جعفر شيخ إدريس: لست متشددا ولا أرفض الحوار مع الآخرين وإبعادي من أميركا يدخل ضمن الحملة المتشددة ضد السعودية

TT

اتهم الدكتور جعفر شيخ ادريس، رئيس الجامعة الأميركية المفتوحة، وهو ايضا عالم إسلامي كان يعمل في السفارة السعودية بواشنطن جهات بعينها لم يشأ أن يسميها بأنها وراء إبعاده من الولايات المتحدة بعد سحب التأشيرة الدبلوماسية منه. وقال إن ما حدث يمكن أن يصنف في إطار الحملة المتشددة تجاه السعودية. ونفى ادريس في حوار مع «الشرق الأوسط» أن يكون متشدداً في أفكاره أو من الرافضين لمبدأ الحوار مع الآخرين، مؤكداً في الوقت نفسه أنه لا يفكر في الذهاب مرة ثانية إلى أميركا رغم أن شعبها يعتبر من اقرب الشعوب الغربية إلى الفطرة.

* بداية لماذا سحبت منك التأشيرة الدبلوماسية في واشنطن؟ ـ علمت أن وزارة الخارجية الأميركية التي ألغت التأشيرة زعمت أنني قمت بأعمال لا تتناسب مع الوظيفة الدبلوماسية، ولم يذكروا لي من الأعمال سوى كثرة المؤتمرات والندوات التي شهدتها والمحاضرات التي ألقيتها، وكل هذا عمل ظللت أقوم به منذ ذهابي الى الولايات المتحدة. واسمح لي بهذه المناسبة أن أتقدم بالشكر للأمير بندر بن سلطان سفير السعودية بواشنطن على ما تفضل به من كلمات الثناء والتوضيح التي دلت على ما في نفسه من روح الوفاء والإنصاف، والتي كان لها عظيم الأثر على أهلنا وأصدقائنا ومعارفنا في بلاد الله كلها.

* ما طبيعة العمل الذي كنت تقوم به في واشنطن؟ ظللت منذ عام 1974 أتردد على الولايات المتحدة مبتعثاً من الجامعات السعودية التي كنت اعمل بها أو من الشيخ عبد العزيز بن باز للمشاركة في أعمال تتعلق بالدعوة، ومن ثم بدأت صلتي بالسفارة السعودية، وعندما افتتحت جامعة الإمام بالتعاون مع السفارة معهداً للعلوم الإسلامية والعربية كلفت مع غيري من الأساتذة السعوديين وغير السعوديين للعمل به، وأعطينا جميعاً تأشيرات دبلوماسية على جوازات بلادنا التي نحملها، وكنت مختصاً بالبحوث المتعلقة بالإسلام. وكانت وزارة الخارجية الأميركية على علم بكل هذا.

*ما نوع الجواز الذي تحمله حالياًَ وسابقاً؟ ـ أنا لا احمل جوازاً دبلوماسياً لا سعودياً ولا سودانياً، وليس لي جنسية غير جنسيتي السودانية. وأنا إنما أقول هذا بياناً لحقيقة لا دفعاً لتهمة، بل انه ليشرفني أن انتسب إلى بلد قضيت فيه زمناً طويلاًُ من عمري، واستفدت منه علماً وخبرة وصداقات ومعارف. والحمد لله لم يجعل حمل الجواز شرطاً في مثل هذه العلاقات.

* متى أخطرت بقرار سحب التأشيرة؟ ـ كان ذلك في بداية شهر رمضان المبارك وأعطوني مهلة شهر لمغادرة البلاد.

* هل صحيح أن واشنطن أوقفت الدعم الذي كانت تقدمه للمعهد الإسلامي في فيرجينيا بسبب ارتباطك به؟ ـ أي دعم؟ المعهد كما قلت لك تابع لجامعة الإمام، وما زال يواصل عمله، ونسأل الله تعالى له الاستمرار والتوفيق لانه يقوم بعمل عظيم.

* هل صحيح ان السلطات السعودية سحبت التأشيرات الدبلوماسية من المدرسين السعوديين في الخارج لإبعاد السفارة عن أية مهام تتعلق بالشؤون الدينية؟ ـ الذي أعلمه هو أنهم لم يصرحوا ان ذلك تم من اجل قيامهم بنشاطات دينية، ولكنهم قالوا إنها لا تتناسب مع المهام الدبلوماسية ولذلك فإن تأشيراتهم ستتغير إلى تأشيرات أخرى تناسب عملهم.

* اتهمت أنك تتعامل مع مؤسسات إسلامية ـ أميركية تدعو إلى نوع متشدد من الفكر الإسلامي ما ردك؟ ـ التشدد وعدم التشدد أوصاف نسبية تعتمد على تصور الواصف للأمر. ان السائد في الفكر الغربي هو أن كل من يرى دينه هو الحق الذي أوحاه الله تعالى، ويأخذه لذلك مأخذ الجد، نصوصاًَ وعبادة وسلوكاً بقدر استطاعته، هذا في رأيهم إنسان متشدد لأنهم يرون ـ حسب الدين الذي عرفوه، ثم انه يصدق على سائر الأديان ـ انه متأثر بثقافة عصره فلا ينبغي أن يفرض على ثقافات عصور جاءت بعده، فالدين صار عندهم تابعاً للثقافة السائدة، وهو عندنا حكم على الثقافات وقائد لا تابع، فانا لا اعد بالمقاييس الإسلامية متشدداً ولست من الذين يرفضون الحوار مع الآخرين ومجادلتهم بطريقة عقلانية.

