الحجر الأسود فقدته الكعبة 22 عاما في القرن الرابع الهجري: يمين الله في الأرض.. ومن استلمه كأنما بايع النبي محمد عليه السلام

TT

وقفت نسوة من حجاج مصر أمام باب السلام. أشارت أكبرهن سنا الى فناء الحرم وقالت بصوت تخنقه العبرات «لا أصدق عيني.. هذه هي الكعبة.. خذوني الى الحجر الأسود»! توقد وجد البقية، وفاضت أعينهم بالدمع وهم يقبلون الأرض سجدا، لتختلط أصوات تلبيتهم وابتهالاتهم بزغاريد اخترق صداها أروقة المكان فرحا بسلامة الوصول الى بيت الله العتيق. وفي صحن المطاف تتزاحم أعناق الطائفين وأياديهم حول إطار فضي صقيل يرتفع نحو متر ونصف في الركن الشرقي الجنوبي من الكعبة المهيبة طلبا لتقبيل فص كبير، بيضاوي الشكل، يضرب لونه الى السواد. حيث يرى المسلمون أن هذا الحجر الكريم هو يمين الله في الأرض يصافح به عباده المؤمنين «كما يصافح الرجل أخاه»، وأن له لسانا وعينين تشهد لمن قبّله يوم القيامة. الدخول الى عالم الحجر الأسود بمثابة دخول الى بوابة منسية في التاريخ الروحي للبشرية. وتورد بعض أقدم كتب التاريخ روايات سطر فيها المؤرخون أنه في مبتدأ عمارة هذا الجرم الكوني الصغير، اشتكى آدم (عليه السلام) لربه وحشته في الأرض بعد أن هبط إليها عقابا لخطيئته في الجنة. فأمر الله (عز وجل) جبريل الأمين بأن ينزل إليه بالحجر الأسود من الجنة ليؤنس به وحدته! يقول الإمام المفسر فخر الدين الرازي (606 هـ) في مصنفه تفسير القرآن «إن آدم عليه السلام لما أهبط الى الأرض شكا الوحشة، فأمره الله تعالى ببناء الكعبة، وطاف بها».

