تشيني: تعاملنا مع سورية وإيران لن يكون بالضرورة مطابقاً لتعاملنا مع العراق

نائب الرئيس الأميركي قال في حوار لـ«الشرق الأوسط» إن ما يحدث في ليبيا وإيران سببه العراق وأفغانستان

TT

قال نائب الرئيس الاميركي ديك تشيني ان الولايات المتحدة لن تتعامل بالضرورة مع قضايا مثل سورية وايران بنفس الطريقة التي تعاملت بها مع نظام صدام حسين. واضاف في مقابلة اجريت معه في لوس انجليس وتنشرها «الشرق الأوسط» انه يعتقد ان ليبيا ظهرت في الآونة الاخيرة «كمشكلة في طريقها الى الحل» جزئياً بسبب السياسة التي اتبعها الرئيس جورج بوش في العراق وافغانستان. وراى ان الجدل حول تأييد حرب العراق او رفضها محتدم في اوساط الحزب الديمقراطي اكثر منه في الحزب الجمهوري، الامر الذي جعل الديمقراطيين يواجهون «متاعب». وفيما يلي نص الحوار:

* ما رأيكم في اللهجة التي يتحدث بها الحزب الديمقراطي ازاء القضايا الراهنة؟

ـ اعتقد انهم يواجهون متاعب. فقد حاولوا في البداية استخدام الاقتصاد ضدنا (نحن الجمهوريين). لقد قضوا الكثير من الوقت يتحدثون عن الاقتصاد، غير ان الاقتصاد الاميركي يبدو في وضع جيد، وصارت الامور تتجه الآن نحو الاتجاه الصحيح. وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية والأمن القومي، فقد سحبنا، الى درجة ما، البساط من تحت أقدامهم من خلال النجاح الذي حققناه في العراق، لا سيما (ما حققناه) في الاسابيع الاخيرة مثل القبض على صدام حسين. واشعر احياناً بوجود جدل وسط الحزب الديمقراطي بين مؤيدين وغير مؤيدين للحرب اكثر مما حاصل لدينا في الجانب الجمهوري. لا يوجد موقف ديمقراطي موحد، وهذا امر صعب بالنسبة لهم.

* هل تعتقدون ان الاميركيين بحاجة الى ان يكونوا اكثر وعيا حول استمرار مخاطر الارهاب، وهل هناك خطر من الشعور بالرضا الذاتي؟

ـ واضح ان هناك خطراً من الشعور بالرضا عن النفس. هذا صراع لا يشبه على الاطلاق النزاعات الاخرى التي تعرضنا لها من قبل. وبنفس المقياس، هناك خط رفيع يفصل بين التيقظ والاستعداد للقيام بأي شيء لوقف هجمات ارهابية اخرى وبين الشعور بالرضا الذاتي. ومن ناحية اخرى، فان شعور الجميع بالخوف طوال الوقت الى درجة انهم يبقون في بيوتهم ويتوقف النمو الاقتصادي يعني ان الارهابيين قد حققوا انتصاراً بدون شن هجومات اخرى. لا يجب السماح للارهابيين بالسيطرة على الوضع، سواء بهجمات فعلية او بالتهديد بشن هجمات. لكنك تحتاجين الى اليقظة ويجب ان نتذكر اننا في حالة حرب، واننا محظوظون حتى الآن (لعدم وقوع هجوم آخر) ونأمل في ان يبقى الامر كذلك.

* تعرضتم الى انتقادات بسبب الربط بين صدام حسين وتنظيم «القاعدة» وخلق احساس بوجود علاقة بين الاثنين لدى الرأي العام. هل يمكن ان يكون الخطر حقيقيا حتى قبل اظهاره للرأي العام، وهل هناك اوقات نحتاج فيها الى الربط بين المتناقضات؟

ـ هناك بكل وضوح ظروف. انني احاول تجنب ان ابدو مثل (وزير الدفاع دونالد) رامسفيلد بقوله «هناك اشياء معروفة نعرفها، واشياء مجهولة نجهلها» (يضحك)، كلما لزم الامر.

