الجلبي وعلاوي ينقلان معركتهما إلى واشنطن في إطار صراع أعضاء مجلس الحكم العراقي على السلطة

TT

بينما يتناقش العراقيون العاديون في الشوارع المتربة حول النظام الجديد، يصارع بعض أعضاء مجلس الحكم المؤقت للبقاء في السلطة قادما الى واشنطن من اجل ذلك.

فبقيادة أحمد الجلبي الذي يعد الأكثر صلة بالأميركيين والأكثر اثارة للجدل بينهم أيضا يستخدم بعض أعضاء مجلس الحكم المؤقت جماعات الضغط والمستشارين السياسيين والعلاقات العامة لتقوية أواصرهم مع صنّاع القرارات الأميركيين والسعي للوصول الى قاعدة أوسع من الجمهور الأميركي والعالمي. والهدف من وراء ذلك هو السعي لكسب مساعدة الأميركيين لخلق العراق الذي يريده هؤلاء الزعماء، وللمساعدة على تقوية مواقعهم للعب أدوار قيادية وازاحة منافسيهم الطموحين عن طريقهم.

ويقول البعض ان النقاش السياسي الذي ترتب على ذلك النشاط تجاوز الحدود المعقولة. فتقريبا منذ اليوم الأول الذي تم تعيينهم فيه اصبح بعض أعضاء مجلس الحكم المؤقت مصدر شكاوى المسؤولين الأميركيين من أنهم ينفقون وقتا كثيرا في الخارج وليس لديهم أي واجبات محددة في بغداد. وقال مسؤول أميركي شاكيا في الخريف الماضي انهم «جميعا يقومون بحملات متواصلة كي يحتلوا موقع رئاسة الجمهورية».

وأعطت الحملات التي يقوم بها هؤلاء الزعماء السياسيون فرصة لمعرفة أين تتركز القوة فيما يتواصل الصراع في العراق باتجاه تشكيل حكومة جديدة. فعلى الأقل وحتى اجراء انتخابات في العراق سيظل للولايات المتحدة نفوذ حول من سيعيَّن في أي حكومة مؤقتة وحول العملية التي تتحكم في اختيار حكومة كهذه، بل وحتى بعد اعادة السيادة الرسمية للعراق سيكون الدعم الأميركي حيويا سواء بمليارات الدولارات المكرسة كمعونات للعراق أو بعشرات الآلاف من الجنود.

مع ذلك، فان حملة السياسيين العراقيين ذات طبيعة مزدوجة، فهم من جانب يحاولون كسب واشنطن الى جانبهم هم ومن جانب آخر لا يريدون أن يظهروا بمظهر التابع للأميركيين.

وهذان الجانبان ظهرا في أحسن تجليهما حينما زار أحمد الجلبي واشنطن الشهر الماضي ضمن وفد رسمي. فحين ذهب الى البيت الأبيض بناء على دعوة رسمية جلس الجلبي مع اثنين من أعضاء مجلس الحكم بكل فخر الى جانب السيدة الأولى لورا بوش في الوقت الذي كان الرئيس بوش يلقي خطاب «حال الأمة». لكن بعد ثلاثة أيام انتقد الجلبي في كلمة ألقاها في معهد «انتربرايز» المعروف باتجاهه المحافظ خطة الادارة الأميركية لاعادة الحكم الى العراقيين، واصفا اياها بأنها «طريقة مؤكدة لتحقيق عدم الاستقرار» في العراق.

وقال فرانسيس بروك مستشار الجلبي السياسي معلقا «كانت رسالتنا الأولى هي أننا نربط أنفسنا مع الولايات المتحدة... أعني أننا نجلس مع زوجة الرئيس».

ويعتبر الجلبي وجها معروفا بشكل جيد في واشنطن، فهو خبير مالي عراقي مغترب وزعيم مجموعة معارضة سابقا تحمل اسم «المؤتمر الوطني»، وتمكن من كسب دعم المحافظين تدريجيا خلال أكثر من عقد عن طريق مواصلة الحملة لاطاحة الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين. ويحظى الجلبي بتأييد البنتاغون، واتُّهم قبل الحرب بأنه يستخدم الأموال الاميركية المدفوعة له والمأخوذة من دافعي الضرائب الأميركيين كي يكسب النفوذ لنفسه.

لكن الجلبي ليس الوحيد في مسعى التغلغل داخل أقبية واشنطن لكسب نفوذ يدعم موقعه في العراق، فهناك أياد علاوي أحد المعارضين القدامى لصدام حسين ورئيس منظمة كانت في المنفى تدعى «الوفاق الوطني العراقي» وكانت له علاقات مع وكالة المخابرات المركزية «سي. آي. ايه» تمتد الى ما قبل حرب 1991.

