الرئيس الإسرائيلي وقادة الجيش ونتنياهو يضغطون على شارون للتجاوب مع مبادرة الأسد للسلام

جنرال كبير: إذا اضطررنا إلى الحرب أريد أن يكون جنودي مقتنعين بأننا حاولنا منعها

TT

«إذا اضطررنا الى خوض حرب مع سورية، أريد ان يكون جنودي مقتنعين مائة في المائة بأننا بذلنا كل جهد ممكن لتحقيق السلام ومنع هذه الحرب. لهذا، فلا بد من التجاوب مع مبادرة الرئيس السوري بشار الأسد، والتأكد من مدى جدية اقتراحاته لاستئناف مفاوضات السلام».

بهذه الكلمات عبر احد كبار جنرالات الجيش الاسرائيلي عن موقفه وموقف غالبية زملائه في رئاسة الاركان ازاء سورية. وانضموا بذلك الى رئيس الدولة العبرية، موشيه قصاب، ووزير المالية، بنيامين نتنياهو، اللذين عبرا عن موقفيهما امس لأول مرة والى وزير الخارجية، سلفان شالوم، الذي كان اول المسؤولين الاسرائيليين الذين رحبوا بالمبادرة السورية.

يذكر ان الرئيس الاسد كان قد بادر خلال مقابلة صحافية في «نيويورك تايمز» الأميركية مطلع ديسمبر (كانون الأول) الماضي، الى الاعلان عن استعداده للتفاوض مع اسرائيل حول توقيع معاهدة سلام كامل وشامل مع كل ما يعنيه ذلك من تطبيع في العلاقات وتعاون في جميع المجالات. واعتبرت اقواله تطورا كبيرا في الموقف السوري بل انعطافاً في موقف الرئيس الأسد. لكن الادارة الاميركية شككت في ذلك وقالت ان هذه محاولة للالتفاف على المطالب الاميركية من سورية بخصوص الملف العراقي وملف ما يسمى بالارهاب، اذ ان واشنطن قدمت الى دمشق قائمة طويلة من المطالب، منها تحرير الاموال العراقية المحتجزة لديها (سورية ترد بأنها تريد اولا خصم الديون المستحقة على العراقيين لدى الحكومة السورية وشركات القطاع العام والخاص) واعطاء معلومات حول عدد من القادة العراقيين الذين يقال انهم مختبئون في سورية او انهم هربوا الى دولة اخرى عن طريق الاراضي السورية، ومعلومات عن تنظيمات ارهاب مختلفة، فضلا عن المطالب الاسرائيلية التي يرددها الاميركيون مثل لجم «حزب الله» وتجريده من السلاح وطرد قوات الحرس الثوري الايراني من لبنان واغلاق مكاتب التنظيمات الفلسطينية المعارضة في دمشق ومنع أي نشاط لها وهكذا.

وردد الاسرائيليون بداية، وبشكل غير رسمي، الموقف الاميركي من مبادرة الاسد لاستئناف المفاوضات مع اسرائيل واعتبروها محاولة للتملص من الالتزامات تجاه الاميركيين، بل قالت مصادر في مكتب رئيس الحكومة ارييل شارون، ووزير الدفاع، شاؤول موفاز، ان الاسد يحاول استخدام اسرائيل رافعة لمكانته في الولايات المتحدة وأحداث بلبلة في الادار ة الاميركية تمنع الرئيس جورج بوش من تنفيذ الاجراءات العقابية على سورية.

ولاحقا اطلق شارون وموفاز شخصيا هذه الشكوك واغلقا عمليا الباب على هذه المبادرة. الا ان وزير الخارجية ابدى موقفا مغايرا لهما ودعا الى التجاوب مع مبادرة الاسد وايجاد الطريقة لاقناع الادارة الاميركية بذلك قائل: «بإمكاننا ان نتأكد من جدية التوجه السوري من خلال المفاوضات». ثم انضم الى موقفه رئيس شعبة الاستخبارات في الجيش الاسرائيلي، آهرون زئيفي فركش، الذي قال ان المعلومات المتوفرة لديه تشير الى ان الاسد جاد في توجهه الى اسرائيل ودعم اقواله بالتفسير التالي: «الرئيس الأسد قرأ خريطة الشرق الأوسط جيدا بعد الحرب مع العراق واعتقال صدام حسين، فهو لا يريد مصيرا مماثلا ولا يريد لجيشه ان يخوض حربا غير متكافئة مع اسرائيل ولا يريد ان يظل بين فكي كماشة في المنطقة (العراق من الشرق وتركيا من الشمال واسرائيل من الغرب)، خصوصا وان اسلحة جيشه باتت قديمة».