* ذكرت انك خضعت لتحقيقات من قبل المباحث الأميركية «اف. بي.آي»، فماذا جرى معك بالضبط؟ ـ نعم، لكنني خدعت فمعظم من سألوني وحققوا معي كانوا في المطارات، ولم أكن اعرف أنهم من رجال المخابرات، ولما عرفت ـ وكان ذلك في آخر دخول لي قادماً من بريطانيا ـ لم اجبهم لأنني علمت انه لا حق لهم في استجوابي، وان صلتي إنما هي بوزارة الخارجية، بل علمت من بعض رجال القانون انه لا حق لهم في استجواب أي احد إلا إذا جاءوا بوثيقة تبيح لهم ذلك، لكنهم في الغالب يستغلون جهل الناس بالقانون فيسألونهم أسئلة يورطونهم بها. لم تتعد أسئلتهم ما ذكرت لك من محاضرات وندوات، وقد غضبت ذات مرة فقلت لأحدهم إنكم تعلمون إنني كنت من أوائل من انتقدوا ما حدث في 11 سبتمبر (أيلول) 2001 في خطبة جمعة شهدها مراسلو قنوات تلفزيونية مشهورة منها «سي إن إن» ثم قلت له بالمناسبة أنا لست حريصاً على البقاء في بلدكم، وأنا لا استفيد منكم أي فائدة مادية.

* الان في السعودية، هل لديك نشاط معين أو عمل بعينه يرتبط بعملك السابق في واشنطن؟ ـ لا.

* هل يمنعك قرار سحب التأشيرة الدبلوماسية من السفر إلى الولايات المتحدة ولو بتأشيرة عادية، وهل تنوي السفر إلى واشنطن مرة ثانية؟

ـ من الناحية الرسمية لا يمنعني لكنك تعلم أن إعطاء التأشيرة يخضع لشروط أخرى، لا أفكر الآن في الذهاب للولايات المتحدة، وأنا أسف لذلك لأن أميركا هي الآن من أخصب البلاد للدعوة الإسلامية، وربما كان الأميركان اقرب الشعوب الغربية إلى الفطرة، والإسلام هو دين الفطرة، فكل من احتفظ بها يجد في نفسه راحة به حين يعرفه. وأنا كثيراً ما اذكر إخواننا الدعاة بأن لا يخلطوا بين الموقف السياسي من هذه الإدارة أو تلك وهذه السياسة أو تلك وبين الموقف من الأمة الأميركية أو البريطانية أو اليابانية أو غيرها. إن دعوتنا إلى الناس تقوم على رصيد في نفوسهم لا تخلو منه امة منهم، ولولا وجود هذا الرصيد من الخير في الأمم لما اسلم منهم احد. لقد عشت في أميركا مدة واستفدت منها علماً وثقافة وكونت بها صداقات غزيرة، فأنا لا اخرج منها كارهاً لكل ما فيها ولا شاعراً بمرارة نحو كل أهلها.

* ما طبيعة المواضيع التي كنت تتناولها في المحاضرات والندوات التي كنت تقيمها في أميركا؟ ـ اغلبها إسلامية وجزء بسيط يتعلق بالسياسة سواء في الشأن الأميركي أو العربي أو الإسلامي وغيره.

* هل كنت تنتقد في هذه المحاضرات والندوات السياسة الأميركية؟ ـ نعم، كنت أوجه بعض الانتقادات للسياسة الأميركية، ولكن ما أقوله ليس أكثر مما يقوله الاميركيون عما يحدث في الساحة الأميركية سواء في السياسة الداخلية أو الخارجية. وأنا لا أتحدث عن السياسة في كل المحاضرات والندوات.

* متى كانت آخر محاضرة ألقيتها هناك؟ ـ قبل إبعادي بأسبوع.

* وهل وجدت أي اعتراض صريح على هذا النشاط الذي تمارسه؟ ـ نعم، قالوا لي أنت دبلوماسي ويجب أن لا تقوم بمثل هذا العمل الذي تخاطب به آلاف الناس. وفي الحقيقة إن العدد الذي يحضر هذه المحاضرات في الغالب يتراوح ما بين 100و200 شخص من العرب والمسلمين.

* وهل صحيح أن إلغاء تأشيرتك الدبلوماسية كان بسبب التغييرات في القانون الأميركي؟

ـ الأميركيون دائماً لا يفصحون عن السبب، ولا اعتقد أن ذلك يتطلب تغييراً في القانون، ولكن يمكن أن ترجع ذلك إلى التشدد الحاصل مع السعودية.

* هل تتهم جهات بعينها بأنها وراء إبعادك من أميركا؟ ـ نعم ولكنني ارفض الإفصاح عنها على الأقل في الوقت الحاضر، وما أحب أن أقوله في هذا الخصوص هو أن الصحافية الأميركية، سوزان سميث، التي أوردت قرار إبعادي في جريدة «واشنطن بوست» طلبت أن تجري معي مقابلة صحافية إلا إنني رفضت، وهي صحافية معروفة بمعاداتها للإسلام والمسلمين، واعتقد أنها يهودية الديانة.