أول دراسة عسكرية ـ تاريخية لحرب العراق

القوات الأميركية خاضت الحرب من دون إعداد ولا معدات كافية

TT

يكشف أول تاريخ رسمي من قبل الجيش الأميركي لحرب العراق أن القوات الأميركية وقعت فريسة لسلسلة معقدة من مشاكل التموين، والاتصال بأجهزة الراديو التي لا يصل مدى بثها الى القوات التي توغلت في الميدان، والعمليات النفسية المحبطة والغياب شبه الكامل للمعلومات الاستخباراتية حول الطريقة التي كان صدام ينوي بها الدفاع عن بغداد. ويبدو ان المشاكل اللوجستية التي حاول الجيش التقليل من شأنها في البداية كانت اسوأ كثيرا مما اوردته التقارير الاولية. ومع ان هدف التقرير هو الدراسة الفنية للطريقة التي تصرف بها الجيش والمشاكل التي واجهها، الا انها يمكن ان تتحول الى وثيقة سياسية تخدم قضايا الجيش داخل وزارة الدفاع.

وكانت ماكينات الدبابات ترقد على رفوف المخازن في الكويت من دون ان تجد سائقي الشاحنات الذين ينقلونها شمالا. وتحولت الشاحنات المعطوبة الى قطع غيار. ولجأت بعض وحدات المدفعية الى استخدام قطع من المدفعية العراقية التي استولت عليها لتشغيل مدافع الهاوتزر التي تملكها. كما كانت الوحدات الطبية تبحث عن الادوية في حطام المستشفيات الميدانية. وفي اغلب الاحيان كان الجنود يبتكرون حلولا وقتية للمحافظة على اندفاع الهجوم. واكتشفت الدراسة أن فرقة المشاة الثالثة التابعة للجيش، وهي قوة الهجوم الرئيسة لدى الجيش، كادت تتوقف تماما لانعدام قطع الغيار. كما أن المسؤولين عن الإمدادات في الجيش لم تكن لديهم اساليب توزيع فعالة. وجاء في الدراسة ان «شبكة المشاكل التي عرقلت إرسال قطع الغيار والمواد التموينية، كانت نتيجة الفشل في تحديد المسؤوليات بوضوح ودقة».

وتوصلت الدراسة كذلك إلى أن قرار البنتاغون إرسال القوات المهاجمة قبل اسابيع فقط من بدء المعارك، كانت له «نتائج غير مقصودة»، هي تأخير إرسال وحدات الدعم إلى هناك مما عقد الموقف التمويني.

وجاء هذا التاريخ القصير للحرب في 504 صفحات اعده معهد الأسلحة المشتركة في الجيش في فورت ليفينويرث بولاية كانساس. وقد أمر بإعداد الدراسة الربيع المنصرم الجنرال إريك شينسكي رئيس هيئة الأركان السابق للجيش، والذي خاض جدالا مع وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد حول حجم القوة المقاتلة في العراق. وتعتمد الدراسة على مقابلات مع 2300 شخص و68 ألف صورة وحوالي 120 ألف وثيقة.

الكاتب الأساسي لهذه الوثيقة هو غريغوري فونتينوت، وهو كولونيل متقاعد من الجيش كان يقود فصيلا في حرب الخليج الأولى عام 1991، كما قاد لواء في البوسنة. وتعكف المارينز وسلاح الطيران و البحرية على إعداد تقارير مشابهة عن أداء قواتها.

وقال مسؤولو الجيش إن توقيت نشر الدراسة لم يقصد منه الضغط لإجازة موازنة دفاعية قدمها الرئيس الأميركي جورج بوش مؤخرا الى الكونغرس. ولكنها ربما تثير جدلا في كابيتول هيل حول ما إذا كان الجيش على وجه الخصوص لديه ما يكفي من الوحدات المقاتلة للاضطلاع بمهام الحرب في العراق وأفغانستان وغيرها من نقاط النزاع الساخنة. ويقول كبار المسؤولين العسكريين إن الدروس المستقاة من هذه الدراسة أدمجت في برامج التدريس والتدريب وخاصة بالنسبة لـ110 آلاف جندي يجري تدريبهم حاليا للحلول محل 130 ألف جندي موجودين حاليا في العراق.

ولا تتعرض الدراسة إلا بصورة عابرة لأكثر قضيتين مثيرتين للجدل في هذه الحرب هما حيازة العراق لأسلحة الدمار الشامل وتحضيرات البنتاغون لإعادة بناء البلاد. ولكنها تلاحظ أن استراتيجية بداية الحرب قبل وصول كل الوحدات المساعدة، سعيا لتحقيق عامل المباغتة، مثلت ضغطا كبيرا على مصادر القادة الميدانيين الذي كانوا مضطرين في كثير من الاحيان الى الجمع بين خوض المعارك العسكرية واصلاح المرافق المدنية. وهما مهمتان لم يكن الجمع بينهما ميسورا في كثير من الاحيان.

وركزت الوثيقة نقدها على الجوانب اللوجستية وذكرت ان خطوط الامداد لم تكن قادرة على التواؤم مع الانتشار السريع للقوات. ومع ان قادة الجبهات كان يمكنهم التواصل مع بعضهم البعض الا ان القادة على مستويات ادنى لم يكن بوسعهم ان يفعلوا ذلك. كما ان سرعة التحرك جعلت اجهزة المذياع عاجزة عن توصيل بثها الى الاطراف البعيدة من الجبهة، مما جعل بعضهم يلجأ الى استخدام الجوالات والرسائل الالكترونية.

وكان القادة العسكريون يعتمدون على شبكة واسعة من الاساليب السايكولوجية لاقناع الضباط العراقيين بالاستسلام، كما حدث في حرب الخليج الأولى عام 1991، ومنعهم من تفجير آبار البترول. وقد توصلت الدراسة الى ان تلك المنشورات اما فشلت في الوصول الى الجهات التي كان من المفترض مخاطبتها، او ان رسالتها لم تكن واضحة بالنسبة لمن وقعت في أيديهم. كما ان منظمة فدائيي صدام استطاعت قتل كثير من الضباط الذين فكروا في الهرب او التعاون مع القوات الغازية.

ورغم التخطيط الواسع للمعركة الفاصلة في بغداد، الا ان القادة العسكريين لم يكونوا يعرفون على وجه اليقين كيف سيدافع العراقيون عن عاصمتهم. ولم يكتشف القادة العسكريون ان المدينة لم تكن محمية بصورة كافية الا بعد ان سيروا طوابير عسكرية الى قلبها.

وتتوصل الدراسة كذلك الى ان اعداء الولايات المتحدة يمكن ان يخرجوا بدروس مهمة من هذه الحرب، منها ان اعتماد القوات الأميركية على التقنيات العالية يمكن التصدي له بواسطة الاهداف المضللة وتعمية الاسلحة; وان الرؤوس الحربية القوية والقنابل الصاروخية الدفع يمكن ان توازن الاسلحة الأميركية; وان القوات الأميركية يمكن توريطها في حرب مدن اكثر قسوة وطولا مما فعل العراقيون، وان القوات الأميركية ضعيفة جدا امام حرب العصابات التقليدية.

* خدمة «نيويورك تايمز»