وزير التخطيط العراقي: اتفقنا في نيويورك على أن تكون الأمم المتحدة شريكا فعالا في إعادة الإعمار

مهدي الحافظ لـ«الشرق الأوسط»: لا ضير في الاستعانة بجهة محايدة للتقريب بين وجهات نظر الأطراف العراقية المختلفة

TT

شارك وزير التخطيط والتعاون الانمائي العراقي الدكتور مهدي الحافظ في المباحثات التي اجريت الاثنين الماضي في نيويورك بين الامانة العامة للامم المتحدة ومجلس الحكم العراقي وسلطة التحالف والتي تناولت الدور المرتقب للمنظمة الدولية في المرحلة الانتقالية وعملية إعادة الإعمار.

«الشرق الأوسط» التقت الدكتور الحافظ بعد انتهاء المباحثات وأجرت معه حوارا حول شؤون عراقية ـ عراقية.

* هل لمستم في اجتماعات نيويورك جدية في الموقف الاميركي لكي تلعب الامم المتحدة دورا جديا بصلاحيات سياسية واسعة في مرحلة ما بعد تشكيل الحكومة الانتقالية؟

ـ اعتقد ان هناك وضعا جديدا واحساسا لدى جميع الاطراف بأن يكون للامم المتحدة دور الشريك الفعال في العملية السياسية الجديدة في العراق. واذا كان هناك بعض التحفظ لدى بعض الجهات على هذا في السابق، فاننا لاحظنا في محادثات نيويورك إجماعا على هذا الامر، بما في ذلك ممثلو سلطة التحالف الذين اعربوا عن الرغبة في أن يكون للامم المتحدة دور الشريك في هذه العملية. وأعتقد ان هناك مجالات كثيرة تستطيع الامم المتحدة ان تسهم فيها، وهي المشاركة الفعالة في كل مراحل العملية السياسية وتنفيذ اتفاق 15 نوفمبر (ةشرين الثاني)، لاننا نعتقد ان هذا الاتفاق له قيمة تاريخية واستراتيجية كبيرة يترتب على تنفيذه استعادة السيادة وانتهاء سلطة الاحتلال. ومن الممكن ان تكون هناك وجهات نظر حول كيفية تنفيذ هذا الاتفاق، ولا سيما في اطار الآليات المقترحة، الا ان هذا الامر يمكن ان يكيف بحيث يضمن تنفيذ الاتفاق، وهذا ما طرح في المحادثات لكي يلبي بعض الهواجس لبعض الجهات السياسية التي تطالب باجراء انتخابات مباشرة.

وفي الواقع يجب أخذ هذه الامور بشكل مترابط، فالاتفاق لا ينتهي عند مرحلة تسليم السلطة في نهاية يونيو (حزيران) المقبل، بل هو يتضمن مجموعة من القواعد تخص المرحلة الانتقالية التي من المفترض ان تنتهي في نهاية عام 2005.

لذلك يجب تقييم هذا الاتفاق على ضوء هذا السياق، وأن الانتخابات ستجري في العراق، وأنها ستكون مبنية على أساس صياغة الدستور الذي سيتم عن طريق مجلس منتخب، وأن الحكومة التي ستشكل في نهاية عام 2005 ستكون حكومة تمثل الغالبية البرلمانية. ويجب النظر الى هذه النقاط كحزمة واحدة وعدم الفصل فيما بينها ولا ينبغي النظر الى هذا الامر وكأنه ينتهي في نهاية يونيو المقبل.