وروى أبو الوليد الأزرقي المتوفى سنة 223هـ في تاريخه (أخبار مكة) بسنده الى وهب بن منبه ـ وكان من أحبار اليهود ثم أسلم ـ قوله «إن الله تعالى لما تاب على آدم عليه السلام أمره أن يسير الى مكة فطوى له الأرض وقبض له المفاوز حتى انتهى إليها، وكان قبل ذلك قد اشتد بكاؤه وحزنه لما كان فيه من عظم المصيبة حتى أن الملائكة لتحزن لحزنه ولتبكي لبكائه، فعزاه الله بخيمة من خيام الجنة، ووضعها له بمكة في موضع الكعبة قبل أن تكون الكعبة، وتلك الخيمة ياقوتة حمراء من يواقيت الجنة فيها ثلاث قناديل من ذهب من تبر الجنة، فيها نور يلتهب من نور الجنة، ونزل معها الركن وهو يومئذ ياقوتة بيضاء من ربض (أساس) الجنة، وكان كرسيا لآدم عليه السلام يجلس عليه». ومما قاله الشيخ عطية بن محمد سالم المدرس في المسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة حول الحجر الأسود انه «يعتبر أقدم الأجرام المادية. وكما قيل فليس من الجنة على الأرض إلا الحجر الأسود ومقام إبراهيم. وقد نزل به جبريل عليه السلام». وزاد في حديث صحافي سابق قبل وفاته (رحمه الله) «أخبار الحجر الأسود طويلة وآثارها كلها من حيث التاريخ لا تخلو من نظر، وقد جاءت آثار في خصائصه وإن كانت كلها بأسانيد ضعيفة الا انها مما في الأخبار. وما يهمنا هنا هو الجانب العملي وهو فضله ومكانته في التشريع. ومما ذكر في فضله أنه يمين الله، وأن من فاتته بيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم واستلمه كأنه قد بايع رسول الله. ومنها أنه صلى الله عليه وسلم قال: «لقد نزل وله نور ولولا ما مسته أيدي المشركين لكان ما استشفي به مريض الا شافاه الله». ومما جاء فيه أيضا: «ما قيل أن الله سبحانه وتعالى أخرج ذرية آدم من ظهورهم وأشهدهم على أنفسهم: «ألست بربكم» قالوا بلى أنه كتب ذلك في كتاب أودعه الحجر الأسود». ويزعم المستشرقون أن الحجر الأسود نيزك من النيازك، وشهاب من الشهب استقر على الأرض. فيما يقول آخرون ان الاسلام حطم أصنام مشركي قريش، في فتح مكة، وعظم المسلمون بعدها الحجر الأسود وغيره. لكن الشيخ عبيد الله محمد أمين كردي، رحمه الله، تصدى لهذا الزعم في كتابه التاريخي (الكعبة المعظمة والحرمان الشريفان.. عمارة وتاريخا) بقوله «أقوال المستشرقين قائمة على الحدس والظن، وما يعلمه المسلمون من الحجر قائم على العلم اليقيني، والقاعدة تقول اليقين لا يزول بالشك». كما قال الشيخ الخطاط المؤرخ محمد طاهر الكردي في كتابه (مقام إبراهيم) أنه «مما هو جدير بالذكر والالتفات إليه، أن العرب في جاهليتها مع عبادتهم الأحجار، وبالأخص حجارة مكة والحرم، لم يسمع عنهم أن أحدا عبد الحجر الأسود والمقام مع عظيم احترامهم لهما ومحافظتهم عليهما»! وزاد (رحمه الله) «لقد تأملنا في سر ذلك وسببه، فظهر لنا أن ذلك من عصمة الله تعالى، فإنهما لو عبدا من دون الله في الجاهلية، ثم جاء الإسلام بتعظيمهما باستلام الركن الأسود، والصلاة خلف المقام، لقال المنافقون أعداء الإسلام: إن الإسلام أقر احترام بعض الأصنام، وانه لم يخلص من شائبة الشرك، ولتمسك بعبادتهما من كان يعبد أحدهما من قبل ولهذا حفظ الله تعالى هذين الحجرين عن عبادة أهل الجاهلية لهما». وتؤكد صحاح كتب الأحاديث النبوية أن الحجر الأسود ياقوتة من يواقيت الجنة. نزل الى الأرض ولونه أبيض من الثلج ومن اللبن. كما ورد في الأثر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه «والله ليبعثنه الله يوم القيامة له عينان يبصر بهما، ولسان ينطق به يشهد على من استلمه بحق». وهو مودع بأمر الله لنبيه صلى الله عليه وسلم في ركن الكعبة المشرفة. وقد سمي الحجر الأسود في الحديث النبوي بـ (الركن). وهو مغروس في عمق بناء الكعبة ولا يظهر منه إلا رأسه الذي اسود من خطايا المشركين، أما ما غرس فلونه أبيض. وجاء عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قوله «كان الحجر الأسود أبيض من اللبن، وكان طوله كعظم الذراع».

وأورد المؤرخ ابن إسحاق المتوفى سنة 151 هـ في مصنفه (سيرة إمام أهل السير) في قصة بناء إبراهيم عليه السلام للكعبة قوله: «فلما ارتفع البنيان قرب له إسماعيل المقام، فكان يقوم عليه ويبني، ويحوله إسماعيل في نواحي البيت، حتى انتهى الى موضع الركن. قال إبراهيم لإسماعيل: أبغني حجرا أضعه هاهنا يكون للناس علما يبتدئون منه الطواف، فذهب إسماعيل يطلب له حجرا، ورجع وقد جاءه جبريل عليه السلام بالحجر الأسود، وكان الله قد استودع الركن جبل أبي قبيس ـ جبل قرب الحرم ومشعر الصفا جزء منه ـ حين أغرق الله الأرض زمن نوح، وقال: إذا رأيت خليلي يبني بيتي فأخرجه له. قال: فجاءه إسماعيل فقال له: يا أبت من أين لك هذا؟ قال: جاءني به من لم يكلني الى حجرك، جاء به جبريل. فلما وضع جبريل الحجر في مكانه، وبنى عليه إبراهيم وهو حينئذ يتلألأ من شدة بياضه فأضاء نوره شرقا وغربا، ويمينا وشمالا. قال: فكان نوره يضيء الى منتهى أنصاب ـ حدود ـ الحرم من كل ناحية من نواحي الحرم». وحين هدمت الكعبة المشرفة سنة 1039 هـ بسبب سيل جارف، وقام السلطان مراد العثماني بعمارتها، كان ممن حضرها الإمام ابن علان المكي، وقد سجل مراحل عمارتها ووصف ذلك بالتفصيل، ومما قاله عن الحجر وقد شاهده بالمعاينة: «ولون ما يستتر من الحجر الأسود بالعمارة في قدر الكعبة أبيض بياض حجر المقام، وذرع طوله نصف ذراع، وعرضه ثلث ذراع، ونقص منه قيراطا في بعضه، وسمكه أربعة قراريط، وعليه سيور من فضة. وقال: إن عدة فلق (شظايا) الحجر نحو ثلاثة عشر، أما الكبار منها أربعة، والباقيات صغار بالنسبة إليها، وقد عمل مركب يلصق به ما تفرق عنه من أجزائه».

