المصادقة نهائيا على قانون منع الحجاب في فرنسا تمهيدا لبدء تطبيقه في العام الدراسي المقبل

TT

أسدل الستار على الفصل الثاني من مسلسل قانون منع الشارات الدينية، بما فيها الحجاب الاسلامي، في المدارس الحكومية الفرنسية. فقد تبنى مجلس الشيوخ الفرنسي أول من أمس مشروع القانون تماما مثلما صوتت عليه الجمعية الوطنية ومن دون أدنى تعديل، ما يعني أن القانون أصبح نهائيا ولم تعد ثمة حاجة لإعادته الى الجمعية الوطنية لقراءة ثانية. ولم يعد يحتاج القانون لكي يصبح نافذا مع بداية العام الدراسي المقبل سوى صدور المراسيم التطبيقية عن وزارة التربية وهو أمر مفروغ منه.

وبعكس الضجة التي رافقت مناقشة مشروع القانون والتصويت عليه في الجمعية الوطنية، فإن إقراره من قبل مجلس الشيوخ جاء أكثر ليونة ومن غير تحركات أو مظاهرات في الشوارع. وقد حاز القانون أكثرية ساحقة إذ حصل على 276 صوتا فيما لم يعارضه سوى 20. وتفسر هذه النتيجة كون الشيوخ المنتمون الى اليمين وزملاؤهم من الاشتراكيين والوسط قد صوتوا الى جانب القانون باستثناء أقلية ضئيلة للغاية. وجاءت الأصوات المعارضة أساسا من الشيوعيين.

ويعكس هذا الإجماع الحالة الذهنية والنفسية العامة للمجتمع الفرنسي في أكثريته الساحقة الذي يرفض أن تتحول المدرسة الى ميدان تصارع حول الرموز الدينية وللمحافظة على حيادها والدفاع عن مبدأ العلمانية، رغم أن أصواتا عديدة رأت في القانون استهدافا للحجاب فقط.

وأعلن رئيس الوزراء الفرنسي جان بيار رافاران في آخر يوم من مناقشات مجلس الشيوخ أن رؤية الحكومة للعلمنة «ليست معادية للديانات التي يحق لكل منها أن تعبر عن نفسها شرط احترام قوانين الجمهورية داخل حرم المدرسة». غير أن رئيس الوزراء اعترف بصراحة أن هذا القانون لن يكون كافيا لمعالجة مشكلة الشارات الدينية في المدارس بقوله إن الحكومة «لا تدعي ولا تشعر أن هذا النص سيوفر حلا لكل المشاكل».

غير أن القانون الجديد، رغم تبريراته السامية الأهداف، له جوانب واضحة مرتبطة باللعبة السياسية الداخلية في فرنسا، خصوصا أنه جاء قبيل الانتخابات المحلية المقررة الشهر القادم. وترى أكثر من جهة أن الأكثرية اليمينية امتطت صهوة القانون الجديد لتحقيق مآرب انتخابية وتطمين الأوساط المحافظة التي أخذت تنظر بقلق لتكاثر «ظاهرة الحجاب» في المدارس وأيضا في المستشفيات والدوائر البلدية. ومن هذا المنطلق، فإن تيارات اليمين المنضوية تحت لواء الاتحاد من أجل حركة شعبية، وهو حزب الرئيس جاك شيراك، نجحت في تجميع صفوفها كما نجحت في سحب البساط من تحت أرجل حزب «الجبهة الوطنية» اليميني المتطرف الذي جعل من التنديد بالمهاجرين والعرب وبما يمثلونه من «تهديد» للهوية الفرنسية قاعدة لسياسته ولدعايته الانتخابية. وبإمكان حزب الأكثرية أن يقول غدا إنه صاحب قانون منع الشارات الدينية ومنع الحجاب وبالتالي لن يستطيع جان ـ ماري لوبن، رئيس الجبهة الوطنية اتهامه لا بالضعف ولا بالتخاذل ولا بعدم الدفاع عن الهوية الفرنسية. وألزم حزب الأكثرية الحزب الاشتراكي باللحاق به والتصويت كرجل واحد لصالح القانون. وفي أي حال، فإن الحكومة سارت في ركاب القانون من غير أن تحسب انعكاساته على الساسة الفرنسية الخارجية إن في العالم العربي أو في العالم الإسلامي.