* تتميز مواقف الامم المتحدة بحساسية عالية خصوصا بعد الهجوم على مقرها في بغداد، فهي تطالب بدور مركزي في العملية السياسية ولا تريد دور التابع او المساند لسلطة الاحتلال، فهل لمستم ان الولايات المتحدة قادرة على تقديم تنازلات حقيقية للتنحي عن سلطتها لصالح الامم المتحدة؟

ـ هناك تطور جديد حسب ما أعلن في الاجتماع مع كوفي أنان الأمين العام للأمم المتحدة، بحضور كل الاطراف المعنية. وقد عبر الوفد الاميركي والبريطاني بوضوح عن رغبتهما في ان يكون للامم المتحدة دور الشريك في كل مراحل العملية السياسية، وهذا أمر جديد في الواقع. وقد أكد الوفدان على ان توضع في البيان الاخير فقرة عن الدور المهم للامم المتحدة. والمسألة الاخرى انه لا يجب النظر الى دور الامم المتحدة على انه دور السكرتارية فحسب، وانما يجب النظر كمحصلة لآراء ومواقف دولية مختلفة، ولذلك فهي تتحرك حيثما تتجه رياح القوى الاساسية في مجلس الامن. والذي حصل هو ان غالبية القوى السياسية تريد من الامم المتحدة دورا اساسيا في العراق، وهذا ما عبر عنه السفراء الفرنسي والروسي والصيني اضافة الى الالماني والاميركي.

وما حصل الآن هو حدوث تطور مهم لا يمكن تجاهله. وأما مسألة الوضع الامني فهي مسألة مشروعة ولا تتعلق فقط بالامم المتحدة وانما بجهات دولية عديدة، وبخاصة المعنية بقضية الاستثمار واعادة الاعمار في العراق، فكل من يريد ان يدخل العراق عليه ان يأخذ في حسابه مسألتي الأمن والاستقرار.

* بماذا تفسر مطالبة مجلس الحكم وسلطة التحالف من الامم المتحدة ارسال فريق الى العراق للتوسط مع آية الله السيستاني الذي يطالب باجراء انتخابات مباشرة؟

ـ هذه مسألة طبيعية، فهناك جهة سياسية تدعو الى اجراء انتخابات وهناك جهة اخرى تعتقد ان الظرف غير ناضج والامكانيات غير متوفرة. فاذا حصل خلاف في الرأي وكانت هناك حاجة لتدخل جهة دولية محايدة من اجل اقناع الاطراف بالحل الامثل فلماذا لا تتدخل الامم المتحدة في هذا الامر؟ واعتقد ان من الحكمة تلمس اي وسيلة لحل هذه المشكلة، وهذه تجربة جديدة في البلد ولدينا خلافات في الرأي ولدينا قوى سياسية مختلفة ومراجع دينية ويجب ان يؤخذ رأيها في الاعتبار، وان يجري التوصل الى توافق معين من خلال الوساطة الدولية سواء كانت من الامم المتحدة او غيرها. وأنا لا أتطير من القول بأننا لجأنا الى الامم المتحدة تحت ضغوط معينة، ولماذا لا نلجأ اليها لمساعدتنا على حل الصعوبات والمشاكل التي نواجهها؟ اعتقد ان علينا ان نتعود على ثقافة جديدة عن الصراع السياسي يبنى على اساس تلمس وسائل لحل المشاكل من خلال مراجعة النفس ومواجهة المشاكل وأخذ وقت كاف.

* هل أنتم واثقون من عودة الأمم المتحدة الى العراق؟

ـ اعتقد ان هناك اتفاقا من حيث المبدأ على عودة الامم المتحدة، وهذا ما عبر عنه أنان وأن العودة ينبغي ان توضع في اطار معين وبعد توفر ضمانات معينة، وهذه مسألة طبيعية.

* هل هناك أي جدول زمني لعودة الأمم المتحدة؟

ـ الأمين العام قسم دور الامم المتحدة الى مرحلتين; الأولى تبدأ عمليا من الآن وحتى يوم 30 يونيو المقبل، والمرحلة الثانية تبدأ بعد تشكيل الحكومة المؤقتة المنتخبة والمعترف بها دوليا.

والمطلوب في المرحلة الراهنة مساعدة العراقيين على تجاوز الصعوبات المرتبطة بتنفيذ «اتفاق 15 نوفمبر»، والامم المتحدة الآن بصدد ارسال فريق فني الى العراق.