وقال المؤرخ والخطاط محمد طاهر الكردي المتوفى عام 1400 هـ موضحا ما آل إليه الحجر الأسود قبل نحو خمسين سنة فقط من الآن قوله «والذي يظهر من الحجر الأسود الآن في زماننا ـ منتصف القرن الرابع عشر الهجري ـ ونستلمه ونقبله ثماني قطع صغار مختلفة الحجم، أكبرها بقدر التمرة الواحدة، كانت قد تساقطت منه حين الاعتداءات عليه من بعض الجهال والمعتدين في الأزمان السابقة. وقد كان عدد القطع الظاهرة منه خمس عشرة قطعة، وذلك منذ خمسين سنة، أي أوائل القرن الرابع عشر للهجرة، ثم نقصت هذه القطع بسبب الإصلاحات التي تحدث في إطار الحجر الأسود، فما صغر ورق عجن بالشمع والمسك والعنبر، ووضع أيضا على الحجر الكريم». ويؤيد صاحب كتاب (الكعبة المعظمة والحرمان الشريفان) عبيد الله الكردي (رحمه الله) وهو مؤرخ التوسعة للمسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف وترميم وتجديد الكعبة المشرفة، ما جاء في وصف المؤرخ الكردي للحجر الأسود. وأكد في كتابه الصادر عام 1419هـ (1999) أن الحجر الأسود لا يمكن وصفه لأننا لا نرى منه الآن إلا ثماني قطع صغار (وساق رواية الكردي). إلا انه زاد بنشر صورة لرسم يوضح مكان القطع الثمانية في وجه الحجر الأسود رسمها الخطاط الكردي بنفسه في غرة ربيع الأول عام 1376هـ حيث وضع على نفس الحجر الأسود ورقة خفيفة ثم رسمه بالقلم من فوق الورقة قطعة قطعة. مضيفا: «المنظور من الحجر داخل في بناء الكعبة المشرفة والتي يحيط بها حجارتها من كل جانب، وأما طول الحجر فقد رآه يوم قلعه القرامطة في القرن الرابع الهجري محمد بن نافع الخزاعي، فرأى السواد في رأسه فقط وسائره أبيض وطوله قدر ذراع».

وللقرامطة تاريخ أسود مع هذا الحجر الكريم الذي وصفه ابن عباس بقوله «الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة، وإليها يصيران، ولولا ما مس هذا الركن من الأنجاس، لأبرأ الأكمه والأبرص». فقبل نحو 1107 سنة تعرض الحجر الأسود على أيديهم لأبشع حادثة عرفها التاريخ الإسلامي.

