«الشرق الأوسط» في البصرة (2): تهريب النفط والمخدرات يرفعان أسعار السلع والعقارات

TT

للبصرة التي يسكنها 1.6 مليون نسمة، عالمها السري مثل كل المدن الكبيرة في هذه الدنيا، واسواقها غير المعلنة الحافلة بالبضائع والخدمات غير القانونية والتي تشيع في البلدان التي تقع تحت الاحتلال الاجنبي.

لكن اهم واكبر قطاعات الاسواق السرية في البصرة هو سوق السلاح، حيث كانت مخازن اسلحة الجيش العراقية مفتوحة على مصراعيها للجميع لأسابيع طويلة منذ استيلاء القوات البريطانية على المدينة في اوائل ابريل (نيسان) الماضي. وثمة تقديرات تتحدث عن وجود 4 قطع سلاح على الاقل في كل بيت من بيوت المدينة العريقة.

لكن المؤكد ان تغييرا سريعا شهدته هذه السوق حيث ارتفعت الاسعار فيها ارتفاعا ملحوظا يعود الى عدم توفر مصادر كثيرة للاسلحة من جهة، وزيادة التضخم الذي يشهده اقتصاد المدينة بجناحيه العلني والسري من جهة اخرى. في ابريل الماضي، كان سعر المسدس 3 دولارات، وبدولار واحد تستطيع ان تشتري 5 قنابل يدوية دفعة واحدة. الآن وحسب مصادر اهلية قريبة من عالم هذا السوق ومصادر الشرطة، يبلغ سعر المسدس حوالي 200 الف دينار، اي 120 دولارا، بينما يبلغ سعر بندقية ذات حالة جيدة ما بين 100 و120 دولارا.

اما القنابل اليدوية فهي ما زالت معروضة للبيع، سرا طبعا، بعيدا عن اعين قوات الشرطة وقوات الاحتلال البريطاني، ويبلغ سعر «الرمانة» الواحدة، وهو الاسم المحلي للقنبلة اليدوية، 4 دولارات فقط.

وبالطبع لا يقتصر عالم الاقتصاد السري للبصرة على تجارة السلاح، بل هناك تجارة اخرى اصبحت رائجة، وهي «تجارة المخدرات» رغم ان اهل البصرة لم يعرفوا من قبل بتعاطيها. اذ قال لي معتز صالح، وهو محقق عدلي في مديرية شرطة البصرة: «ان الحدود المفتوحة مع كل من ايران والكويت والسعودية ساهمت بشكل كبير في تفشي ظاهرة تهريب المخدرات، اذ يقوم المهربون بتهريب الحشيش من ايران حيث يبلغ سعر الكيلوغرام الواحد حوالي 600 دولار، ثم يسعون الى تهريبه لبيعه بحوالي 1700 دولار، وهذا حجم هائل من الارباح يساهم في تفشي ظاهرة (التهريب العابر للحدود) التي لم نشهدها من قبل».

وبالطبع لا يتوقف السوق السري للمدن ومنها البصرة، على عالم البضائع الممنوعة، بل هناك دنيا «الخدمات غير المسموح بها» مثل الدعارة. ولكن مسؤولا في المجلس المحلي بالبصرة قال لي: «الوسطاء في تقديم هذه الخدمة اصبحوا اغنياء بعد الاحتلال البريطاني للبصرة، اذ هم الذين قادوا عمليات اقتحام بنوك المدينة ونهب ما فيها من اموال وقاموا بتغيير مهنتهم الاصلية واصبحوا الآن رجال وسيدات اعمال يملكون الاراضي والمحلات والشركات والبيوت». ربما كان التضخم هو اخطر ما يواجه الاقتصاد العراقي عامة واقتصاد جنوبه على وجه اخص هذه الايام، اذ ان هناك اموالا طائلة تتدفق على الاقتصاد العراقي غير المهيأ اصلا لاحتوائها، مثلا ارتفعت اسعار الاراضي الزراعية واراضي البناء والعقارات وهي المخزون التقليدي للقيمة بعد الاحتلال بنسبة لا تقل، حسب مصادر عراقية، عن 25 في المائة. مثلا ارتفع ثمن المنزل المتوسط داخل مدينة البصرة من 75 الف دولار قبل الاحتلال الى ما يقرب من 175 الف دولار في الوقت الحالي.

