الأحزاب العلمانية العراقية تبحث إقامة تحالف ديمقراطي للحد من نفوذ رجال الدين

حميد مجيد موسى: التحالف لن يكون متأثرا بالاعتبارات الطائفية أو الإثنية أو الدينية

TT

يقول مسؤولون عراقيون ان عددا كبيرا من الأحزاب العلمانية تناقش حاليا تفاصيل تكوين تحالف يضمها جميعا للوقوف ضد المحافظين الشيعة الأفضل تنظيما، في الانتخابات القادمة. وتعترف هذه الأحزاب بأن المحافظين الشيعة لديهم فرصة أكبر في اكتساح الانتخابات اعتمادا على أتباعهم المتحمسين وسيطرتهم على منابر المساجد. وقد دفعت هذه الحقيقة الأحزاب العلمانية إلى البحث عن المرشحين المؤهلين ودعمهم بصورة جماعية. وتمثل المفاوضات الحالية أولى المحاولات لتكوين تحالف علماني لمواجهة النفوذ المتنامي للأحزاب الإسلامية.

هذه المجموعات العلمانية تشمل الحزب الشيوعي العراقي، الحزب الوطني الديمقراطي، والحزبين الكرديين الرئيسيين وتجمع الديمقراطيين المستقلين بقيادة عدنان باجة جي، عضو مجلس الحكم العراقي. وتمثل هذه الأحزاب عناصر من كل الوان الطيف الإثني والديني. فقائد الحزب الشيوعي العراقي، عربي شيعي، بينما عدنان باجه جي وناصر جادرجي، قائد الحزب الوطني الديمقراطي، من السنة. وتوحد كل هذه الأحزاب مواقفها من دور الإسلام في السياسة. وقال حميد مجيد موسى، عضو مجلس الحكم العراقي وقائد الحزب الشيوعي «عقدنا بعض الاجتماعات وأجرينا بعض المفاوضات. وربما نعين فيما بعد شخصا يمثلنا».

وقال موسى انه يفضل أن يسمي التحالف بـ«ديمقراطي» بدلا من علماني. وأضاف «لن يكون التحالف متأثرا بالاعتبارات الطائفية أو الإثنية أو الدينية».

وقال إن الأحزاب العلمانية، عكس الأحزاب الشيعية، ليست لديها «قوة جذب» واضحة، ولذلك فإنها تتحالف مع بعضها البعض وتدعم بعضها بعضا. ونسبة لأن الشيعة يمثلون 60% على الاقل من سكان العراق، فإن زعماءهم ظلوا يمارسون ضغوطا مستمرة من أجل إجراء انتخابات مباشرة لانتخاب جمعية وطنية انتقالية. وقال موسى ان الإسلاميين من مصلحتهم إجراء انتخابات سريعة.

وقال بول بريمر الحاكم المدني للعراق، في مقابلة أجرتها معه المحطة الفضائية «العربية»، ان العراق لن يكون جاهزا لإجراء انتخابات عامة لمدة عام او 15 شهرا، مشيرا في ذلك إلى تقدير كانت قد توصلت إليه الأمم المتحدة. وقال وزير الخارجية الاميركي كولن باول في مقابلة أخرى انه سعيد أن الأمين العام للأمم المتحدة، كوفي أنان، «توصل إلى نفس النتيجة التي توصلنا إليها وهي أنك لا تستطيع أن تكمل عملية الاختيار بنهاية يونيو (حزيران) ولذلك علينا أن نفكر إما في نهاية هذا العام أو بداية العام الذي يليه».