حين تولى أبو طاهر القرمطي سليمان ابن أبي سعيد العدوان الجائر على بيت الله الحرام سنة 317 هـ. والقرامطة أصحاب مذهب باطني، وينسبون الى رجل من سواد الكوفة اسمه (قرمط) دعا الى الزندقة والكفر الصريح فقتله الخليفة العباسي (المكتفي بالله) سنة 293هـ. يورد الشيخ محمد سائد بكداش وهو مؤرخ معاصر يعيش في المدينة المنورة في مصنفه الشامل (فضل الحجر الأسود) قصة القرامطة المشهورة عن الحجر الأسود من أمهات كتب التاريخ بعد تحقيقها فيقول «في يوم الاثنين الثامن من شهر ذي الحجة (يوم التروية) لم يشعر الناس إلا وقد وافاهم عدو الله أبو طاهر القرمطي في تسعمائة رجل من أصحابه، فدخلوا المسجد الحرام وأسرف هو وأصحابه في قتل الحجاج في الحرم، وردم بهم (بئر) زمزم، كما قتل غيرهم في سكك مكة وما حولها زهاء 30 ألفا، وفعل أفعالا منكرة. ثم جاء الى الحجر الأسود، فضربه بدبوس (مطرقة مدببة الأطراف) فكسره، ثم قلعه بعد صلاة العصر من يوم الاثنين لأربع عشرة ليلة خلت من ذي الحجة، وانصرف الى بلده هجر (البحرين والمنطقة الشرقية للسعودية الآن) وحمله معه، ـ قيل انه هلك تحت الحجر الأسود عند نقله 40 جملا ـ يريد أن يجعل الحج عنده، لكنه خاب وخسر كما خاب قبله أبرهة الأشرم». واحتفظ القرامطة بالحجر الأسود بعد أن بنو له كعبة جديدة في دولتهم طوال 22 سنة. ورفضوا أن يردوه لمكة وقد بذلت في سبيل إرجاعه 50 ألف دينار فلم يستجيبوا. وبقي مكان الحجر خاليا يتلمس الحجاج والمعتمرين فجوته بأيديهم وهم يبكون ويتوسلون الى الله أن يعيد لهم الركن الى مكانه. وبعد أن هلك أبو طاهر القرمطي سنة 332هـ فوجئ المسلمون في يوم النحر (عيد الأضحى) الموافق ليوم الثلاثاء من سنة 339 هـ بزعيم القرامطة سنبر بن الحسن القرمطي يوافي مكة بالحجر الأسود ـ قيل ان الحجر الأسود عاد على ظهر قعود ضعيف فسمن! ـ فأظهره بفناء الكعبة ومعه أمير مكة. وكان على الحجر ضبَات فضة قد عملت عليه من طوله وعرضه، تضبط شقوقا حدثت عليه بعد قلعه، وأحضر معه جصَا يشد به، فوضع سنبر القرمطي الحجر بيده، وشد الصانع بالجصَ، وقال سنبر لما رده «أخذناه بقدرة الله، ورددناه بمشيئة الله»! ونظر الناس الى الحجر فتبينوه وقبلوه وحمدوا الله تعالى. ويقال ان القرامطة حاولوا غش المسلمين فيه، فجاءوا بحجر مماثل له، إلا أن المفاجأة كانت لهم حين قبل رئيس وفد مكة اختبار مادة أصل الحجر. وطلب إحضار ماء لكون الحجر الأسود يطفو على الماء وهو ليس كبقية الحجار المعروفة، مما جعل رئيسهم يظهر تعجبه البالغ وهو يردد «هذا دين مضبوط»! ولم تكن حادثة القرامطة هي الوحيدة. فقد جرت عدة أحداث تاريخية للحجر الأسود خلال الأزمنة التي سبقت الإسلام وبعده، خلفت آثارا فيه بتصدع أو تكسر نتيجة لها. فقد أصاب البيت الحرام حريقان، الأول: في عهد قريش قبل الإسلام، فاحترق الحجر الأسود، واشتد سواده. والثاني: في الإسلام في عصر عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، حين حاصره الحصين بن نمير الكندي، فاحترقت الكعبة المشرفة واحترق الحجر الأسود، فتفلق ثلاث فلق، حتى شد شعبه ابن الزبير بالفضة فكان أول من ربط الركن الأسود. وفي عهد أمير المؤمنين هارون الرشيد، كانت الفضة التي على الحجر الأسود قد رقت وتزعزعت عن محلها، حتى خافوا على الركن أن ينقض، فلما اعتمر هارون عمرته سنة 188 هـ أمر بإصلاحه، وأمر بالحجارة التي بينها الحجر الأسود، فثقبت بالماس من فوقها وتحتها، ثم أفرغ فيها الفضة».

وفي حوادث عام 363 هـ ذكر ابن فهد المكي في كتابه «إتحاف الورى بأخبار أم القرى» قصة رجل رومي جاء من بلاد الروم، وقد جعل له مالا كثيرا على ذهاب الركن، فضرب الركن بمعول ضربة شديدة، فلما هم بضربه ثانية بادره رجل من اليمن كان يطوف في البيت فطعنه بخنجر حتى أرداه قتيلا. وفي حوادث سنة 413 هـ سرد ابن فهد المكي حادث اعتداء آخر على الحجر من مجموعة من عشرة فرسان، استغواهم الحاكم العبيدي في مصر يقودهم رجل تام القامة جسيم طويل بإحدى يديه سيف مسلول، وبالأخرى دبوس، يقول: «وبعدما فرغ الإمام من صلاة الجمعة ليوم النفر الأول، وقبل عودة الحجيج من منى، قام قاصدا الحجر كأنه يستلمه، فضرب وجه الحجر ثلاث ضربات متوالية بالدبوس»، وهو يقول: «إلا متى يعبد الحجر الأسود؟ ولا محمد (صلى الله عليه وسلم)، ولا علي (كرم الله وجهه) يمنعانني عما أفعله، فإني أريد اليوم أن أهدم هذا البيت وأرفعه. وكان على أبواب المسجد عشرة فرسان لنصرته، فاحتسب رجلا وثار به فوجأه (طعنه) بخنجر واحتوشه الناس فقتلوه، وقطعوه وأحرقوه بالنار. وأقام الحجر على حاله ذلك يومين، وكان قد تنخش وجهه في وسطه، وصارت فيه شقوق يمينا ويسارا، وتقشر من تلك الضربات، وتساقطت منه شظايا مثل الأظفار، وخرج مكسره أسمر يضرب الى صفرة، ثم أن بعض بني شيبة جمعوا ما وجدوا مما سقط منه، وعجنوه بالمسك واللَك ـ صبغ أحمر ـ وحشيت به الشقوق».

