الديمقراطية قد تنتهي بالعراق إلى ثيوقراطية استبداد من نوع آخر

مسؤولون ومواطنون عراقيون: ليس مهما ما يقوله قادة الشيعة بل ما يضمرونه

TT

بالنسبة للكثيرين من المسؤولين العراقيين، وعلى خلفية كل جدل يدور، تحوم أشباح مخيفة وغامضة من نتائج الانتخابات المزمع إجراؤها في يونيو (حزيران) المقبل. ويثير هذه المخاوف أن الشعب العراقي الذي اضطربت أوضاعه بعد سقوط دكتاتورية وحشية اعقبتها مباشرة قوة احتلال خرقاء وطائشة، يمكن أن ينتهي بانتخاب حكومة ثيوقراطية إسلامية. وعندما دعا آية الله العظمى علي السيستاني، أكثر الزعماء الشيعة نفوذا في العراق، إلى انتخابات حرة، على نطاق العراق، وليس مجرد مؤتمرات حزبية تختار بعض المندوبين وفق تصور الخطة الأميركية، استنتج أغلب الساسة العلمانيين أنه يطمح الى إنشاء دولة دينية، خاصة أن 60% على الأقل من سكان البلاد ينتمون إلى المذهب الشيعي. وقال الشيخ غازي عجيل الياور، العضو المستقل بمجلس الحكم العراقي «أغلب الناس يخشون أن يكون وراء رغبة الإسلاميين في إجراء الإنتخابات المباشرة، اعتقادهم بأن رجال الدين سيكونون الحكومة القادمة».

ولكن رجال الدين الشيعة ينفون ذلك، ويبدون عزوفا ظاهريا عن حكم البلاد، وحتى إشعار آخر. وقال عبد العزيز الحكيم، رجل الدين المعروف وعضو مجلس الحكم المقرب من آية الله السيستاني «لا نريد إقامة حكومة إسلامية في الوقت الحالي. لا نريد حكومة شيعية. بل نريد حكومة ديمقراطية ذات قاعدة واسعة».

من جانب آخر، قال مسؤولون بإدارة بوش ان مخاوفهم حول قيام حكومة شيعية قد تضاءلت بعد أن أتضح لهم أن الشيعة العراقيين لا يخضعون لإيران. ولكن مخاوف كثير من العراقيين لم تتضاءل رغم هذه الاعتبارات. ويقول هؤلاء ان ما يقوله الحكيم ليس مهما، ولكن المهم هو ما يضمره. وهم يخشون أن تجبر الأوضاع العراقية الفوضوية حاليا، الناخب العراقي على اختيار نظام متشدد على غرار النظام الإيراني ليحقق الاستقرار ويفرضه. ولهذا السبب فإن جميع القوى السياسية باستثناء رجال الدين أنفسهم، ترغب في تأجيل الانتخابات عاما آخر أو أكثر. قال حميد مجيد موسى، سكرتير عام الحزب الشيوعي العراقي «الوضع كله يتميز بالغليان. وفي هذه الظروف غير العادية، من الصعب ضمان تصويت متوازن. لم تتوفر لنا حتى الآن الظروف الملائمة للانتخابات. وهذا هو السبب الذي يمكن أن يتسبب في واحدة من هذه العجائب».

وتقضي الخطة الأميركية بأن يختار العراقيون جمعية انتقالية من 250 عضوا في الربيع المقبل. وسيقوم مجلس الحكم، فضلا عن المجالس المحلية والإقليمية باختيار أعضاء الجمعية. وقال الأميركيون انهم اختاروا هذه الطريقة لأنه سيكون من المستحيل تنظيم انتخابات عامة شاملة في الربيع المقبل. ويقول المسؤولون الأميركيون أنهم سيدعمون أية حكومة تحترم المبادئ الديمقراطية. ومع ذلك فإن الجميع هنا يعتقدون أن للأميركيين دوافعهم في اختيار هذه الطريقة دون غيرها من الطرق. فإذا انحصرت عملية الانتخاب في هيئات رسمية فإنه يصبح ممكنا حينها عزلها عن الأهواء الشعبية المصاحبة بالضرورة للانتخابات العامة. ويقول الزعماء الشيعة ان البلاد في حاجة حاليا إلى حكومة ذات تمثيل واسع في هذا المنعطف الخطير من تاريخها. قال الحكيم «كل الأحزاب لديها مخاوفها حاليا. ومن هنا يجب أن يشارك الجميع في هذه الفترة. أما في المستقبل فسيكون لدينا البرلمان والصحافة مما سيمكن الناس من مراقبة أعمال الحكومة».

وفي نفس الوقت فإن الحكيم يطالب بحقوق دينية معينة بصرف النظر عن طبيعة الحكومة التي ستظهر إلى الوجود. وقال «نحن لن نقبل بالطبع بأي تهجم أو عدوان ضد الإسلام». ويصر الحكيم وقبله السيستاني، أنه بصرف النظر عن الحكومة التي يختارها العراقيون، فإنها يجب ألا تسن أي قانون يخالف الشريعة الإسلامية.

ولكن الأوزان السكانية الحقيقية تشير إلى أنه ربما يكون مستحيلا انتخاب حكومة شيعية ثيوقراطية في العراق. فحوالي 40% من السكان من السنة والأكراد وغير ذلك من الأقليات، وليس متوقعا مطلقا أن يصوت هؤلاء لقائد ديني شيعي. بقية السكان الـ60% من الشيعة، ولكن الزعماء الدينيين أنفسهم يعترفون أن جزءا كبيرا من هؤلاء علمانيون ولن يصوتوا لصالح حكومة ثيوقراطية. قال عبد اللطيف المياح، وهو أستاذ العلوم السياسية بجامعة المستنصرية ورئيس معهد الدراسات الوطنية التابع للجامعة «حوالي 30 إلى 35% من الشيعة علمانيون، ولكن إذا استمرت الأوضاع على ما هي عليه حاليا، فإن هؤلاء أيضا سيصوتون لصالح حكومة أصولية».

واحدى معضلات الوضع هي أنه بعد مرور سبعة أشهر على سقوط بغداد، لم تبرز شخصية واحدة يمكن أن يقال إنها تستطيع تمثيل كل العراقيين. وفي هذا الفراغ السياسي والقيادي، عندما يناقش العراقيون مواصفاتهم لزعيم المستقبل، فإنهم يبدون مثل المراهقين وهم يحددون المواصفات المثلى لفتاة الأحلام. قال حميد مجيد موسى «يجب أن يكون له تاريخ ناصع. يجب أن يكون مقبولا اجتماعيا وأن يكون أمينا ونظيف اليد ومثقفا وذكيا ومفكرا».

وقال موفق الربيعي، وهو عضو آخر بمجلس الحكم العراقي «يجب أن يكون شخصا عالي التعليم، وله معرفة دقيقة بالعالم الخارجي وأن يكون ملما بثقافة حقوق الإنسان».

ولم يتقدم حتى الآن من يستوفي تلك الشروط، وهو السبب في رغبة أغلب الساسة العراقيين في تأجيل الانتخابات عاما آخر أو أكثر حتى يمكن حينها إجراء الانتخابات وانتخاب زعيم للبلاد. وقال مجيد موسى «مثل هذه الفترة ستتيح فرصة للناس ليتقدموا». وقال الشيخ الياور «نحن نتقدم نحو مرحلة جديدة في حياتنا. ولا نعرف كنه هذه المرحلة حتى الآن».

* خدمة «نيويورك تايمز» خاص بـ«الشرق الأوسط»