وازدادت التفاعلات في المؤسسة الاسرائيلية العسكرية والسياسية ازاء هذا الموقف وتبين ان جميع قادة الجيش مقتنعون بهذا التقويم لصدق نيات الرئيس الاسد، بمن في ذلك رئيس الاركان، اللواء موشيه يعلون، باستثناء واحد هو العميد يوسي كوفر فيتسر، رئيس قسم البحوث في هيئة الاركان، الذي يرى ان الاسد يناور للتملص من الضغوط الاميركية. ولكن حتى كوفر فيتسر يؤيد زملاءه في الجيش بأن على اسرائيل ان لا تهمل المبادرة السورية بل ان تفتح معها باب الحوار لتكتشف مدى جديتها، خصوصا ان الجيش يريد ان يكون مقتنعا بأن اسرائيل لم تفوت فرصة السلام وبأنها يجب ان لا تخوض حربا الا اذا استنفدت كل امكانيات السلام.

وانضم الى هذا الموقف امس، الرئيس الاسرائيلي قصاب، الذي دعا شارون بشكل علني للتجاوب مع مبادرة الاسد.

كذلك كشف النقاب ان نتنياهو توجه الى شارون بنفس المطلب قائلا: «في الظروف الجديدة الناشئة في المنطقة والعالم، وتوازن القوى الجديد، تشعر سورية بالضعف، وهذه هي فرصة اسرائيل للسعي الى معاهدة سلام مع سورية تناسب توازن القوى الجديد». وقصد نتنياهو بكلمة «تناسب توازن القوى» ان سورية ستكون مستعدة لقبول اقتراح اسرائيلي للانسحاب الجزئي من هضبة الجولان.

يذكر ان نتنياهو عندما كان رئيسا للحكومة، اقترح على سورية سلاما على اساس الانسحاب الى حدود عام 1923، أي اعادة الجولان كله الى سورية، باستثناء جيبين اثنين صغيرين احدهما في الشمال، حيث منابع نهر الاردن، والثاني في الوسط، حيث تصل الحدود الى بحيرة طبرية، لكن سورية رفضت ذلك. واليوم يعتقد ان سورية يمكن ان تقبل بحل على اساس حدود 1923 واقل من ذلك، بحيث ترسم الحدود على الطرف الغربي من جبال الجولان.

كما يعتقد نتنياهو وقادة الجيش بأن فتح قناة تفاوض مع سورية ستشكل عنصر ضغط كبير على الفلسطينيين حتى يكفوا عن تمنعهم الحالي ويعودوا الى طاولة المفاوضات. وجدير بالذكر ان شارون وموفاز ما زالا يصران على موقفهما المعارض للتجاوب مع المبادرة السورية ويعتمدان في ذلك على موقف رئيس الموساد، مئير دغان، اشد الرافضين للحوار مع سورية في هذا الوقت، وهم يدعون ان الشعب في اسرائيل لن يحتمل الدخول في مفاوضات وتقديم تنازلات على جبهتين في آن واحد، السورية والفلسطينية، وان الادارة الاميركية لن تحتمل تصرفا اسرائيليا فرديا في الموضوع السوري.

يشار الى ان موفاز كان قد عارض المفاوضات مع سورية حتى في فترة رئاسته للاركان عندما بدأها رئيس الوزراء آنذاك ايهود باراك في الولايات المتحدة، فهو يرى ان مشكلة اسرائيل الحقيقية تكمن على الجبهة الفلسطينية. ومن دون حل هذه المشكلة لن تجدي اية مفاوضات اخرى.

وكان شارون قد امر باجراء «دراسة داخلية» لمعرفة ما وراء المبادرة السورية وما مدى جديتها، ولم تعرف بعد نتائج هذه الدراسة.