أما الشخص الثالث الذي يبدو كأنه يكسب تأييدا متزايدا من المسؤولين الأميركيين فهو وزير الخارجية الأسبق عدنان الباجه جي. ويتمتع الأخير بنشاط كبير على الرغم من تجاوزه سن الثمانين وهو حتى السبت الماضي كان الرئيس الدوري لمجلس الحكم المؤقت.

وقال فرهاد بارزاني الذي يرأس مكتب الحزب الديمقراطي الكردستاني في واشنطن وابن أخ عضو آخر في مجلس الحكم المؤقت هو مسعود بارزاني: «اذا كان لديك حضور ملموس في واشنطن فان ذلك نقطة لصالحك».

وقد يعتبَر ما يرغب به هؤلاء الزعماء من تأثير على الجمهور الأميركي ضئيلا جدا قياسا بما يقوم به علاوي من أنشطة، فهو يرأس منظمة يتكون أكثر أعضائها من اعضاء سابقين في حزب البعث ومن الدوائر الأمنية والعسكرية للنظام السابق.

ويوظف علاوي دبلوماسيا أميركيا سابقا، هو باتريك ثيروس ومكتب «بريستون غيتس اليس وروفيلاس ميدز» للمحاماة في واشنطن، ومؤسسة متخصصة بالعلاقات العامة تدعى «براون لويد جيمس» ومقرها في نيويورك. ويتلقى علاوي دعما ماليا شهريا من مشعل النواب، وهو طبيب مولود في العراق، وقيمة هذه المساعدة 150 ألف دولار، وهذا الشخص هو جزء من شبكة من العائلات الثرية التي تساند علاوي.

وظلت الخلافات قائمة بين علاوي والجلبي منذ فترة طويلة، وحاليا تدور حرب كلامية بين هذين المتنافسين على صفحات الجرائد الأميركية. فالجلبي كتب سلسلة من المقالات في «واشنطن بوست» و«يو. أس. أيه توداي» و«فيلادلفيا انكوايرر» يحث من خلالها الولايات المتحدة على زيادة حجم السلطة الممنوحة لمجلس الحكم المؤقت والتكثيف من حملات المطاردة ضد بقايا نظام صدام حسين. بينما ظل علاوي على العكس من ذلك يجادل في سلسلة مقالات رأي في صحف «واشنطن بوست» و«نيويورك تايمز» بأن سياسة «اجتثاث البعث» في العراق قد تجاوزت الحدود المعقولة وأنها ألحقت الأذى بالأبرياء والمذنبين على حد سواء.

وسبّبت بعض ملاحظات علاوي الصريحة انزعاجا بين المسؤولين الأميركيين مما دفع الى قص قدر من جناحيه في ديسمبر (كانون الاول) الماضي. فخلال رحلة الى الولايات المتحدة كان هدفها الرئيسي هو السعي للعمل من مقر «سي. آي. إيه» أصرت الوكالة الأميركية على أن يلغي علاوي كل لقاءاته الصحافية التي كانت ضمن برنامج رحلته.

في الوقت نفسه، ظل الجلبي دائما ماهرا في كسب الأضواء الى درجة اغضاب منافسيه. ففي 14 ديسمبر بعد مرور يوم على اعتقال صدام حسين كان الجلبي واحدا من أربعة زعماء عراقيين سُمح لهم بالالتقاء بالديكتاتور السابق داخل زنزانته. وكانت براعة فائقة حينما تم تصوير الجلبي مع صدام وكأنه منافسه وهازمه في وقت واحد.

وعلى الرغم من ترديد الجلبي وعلاوي والباجه جي ان لديهم طموحات متواضعة في لعب دور ما في صياغة بلد جديد، فان هناك اقتناعا واسع الانتشار بأنهم يفضلون أن يكون هذا الدور أكبر مما يصرحون به.

وحسبما تقول راتشيل برونسون المسؤولة في مجلس العلاقات الخارجية الاميركي فان سؤال أعضاء مجلس الحكم المؤقت ان كانوا يريدون قيادة العراق الجديد هو أمر يشبه توجيه سؤال لأي سيناتور أميركي ان كان يريد أن يصبح رئيسا للولايات المتحدة. وأضافت هذه المسؤولة الأميركية: «أنت تستطيع القول انهم جميعا يريدون ان يكونوا كذلك».

*خدمة «لوس أنجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»