أطباء نفسانيون: العراقيون مصابون بأمراض مزمنة منها الخوف من الحرية

TT

بغداد ـ ا.ف.ب: تعاني العراقية ام جاسم منذ بضعة اشهر من وهن في قواها ولم تعد تحدث احدا، وتنتابها احيانا نوبات من البكاء، ولم يكن امام ابنها جاسم الا ان يطلب هاشم مساعدة الطبيب هاشم زيني الذي يدير عيادة للامراض النفسية في حي المنصور ببغداد.

وجلس خمسة عشر رجلا وامرأة في هدوء في قاعة صغيرة بانتظار الطبيب الذي يبدأ العمل وسكرتيرته في العيادة .

ويعمل الطبيب زيني صباحا في مستشفى ابن رشد، المستشفى الوحيد المتخصص في الامراض النفسية في العراق. ويزوره في عيادته الخارجية يوميا 250 مريضا.

ويقول الطبيب «لا يوجد الا سبعة اطباء نفسانيين. ماذا يمكننا ان نفعل؟ اننا نخصص دقيقتين لكل حالة». ويضم المستشفى 74 سريرا مخصصة للحالات الاخطر.

وخلال تسعة اشهر شهد العراقيون حربا وسقوط نظام الرئيس السابق صدام حسين والاحتلال الاميركي والصور المذهلة للقبض على صدام حسين وهزيمته. ويقول زيني ان هذه الحوادث يمكن ان تفقد اكثر الناس اتزانا في العالم رجاحة العقل، مؤكدا في الوقت ذاته ان العراقيين يتعرضون منذ عقود الى ضغوط نفسية شديدة.

واضاف ان «هذا المجتمع يعيش معاناة منذ 35 سنة ادت الى نمو ما يشبه العادة اصبح المجتمع معها مصابا بتوتر مزمن». واشار الى مثال قال انه اثار حيرته. فقد كان يتوقع اثر الاعتداء على مقر الصليب الاحمر الدولي في بغداد في 27 اكتوبر (تشرين الاول) الماضي ان يأتي اليه عدد كبير من المرضى خاصة من طلاب المدرستين الابتدائيتين المجاورتين. غير ان شيئا من ذلك لم يحدث. وقال الطبيب مستغربا «لم يأت احد». ورأى ان العراقيين مصابون بحالة اكتئاب دائم.

واضاف الطبيب زيني قائلا «لقد قادنا شخص مضطرب عدة عقود، ونجد انفسنا اليوم في مواجهة الخوف من الحرية». واشار الى ان الناس عاشوا في ظل نظام صدام حسين الكثير من المعاناة اضيف اليها الان الخوف من الفراغ والقلق من حالة الفوضى وغياب الامن.

ويقول الطبيب عباس فاضل مهدي «لدينا كل انواع الحالات النفسية من اشدها الى اقلها خطورة من بينها حالات الاضطرابات النفسية التي تنعكس على الاوضاع الصحية للمريض مثل الشعور بآلام الرأس والظهر والارق والاختلاج خوفا، غير ان المرضى يجدون صعوبة في التعبير عن آلامهم النفسية». ويقول الطبيب مهدي انهم «يخفون» مشاكلهم لان الذهاب الى طبيب نفسي لا يزال يعتبر امرا «مخجلا».

ويضيف «في كثير من الاحيان لا يجرؤون على الخوض في الامر مع أسرهم ويأتون سرا ويشعر الكثيرون انه اهينوا وانتهكت خصوصيتهم وكرامتهم ويفضلون اللجوء الى التطبيب الديني التقليدي. ولا يتم اللجوء الى الطبيب النفسي الا في آخر المطاف وحين تضيق السبل».

ويشير زيني الى ان العراق يضم عددا لا يزيد عن مئة من الاطباء النفسانيين وهم يعملون في مجال طالما عانى من الاهمال وقلة الاهتمام. وقال ان المستشفى الذي يعمل فيه «اقرب الى مستوصف لتوزيع الادوية منه الى مركز للعلاج النفسي». ويقول «نصف الدواء وننتظر النتائج».

ويؤكد الطبيب سلام حبيب، الصيدلي في وسط بغداد، انه يستقبل يوميا بين 15 وعشرين شخصا معهم وصفات تشمل مهدئات ومنومات، ويضيف. ان «العدد ارتفع منذ بضعة اشهر غير انه في عهد صدام لم يكن احد يجرؤ على الحديث والاعتراف بحالة القلق التي يعاني منها خشية ان تتم الوشاية به. كان الجميع في حالة توتر غير انهم يعانون في صمت».

اما الان فان الناس اصبحوا اكثر صراحة ويروون للصيدلي ارقهم وقلقهم وخوفهم ليتحول مقر الصيدلية الى متنفس لهم.

ويقر الصيدلي بانه شخصيا يستهلك بانتظام حبوب «الفاليوم» المهدئة.