وكان الجدل حول الجدول الزمني لإجراء الانتخابات في العراق، قد عرقل خطط البيت الأبيض لنقل السيادة إلى العراقيين بنهاية يونيو 2004، وخاصة بعد أن أصر آية الله العظمى، علي السيستاني، كبير زعماء الشيعة، على إجراء انتخابات مباشرة لأعضاء الجمعية الوطنية، ورفض فكرة المجالس المحلية التي طرحها الأميركيون. ومن الناحية الأخرى فإن الأمم المتحدة على وشك تقديم اقتراحات لحل المشكلة. ويقول المحللون ان مخاوف القوى العلمانية حول أن الانتخابات يمكن أن تكون في صالح المحافظين، مخاوف مبررة. وقال جوس هلترمان، خبير الشؤون العراقية في مجموعة «إنترناشونال كرايسيز غروب» وهي منظمة لحل الأزمات «لا يوجد بديل علماني في العراق. وكثير من العلمانيين الشيعة كانوا قد انضموا إلى حزب البعث. وهم لا يدرون ماذا يفعلون حاليا. إن عليهم أن ينظموا صفوفهم ولكن كيف يفعلون ذلك»؟

وقال فيصل الاسترابادي، مستشار عدنان باجه جي، ان التحالف المقترح قصد منه ملء هذا الفراغ. وقال «هذه الأحزاب الليبرالية تحاول خلق جبهة موحدة. وأنا ارفض فرضية أن الشيعة يرغبون في تنصيب قائد شيعي. وإذا كنت تبحث عن عراق ليبرالي ديمقراطي، فإنك يجب أن تبحث عن أناس لا يرتبطون بالشيعة وحدهم».

ولكن الفئات التي كسبت أكثر من غيرها في عملية تخلص العراق من حكم سني استمر 35 سنة، هم الشيعة والزعماء الدينيون المحافظون. والأحزاب السياسية منقسمة تماما على نفسها عندما يتعلق الأمر بدور الإسلام في الدولة. ولكن بريمر فجر جدلا حاميا عندما أعلن هذا الأسبوع أنه سيستخدم حق الفيتو على تشريع ينص على الإسلام كمصدر وحيد للتشريع.

وتفرد رجال الدين بمزايا كبيرة في الشهور التي أعقبت سقوط نظام صدام حسين، وهي مقدرتهم على استخدام المساجد كمنابر لبرامجهم السياسية وخاصة عقب صلاة الجمعة من كل أسبوع. كما أن الأحزاب الدينية اكتسبت لنفسها شهرة بالتفافها حول أبرز رجال الدين مثل آية الله العظمى علي السيستاني. وقال مجيد موسى قائد الحزب الشيوعي العراقي: «الأحزاب العلمانية تحترم آية الله السيستاني. ولكن هذه الأحزاب كلها لديها برامجها وأفكارها التي تطرحها على الناس وتدعوهم لها».

السياسي الشيعي العلماني الذي دعمته الإدارة الأميركية قبل الحرب كان هو أحمد الجلبي. وقد تصور بعض أعضاء إدارة بوش أنه سيكون مثل مصطفى كمال أتاتورك، أي القائد الشعبي الذي يمكن أن يسير البلاد على طريق العلمانية بينما يحتفظ بولاء الناس. ولكن الأمور لم تسر على هذا المنوال. فكثير من العراقيين لا يثقون في أحمد الجلبي ولا في المؤتمر الوطني العراقي الذي يقوده، نسبة لعلاقاته الوطيدة مع الأميركيين ونسبة لإدانته غيابيا في الأردن بتهم خيانة الأمانة والفساد والتزوير، عندما كان مديرا لمصرف أنشأه هناك.

وفي الشهر الماضي دعا أحمد الجلبي في واشنطن إلى إجراء انتخابات مباشرة مما اثار سخط الكثيرين ومن ضمنهم الأميركيون الذين رأوا في موقفه محاولة مفضوحة للتحالف مع السيستاني وبناء قاعدة سياسية على اساس انتماءاته الشيعية. ويعاني إياد علاوي، العلماني الشيعي الآخر، الذي وجد دعما كبيرا من الأميركيين، وخاصة من وكالة المخابرات المركزية، من مشاكل مصداقية مشابهة. فارتباطاته بالولايات المتحدة وحياته بالمنفى تلقي ظلالا كثيفة من الشك على ماضيه في عيون كثير من العراقيين. ويوجد في قيادة حركته، حركة الوفاق الوطني، كثيرون من العرب السنة والبعثيين السابقين.

* خدمة «نيويورك تايمز»