لنبدأ بالتهديد القائم. تعلمين بوجوده، فقد تعرضنا لهجمات 11 سبتمبر (ايلول). انت تحللين المعلومات الاستخباراتية باحسن طريقة ممكنة بهدف محاولة معرفة ما سيفعله الخصم ومعرفة قدراته. وعليك ايضا التصور، الى درجة معينة، انك لا تملكين صورة كاملة. أنت لا تملكين ذلك على الإطلاق عندما تتعاملين في مجال الاستخبارات، لا سيما عندما يتعلق الامر بعامل المخططات الارهابية الدولية. ولذا هناك جزء معين من التقدير اكثر من أي شيء آخر. الناس يريدون اعادة النظر في المعلومات الاستخباراتية الخاصة بالموضوع العراقي على سبيل المثال ويريدون تقييمه من منطلق «هل لديكم قضية تصمد امام المحكمة، وهل هي اكيدة لا تتضمن اي شك؟». في الواقع ان المعلومات الاستخباراية ليست ابدا خالية من الشك. انها عملية يتولى المحترفون فيها جمع اكبر قدر من المعلومات الممكنة، ويحللونها ويتوصلون الى نتائج ويقدمون توصيات يمكن لصانعي القرار السياسي الاستفادة منها. ولكنها ليست متكاملة ونادرا ما تكون كاملة مائة في المائة.

* تحدثتم ايضا عن الترويج للديمقراطية في جميع أنحاء العالم ونقل المعركة الى الخصم. ما الذي يمكننا استنتاجه من ذلك بخصوص سورية وايران وكوريا الشمالية؟

ـ لا افترض ان الشخص سيتعامل مع كل مشكلة بنفس الطريقة التي تعامل وفقها مع المشكلة السابقة. فليبيا ظهرت كمشكلة في طريقها الى الحل، ويمكننا ان نعزو ذلك الى الخطوات التي اتخذها الرئيس (جورج بوش) فيما يتعلق بالعراق وافغانستان. اما مشكلة كوريا الشمالية، فنعمل على حلها بالوسائل الدبلوماسية واشركنا في هذه المسألة كلاً من الصين وكوريا الجنوبية وروسيا. التعامل مع ايران كان من خلال وسائل مختلفة، وفي هذا الشأن لعب الاوروبيون دورا كبيرا. كما يبدو ان الايرانيين قد بدأوا يصغون الى حد ما بسب الخطوة الاميركية في العراق. لذا، نحن نرى بعض التقدم وقبول طهران لعمليات التفتيش عن اسلحة الدمار الشامل وهو ما كانوا يرفضونه تماما في السابق. ليست هناك طريقة واحدة يتم التعامل وفقها مع كل المشاكل. لا يمكن القول، على سبيل المثال، ان الطريقة التي تعاملت بها الولايات المتحدة مع العراق هي نفس الطريقة التي ستتعامل بها مع بقية المشاكل الموجودة. فاذا استخدمت القوة العسكرية كما حدث في العراق، فإن ذلك سيعزز الدبلوماسية الى الأمام على نحو اكثر فعالية فيما يتعلق بالتعامل مع المشاكل الاخرى.

* هل هناك استخدامات عسكرية محتملة بخصوص إعلان الرئيس بوش عن البرنامج الفضائي الاميركي؟ وهل هذا هو السبب وراء التصميم القوي في المضي تجاه البرنامج الجديد؟

ـ اعتقد ان ثمة استخدامات عسكرية في البرنامج، لكن سيكون من الخطأ وضع هذا الجانب بوصفه جزءا اساسيا في تفكير الولايات المتحدة بشأن هذا البرنامج. اعتقد ان البرنامج الفضائي كان انجازا عظيما لمجتمعنا. هناك جوانب اخرى في البرنامج الفضائي الاميركي اكثر اهمية من الاستخدامات او التطبيقات العسكرية مثل كيفية مواجهتنا لهذه التحديات والكيفية التي نحل بها المشاكل التي لا مجال لحلها بطرق اخرى وما يعنيه كل ذلك للروح الانسانية فيما يتعلق بمقدراتنا كبشر.

* ما هي تقديراتكم لاحتمالات وجود اسلحة للدمار الشامل في العراق؟ ـ اعتقد ان المسألة لم تنته بعد. تقديرات اجهزة الاستخبارات حول اسلحة العراق المحظورة ارتكزت الى تقارير جمعت على مدى سنوات وهي تتسق مع التقارير التي كانت لدى ادارة الرئيس السابق بيل كلينتون. نعرف ان صدام كان يملك اسلحة للدمار الشامل لأنه استخدمها. واعتقد ان لدينا الكثيرين في العراق يحاولون الآن التوصل الى ما حدث لهذه الاسلحة. نحن في حاجة الى التفكير في المقدرات اللازمة لإنتاج اسلحة بيولوجية في فترة قصيرة على سبيل المثال. هذه المواد قابلة للتلف والزوال ولا تستمر فترة طويلة. اعتقد انه من الضروري ان نضع كل ذلك أمامنا بهدف تقييم وفحص تقديراتنا ذات الصلة بالمعلومات الاستخباراتية لأن من شأن هذه الخطوة ان تجعلنا اكثر فعالية عندما نواجه مستقبلا بمثل هذه الحالات. لذا نريد ايضا ان نعرف على وجه التحديد ما حدث. لكنني لا استطيع في هذه المرحلة ان اصل الى نتيجة بأن هناك خللاً في معلوماتنا الاستخباراتية. اذا نظرت الى حرب الخليج عام 1990 و1991، فإن المشكلة كانت تكمن في اننا اغفلنا بعض المقدرات المهمة. فعلى سبيل المثال، قللنا من شأن المدى الذي يحتمل ان يكون قد وصل إليه صدام في مقدرات العراق النووية. كان للعراق في ذلك الوقت برنامج نشط كنا نعرفه، ولم نتوصل الى اكتشاف ذلك إلا بعد انتهاء حرب الخليج. لا يزال هناك الكثير مما ينبغي عمله قبل ان نجلس ونتوصل الى حكم او قرار بشأن نجاحنا في جوانب وفشلنا في اخرى.