وذكر الإمام ابن علان في كتابه (فضل الحجر الأسود) أنه في سنة 990هـ: «جاء رجل عراقي أعجمي، وكان منجذبا، فضرب الحجر الأسود بدبوس في يده، وكان عند البيت الأمير ناصر جاوش حاضرا، فوجئ ذلك العجمي بالخنجر فقتله». وآخر حادثة على الحجر الأسود وقعت في عام 1351هـ أوردها الشيخ حسين با سلامة في كتابه (تاريخ الكعبة المشرفة). يقول «في آخر شهر محرم سنة 1351هـ جاء رجل فارسي من بلاد الأفغان، فاقتلع قطعة من الحجر الأسود، وسرق قطعة من ستارة الكعبة، وقطعة من فضة من مدرج الكعبة الذي هو بين بئر زمزم وباب بني شيبة، فشعر به حرس المسجد فاعتقلوه، ثم أعدم عقوبة له». وزاد با سلامة في مصنفه النادر «ثم لما كان يوم 28 من ربيع الثاني حضر الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله، من مصيفه بالطائف قبل توجهه الى الرياض، وحضر بعض الأعيان، وعمل الأخصائيون مركبا كيميائيا مضافا إليه المسك والعنبر، لتثبيت تلك القطعة، وأعادوها الى محلها».

وذكر سائد بكداش في كتابه «أنه قد عمل عدة أطواق حول الحجر الأسود خلال الأزمنة السابقة، كان آخرها في يوم الأربعاء 22 من شهر شعبان سنة 1375هـ قبيل صلاة المغرب حيث وضع الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود (رحمه الله) طوقا جديدا من الفضة الخالصة على الحجر الأسود، وكان الشيخ محمد طاهر كردي واقفا بجواره ممسكا بالطوق الجديد لتثبيته على الركن الأسود، بعد أن قلع الطوق الفضي القديم الذي كان قد وضعه السلطان محمد رشاد خان سنة 1331هـ».

وتحفظ متعلقات الكعبة المعظمة والحرم المكي الشريف في متحف «معرض عمارة الحرمين الشريفين القريب من مصنع كسوة الكعبة المشرفة بطريق جدة القديم. ويميل أهل مكة القدماء الى تسميته بالحجر «الأسعد»، لكراهة نعت مصادر تفاخرهم في البيت العتيق بلون السواد الذي يتطيرون منه. وتنتشر في الثقافة التقليدية لسكانها رغبة متزايدة في التبرع بسكب العطور ودهن الطيب عليه تقربا الى الله في يمينه على الأرض. وتوصى الجدات وكبار السن أحفادهم الصغار على ضرورة اختلاسهم رشفة بطرف اللسان عند استلام الحجر، بعد مسحه بطرف ردائه رجاء بركته وعائدته المجربة في علاج النسيان، وزيادة الحفظ وتوسيع مدى الذاكرة! كما تتجلى صور من إنكار الذات وإيثار الآخرين بين الطائفين عندما يتراجع بعضهم فسحا للمجال أمام العجزة وكبار السن خصوصا للنساء والصغار لمنحهم الفرصة بتقبيل ولثم الحجر الأسعد.

وفي الأثر الشريف أن عند الحجر الأسود تسكب العبرات وتذهب الحسرات، وتجاب الدعوات. فقد روى عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال «استقبل النبي صلى الله عليه وسلم الحجر، ثم وضع شفتيه عليه يبكي طويلا، ثم التفت فإذا هو بعمر بن الخطاب يبكي فقال: يا عمر هاهنا تسكب العبرات».

وهو موطن من مواطن إجابة الدعاء، فعن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا أنه قال: «إن الركن يمين الله عز وجل في الأرض، يصافح بها خلقه، والذي نفس ابن عباس بيده، ما من امرئ مسلم يسأل الله عز وجل شيئا عنده إلا أعطاه إياه».

=