لكن اخطر ما يواجه اقتصاد جنوب العراق حاليا هو «التهريب» الذي تسبب في تضخم الاقتصاد السري الى حد لم تشهده البلاد من قبل وخصوصا تهريب النفط والمخدرات والثروة الحيوانية، اذ قالت لي كاترين ماكنتوش، احدى مساعدات القائد البريطاني لجنوب العراق ان تهريب النفط «من اكثر المشاكل التي تواجهنا حيث يتم تهريب ما يقرب من 3 آلاف طن اسبوعيا عبر شط العرب الى كل من الكويت والامارات وهذا يؤدي الى اختلال هيكلي في الاقتصاد العراقي يصعب السيطرة عليه». قلت لها:

* ألا ترين انكم لا تقومون بواجبكم وتتركون الحدود مفتوحة لتهريب النفط والمخدرات التي ستدمر صحة اهالي الجنوب؟

قالت بضيق: « لدينا 10 آلاف جندي في منطقة تبلغ مساحتها 150 الف ميل مربع وتضم 5 محافظات في الجنوب يسكنها ما يقرب من 5 ملايين نسمة، هي ام قصر والبصرة والعمارة والناصرية والسماوة، فضلا عن الف كيلومتر من الحدود مع السعودية والكويت وايران، وما يهمنا هو تحقيق الأمن ومساعدة العراقيين على بناء جهاز الدولة واجهزة الخدمات والأمن لسكان الجنوب. المنطقة مساحتها واسعة جدا ويصعب السيطرة على هذا النوع من الجرائم». اما المتحدث باسم القوات البريطانية في المنطقة الميجر شارلي مايو فقد اشار الى ان تهريب الثروة الحيوانية العراقية للكويت خصوصا تتسبب في ارتفاع اسعار اللحوم بشكل مبالغ فيه وخصوصا في البصرة. واضاف ان القوات البريطانية التي تحرس الحدود، لا تسمح بتهريب اناث الغنم لانها «الاصل في نمو الثروة الحيوانية رغم ارتفاع سعرها عدة اضعاف سعر الذكور». عندما التقيت بنائب محافظ البصرة لشؤون البلديات عبد الحافظ العاني بادرني بقوله معرفا نفسه: «انا رجل اعمال ومستقل سياسيا وأمثل سماحة السيد علي عبد الحكيم الصافي الموسوي، ممثل آية الله علي السيستاني مرجع الشيعة الاكبر في العالم». وقال ايضا: «انا قمت بتشغيل 17 الف عامل في اعمال النظافة بالبصرة والمناطق السكنية والمناطق المهملة خلال الشهرين الماضيين».

وعندما سألته وكان واضحا انه محافظ دينيا، عن حجم الحريات الشخصية تحت قيادة ادارة البصرة المحلية التي يسيطر عليها ممثلو الاحزاب الدينية والعشائر، قال: «الحريات الشخصية مسموح بها وقد يساء استخدامها احيانا باسم الحرية مما يؤدي الى عرقلة الأمن».

واضاف: «اهل البصرة يريدون منا اعمار المدينة وتشغيل الذين لا يعملون ونحن نريد اولا الدستور والحكومة المنتخبة، نحن لا نريد اي قوات اجنبية اخرى في بلادنا ونتمنى ان يفي البريطانيون بوعودهم وينسحبوا في يونيو (حزيران) القادم».

قلت: وماذا عن المرأة؟

قال: «يوجد في مجلس الحكم المؤقت 3 نساء، كما توجد 3 نساء في مجلس محافظة البصرة من بين 37 عضوا».

قلت: بمجرد احتلال القوات البريطانية البصرة قمت باغلاق محلات الخمور رغم انها كانت مفتوحة ايام صدام حسين.. أليس ذلك عجيبا؟ رد: محلات الخمور كانت تضرب بالقنابل بل وهاجمنا سلطة القهر الصدامي والقصر الجمهوري بالصواريخ.. لا يمكن ابدا افساح المجال لبيع او شرب الخمور في البصرة.

قلت: هل ستسمحون للبعثيين بالعمل السياسي؟

قال: لا.. لاننا لانثق فيهم.

قلت: لكن هذا إقصاء انتم عانيته منه من قبل؟

رد: فليكن، اننا نرفض نهائيا مشاركة البعثيين ونحن نحكم بما انزل الله، والشريعة الاسلامية تقول ان المجرم يجب ان يحاسب، والقرآن الكريم يقول «ولكم في القصاص حياة يا اولي الالباب».

قلت: لكن الالوف من اهالي البصرة كانوا اعضاء في حزب البعث اما طوعا او كرها، هل فهل ستحرمون هؤلاء من حقوقهم السياسية الطبيعية؟

رد: «لا، الذين انضموا كرها لهم وضع مختلف».