* عندما تقولون انكم ما زلتم بعيدين عن الاقتناع بوجود خلل في المعلومات الاستخباراتية بشأن اسلحة الدمار الشامل، فإن المنتقدين يقولون انكم لم تكونوا على قناعة بصحة المعلومات الاستخباراتية عشية الحرب. اصابع الاتهام تشير الى تجاوزكم التقارير الاستخباراتية العادية الى تقارير ثانوية. هل تودون القول انكم كنتم مقتنعين بكل المعلومات الاستخباراتية قبل الحرب؟ ـ ادعاءات وجود قنوات ثانوية للمعلومات الاستخبارية حديث لا اساس له من الصحة. ما كنت اعتمد عليه في الاساس هو ملخص من ست صفحات لما تتوصل اليه لجنة الاستخبارات من المعلومات التي تتلقاها من الجهات المختصة وهي التقارير التي رفعها عنها إجراء السرية في يوليو (تموز) الماضي. اذا اطلعت على التصريحات التي صدرت حول اسلحة الدمار الشامل، فإن المعلومات التي استندت اليها هي تلك التي كانت لدى الجهات الاستخباراتية المختصة، اذ لم يحدث ان اعتمدت على معلومات استخباراتية ادلى بها منشق عراقي كي اجعل منها جزءا اساسيا من الحجج التي تقدمت بها. فهذه الحجج كانت في الاساس قائمة على اساس ما كنا نتلقاه من معلومات من دوائر الاستخبارات، واعتقد ان هذه نقطة مهمة. اما فيما يتعلق بالجزء الخاص بتعاملي مع دوائر الاستخبارات، فقد طرحت بشدة مجموعة اسئلة. نظرت الى ذلك كجزء من عملي. شاركت بصورة او بأخرى كمستخدم للمعلومات الاستخباراتية او كعضو بلجنة الإشراف التابعة للكونغرس او كوزير للدفاع عندما ادرت جزءاً منها (جزء وكالة الامن القومي ووكالة الاستخبارات العسكرية) لسنوات وحتى الوقت الراهن الذي اعمل فيه نائبا للرئيس. ادارة العلاقة بين مختلف دوائر الاستخبارات من ناحية ودوائر صناعة السياسات من الناحية الاخرى تعتبر من اهم الجوانب الاساسية في ادارة وتفعيل النظام بكامله.

بوسع دوائر ووكالات الاستخبارات الاميركية ان تكون الافضل في العالم والأكثر كفاءة فيما يتعلق بجمع المعلومات والتحليل. إلا ان الجهات الاستخباراتية اذا ارادت ان تقدم النصح والمشورة لرئيس الولايات المتحدة حول من سيتخذ قرارات حياة او موت اعتمادا على ما تحصل عليه من معلومات، يجب ان تتوقع انه سيكون مطلوبا منها الدفاع عن تحليلها.

يجب ان يكونوا قادرين على تحمل نوعية الاسئلة التي تطرح في مثل هذه الحالات. كما ينبغي ايضا ان تكون عملية الاسئلة والحوار في اتجاهين. فعلى سبيل المثل يجب ان توجه الى محللي الاستخبارات اسئلة مثل: لماذا توصلت الى هذه النتيجة؟ ما هي الافتراضات المتضمنة؟ انا شخصيا افعل الكثير من هذه الاشياء، وانظر اليها كجزء من عملي. فالشخص لا يجب ان يتعامل مع المعلومات التي يتلقاها من الجهات الاستخباراتية بوصفها كلاما نهائيا لا يقبل النقاش والاسئلة.

* خدمة «غلوبال فيو بوينت» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»