المتمردين العراقيين، بدأ الجنود الاميركيون في تطويق قرى عراقية بأكملها بالاسلاك الشائكة، كما دمروا المباني التي يعتقد انها تستخدم من قبل المهاجمين العراقيين، وسجنوا اقارب المقاتلين المشتبه فيهم، على أمل الضغط على المتمردين أن يراجعوا انفسهم، ويوقفوا اعمالهم الارهابية.

وبدأ الاميركيون حملتهم هذه في أول نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي في اطار استراتيجية جديدة تشابه حملة مكافحة التمرد في الاراضي المحتلة الفلسطينية من طرف الاسرائيليين، وجاءت هذه الحملة بعد شهر دام على القوات الاميركية في العراق اسفر عن مقتل 81 جنديا اميركيا في هجمات متفرقة.

في قرية أبو هشيمة، التي سورت بسلك شائك بعد الهجمات المتكررة على القوات الاميركية، اصطف المدنيون ذهاباً واياباً امام نقطة تفتيش اميركية حاملين معهم بطاقات هوية مطبوعة بالانجليزية فقط، من اجل الدخول والخروج.

وقال المقدم نيثن سامان قائد الكتيبة الذي يشرف رجاله على القرية على بعد 50 ميلاً شمال بغداد، «اذا ليس لديك هذه البطاقة لم يمكنك الدخول او الخروج».

وقال المواطن العراقي طارق برطم في حالة غضب «لا أرى اختلافا بيننا والفلسطينيين، ولم ننتظر شيئا مثل هذا بعد سقوط صدام». واضاف «ان ممارسة تدمير المباني التي يشتبه في استخدامها من طرف المتمردين العراقيين، قد استخدمت لعقود من قبل الجنود الاسرائيليين في غزة والضفة الغربية، كما سجن الجيش الاسرائيلي اقارب الارهابيين المشتبه فيهم املا في الضغط عليه للاستسلام وهو نفس المخطط الذي يمارسه الاميركيون في العراق.

ويجد الجنود الاميركيون انفسهم في موضع مماثل في الشمال. فقد شاهد هايل قنديس الجنرال الاميركي المسؤول عن مدينة الموصل في شمال العراق وهو يؤكد على شاشات التلفزيون أن الجنود الاميركيين محررون للبلاد وأصدقاء. ولكنه لم يقتنع اذ مازالت ذاكرته زاخرة بمشاهد الجنود الاميركيين الذين داهموا منزله فجرا.

وقال قنديس الذي يعمل سائق سيارة أجرة «فتحت بابي لأرى مسدسا مشرعا في وجهي وأربعة جنود اميركيين. حسبتهم سيعتقلونني». وأضاف «لم يكن هناك اي مترجم أو شرطي. جاءوا وقلبوا كل شيء رأسا على عقب بحثا عن اسلحة. أصيبت زوجتي بالذعر.. كيف نحبهم».

وجاء اول خطاب يلقيه الجنرال ديفيد بيترايوس قائد الفرقة 101 المحمولة جوا للشعب العراقي منذ أربعة اشهر في الاسبوع الماضي نتيجة سلسلة من الهجمات استهدفت القوات الاميركية في المدينة التي كانت قبل عدة اسابيع تنعم بالسلام بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة والذي أطاح بصدام حسين.

وناشد أبناء الشعب مقاومة من «يتنقلون بحرية بين الاحياء ويسببون اضطرابات أو يقتلون». وأضاف بيترايوس «يريد جنودنا أن ينظر اليهم على انهم محررون وأصدقاء لا محتلين».

وأحكمت الاجراءات الامنية بعد شهر مضطرب لهذه المدينة. ومنذ بداية نوفمبر (تشرين الثاني) قتل 28 جنديا اميركيا وأصيب 76 اخرون. كما قتل عدد من العراقيين الذين يتعاملون مع قوات الاحتلال.

وكان رد فعل الولايات المتحدة سريعا. وقال الكولونيل جوزيف اندرسون قائد اللواء الثاني التابع للفرقة «بدأنا اسلوبا جديدا في الدوريات يدعى حملات الاحياء. اذ ان كل كتيبة تفتش حيا واحدا كل اسبوع». وأضاف اندرسون ان تعزيز اجراءات الامن «كان فعالا للغاية، فقد احتجزنا اكثر من 60 فردا كانوا على قائمة المستهدفين، من بينهم اثنان من اعضاء انصار الاسلام وعدد من أعضاء القاعدة».

وأنفق الجيش الاميركي اموالا وأمضى وقتا طويلا في محاولة استمالة سكان الموصل الا ان هناك مخاوف من ان فرض اجراءات امنية أشد من الممكن ان يفسد العلاقة.

وقال محمد عبد الوهاب امام مسجد النبي يونس في الموصل «حدث تغير في الموقف من الجنود بسبب الهجمات الاخيرة. لا احد يقترب منهم». وتابع «اذا كان الناس يحبونهم فلماذا يبعدون عن الشوارع».

ويدرك اندرسون تماما ضرورة الالتزام بتوازن دقيق. وبالرغم من انهم يتعقبون أهدافا بعينها فان ضباطه يتعين عليهم ان يدرسوا بكل حذر افضل الطرق التي يمكن اتباعها. ويجري حاليا تفتيش المساجد الا ان القائد يقول ان الجنود لا يدخلون هناك احتراما للثقافة المحلية.

وأردف اندرسون قائلا «لم تطأ اقدامنا مسجدا بعد. الشرطة العراقية او فيلق الدفاع المدني يدخلون هناك. نحن نطوقه ونحيط به. ولا ندخل». وأضاف «لا نجبر الرجال على الركوع على الارض. نحن نجمع افراد الاسر. بل لقد حصلنا على بطاقات صغيرة كتب عليها «من فضلكم تجمعوا في غرفة واحدة. اسمحوا لنسائكم بأن يضعن حجابهن، وبالطبع لابد من ان نراقب المنطقة الخلفية للتأكد من أنه ما من احد يقفز من النافذة».

ويقر اندرسون بأن الجنود قد يصعب عليهم فهم تلك الامور ويشعرون بالاحباط. وقال احد الجنود ملخصا مشاعر أغلبية الجنود «لقد مل الجميع. العراقيون لا يعترفون بالفضل. انهم يحاولون قتلنا دائما».

* خدمة «نيويورك تايمز» خاص بـ«الشرق الأوسط»