* هل تعتقد بإمكانية اجراء انتخابات مباشرة لاختيار أعضاء الجمعية الوطنية المؤقتة؟

ـ هذه المسألة مرتبطة بمجموعة من الظروف والعوامل المعروفة منها يجب ان يكون لديك احصاء سكاني، وهذا لا يمكن تحقيقه في الوقت الحاضر بحكم رأي الخبراء. والامر الآخر يجب ان يتوفر لديك استعداد سياسي للقيام بهذه المسألة. ولهذا ليس من السهل القول او الجزم بأن الانتخابات ممكنة، وهذا رأي متداول في البلد، ولكن في الوقت ذاته يجب احترام كل الآراء. وأنا شخصيا سأكون في وضع الترحيب بها. ونحن كلنا مع الانتخابات باعتبارها الاداة الاساسية للخيار الديمقراطي، وإذا كنا ندعو الى هذا الخيار فلا بد ان تكون الانتخابات حرة ونزيهة والخلاف يجب ألا يكون حول الانتخابات وانما حول مستلزماتها في ان تكون حرة ونزيهة وصادقة.

* هناك مشكلة أخرى برزت الى جانب موقف السيستاني متمثلة بالفيدرالية على اساس عرقي للمنطقة الكردية، ومطالبة الاكراد بمدينة كركوك، فهل ستكون هذه المسألة موضوع بحث في الوقت الراهن، أم تؤجل حتى إقرار الدستور الدائم؟

ـ هناك اتفاق على ان يؤخذ الوضع الكردي القائم في نظر الاعتبار من دون ان يتغير شيء، وهذه في الحقيقة نقطة انطلاق قوية، وما متفق عليه ان الهيكل الفيدرالي للدولة العراقية سوف يجري التمسك به على ان توضع الصياغة المناسبة لذلك. وثمة نقاط اخرى حول طبيعة الهيكل الفيدرالي هل سيقوم على اساس قومي ام جغرافي ام على اساس آخر اداري، وهذه ستكون موضع أخذ ورد ونقاش، ولكن الشيء المهم هو ثبات الاقرار بمبدأ الفيدرالية والاقرار بمكاسب الشعب الكردي الثابتة، وأما موضوع مدينة كركوك فهو وجهة نظر بعض الجهات تعتقد ان كركوك يمكن اعتبارها جزءا من كردستان العراق، آخذين في الاعتبار الغالبية السكانية. وهناك من يرى حسم هذه المسألة في المستقبل. الامر الثابت في الوقت الحاضر هو ان الفيدرالية ستكون سمة من سمات العراق الجديد.

* أنت تتابع تنفيذ ما تعهدت به الدول المانحة في مؤتمر مدريد من مساعدات الى العراق، فهل أوفت هذه الدول بالتزاماتها؟

ـ نحن الآن بصدد التعجل بتنشيط صندوق التنمية للعراق من خلال تحويل الاموال اليه، وقد حصلت عدة اجتماعات في واشنطن مع رئيس البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وكانت مفيدة. وقد عقدت اجتماعات اخرى مع هيئات اميركية اقتصادية عالية المستوى.

واجتمعت مع ممثلي الدول المانحة، وكان الغرض هو تنفيذ ما تم التعهد به في اسرع وقت، وفي الشهر المقبل سيعقد اجتماع للدول المانحة في دبي وسينطلق لتنفيذ ما تم التعهد به وأنا متفائل بالنتائج التي ستتمخض عنه.

* هل أنت متفائل في تنفيذ اتفاق نوفمبر من دون عراقيل؟

ـ بالتأكد توجد صعوبات تواجهنا الآن، فالبلد يشهد في المرحلة الراهنة صراع البرامج وصراع الاتجاهات، ولكن الشيء الجوهري هو الاتفاق على ان انجاز هذه العملية يحتاج الى جهد جماعي، وهذا ما نحاول تثبيته.