أنان يقيل كبير مستشاريه الأمنيين ويعاقب موظفين كبارا لثبوت إهمالهم في توفير الحماية اللازمة لمقر الأمم المتحدة في بغداد

لجنة التحقيق اتهمت مسؤولين بمن فيهم البرازيلي دي ميللو الذي قتل في الهجوم بـ«تجاهل» تحذيرات

TT

اعترف الأمين العام للأمم المتحدة كوفي انان بأن المنظمة الدولية لم تتخذ الاجراءات اللازمة لحماية مقرها في بغداد وقرر اول من امس اقالة كبير مستشاريه الامنيين وعاقب عددا آخر من موظفيه لمسؤوليتهم عن هذا الاهمال الامني.

وجاءت قرارات أنان بعد تسلمه تقريرا يقع في 150 صفحة أعدته لجنة تحقيق عن الظروف والملابسات الأمنية التي أدت الى الهجوم الانتحاري على مقر الأمم المتحدة في بغداد يوم 19 اغسطس (آب) الماضي الذي اسفر عن 22 شخصا بمن فيهم ممثل الأمين العام الخاص سيرجيو دي ميللو الذي تضمن التقرير انتقادات له ايضا. وأخذ أنان بكل التوصيات التي خرجت بها لجنة تحديد المسؤولية واقر كبير المستشار الامنيين تون ميات (من ميانمار) اغفاله التدهور الامني في بغداد في الاسابيع التي سبقت الهجوم. وجاء في التقرير ان ميات وكبار مسؤولي المنظمة الامنيين في بغداد «كانوا على يقين من ان مقر الامم المتحدة وتسهيلاتها الاخرى في بغداد لن تهاجم رغم تحذيرات بخلاف ذلك».

كذلك وافق انان على استقالة البرازيلي راميرو دي سيلفا، مساعد دي ميللو، والمسؤول عن أمن مقر الأمم المتحدة في بغداد. وقرر انان عدم تسليم اي مسؤولية أمنية الى دي سيلفا الذي عاد الى وظيفته السابقة في برنامج الغذاء العالمي.

من ناحية ثانية، رفض انان قبول استقالة لويس فورشيت وكيلة الأمين العام باعتبارها رئيسة مجموعة التوجيه التي شكلها الأمين العام في بداية نوفمبر (تشرين الثاني) 2002 وتضم في عضويتها 11 شخصا، مهمتها المشاركة في رسم استراتيجية الأمم المتحدة وتقديم المعلومات وتحليلها في ما يخص عمليات الأمم المتحدة الكبيرة في العمليات الانسانية. وأوضح الناطق الرسمي باسم المنظمة أن فورشيت قد اعترفت بالنقد الذي وجه اليها وقال «ان الأمين العام ابلغها أن ما جرى ليس مسؤوليتها الفردية وانها مسؤولية جماعية».

ومنذ وصول تقرير اللجنة الى مكتب الأمين العام تفشت بعض الأخبار التي تفيد باستقالة وكيلة الأمين العام الكندية لويس فورشيت. ويسود الاعتقاد لدى بعض الأوساط الدبلوماسية بأن الطريقة التي صيغ بها ملخص التقرير كان الغرض منها تبرير عدم استقالة فورشيت. وقال مصدر دبلوماسي غربي رفض ذكر اسمه «ان قبول استقالة فورشيت يعني انتقاد انان نفسه». ورفضت الأمم المتحدة حسب قول الناطق الرسمي فريد ايكهارد نشر تقرير اللجنة، غير أن مكتب الأمين العام قرر أن ينشر ملخصا له يقع في 30 صفحة. وجاء نشر الملخص بعد شروع الأمم المتحدة في التحقق باتهامات الرشوة والفساد ضد موظفي الأمم المتحدة الكبار المشرفين على برنامج النفط مقابل الغذاء. يذكر انها المرة الأولى في تاريخ المنظمة الدولية تلجأ فيها طواعية الى الكشف عن محتويات تقرير داخلي. ويرى المراقبون أن الهدف من توقيت نشره هو للايحاء بأن المنظمة الدولية تلتزم الشفافية وكذلك لصرف الاهتمام عن التحقيق الذي باشرت الأمم المتحدة باجرائه بشأن اتهامات الرشاوى والفساد الموجهة الى العاملين في برنامج النفط مقابل الغذاء. وقد وجه التقرير أصابع الاتهام بالتقصير الى الأجهزة المعنية في الأمن وحدد بالتحديد مسؤولين كبار في المنظمة بمن فيهم البرزيلي دي ميللو. وقد حددت اللجنة مجموعة من الممارسات التي كان من الممكن تلافيها، منها أن الأمم المتحدة لم ترسل الى العراق بعثة لتقييم الوضع الأمني في العراق قبل عودة موظفي الأمم المتحدة الى بغداد في الأول من مايو (أيار) الماضي. وأفاد التقرير بأن مجموعة التوجيه اعتمدت مفهوما خاطئا لخطة العمليات المرسلة من الموظف المسؤول عن أمن وسلامة مقر الأمم المتحدة وموظفيها. وخلص التقرير الى نتيجة مفادها «ان منسق الأمن بالأمم المتحدة والموظف المسؤول وفريق الادارة الأمنية في بغداد قد أعماهم الاعتقاد بأن موظفي وتجيهزات الأمم المتحدة لن تصبح هدفا لهجوم برغم التحذيرات الواضحة التي تفيد عكس ذلك». وبين التقرير ان المسؤول الاداري الأول في مكتب الأمم المتحدة للمنسق الانساني في العراق ومدير المبنى فندق «القناة» لم يظهرا أي نية جادة في شراء وتركيب العازل المقاوم للانفجار لتركيبه على زجاج نوافذ فندق القناة جميعها. وكشف التقرير عن تراجع أساسي في موقف الأمم المتحدة التي سارعت بعد الهجوم الى تحميل سلطة التحالف المؤقتة مسؤولية الهجمات الانتحارية كما ورد على لسان الناطق الرسمي ايكهارد. وقد أعقب تصريح ايكهارد تصريح لوزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد أكد فيه ان الولايات المتحدة قدمت عرضا لحماية مقر الأمم المتحدة في بغداد غير أنها رفضت العرض تماما. ويكشف التقرير ان الأمانة العامة قد طلبت من البعثة الأميركية لدى الأمم المتحدة اخلاء وحدة عسكرية أميركية كانت مرابطة عند فندق «القناة» وقال دبلوماسي أميركي «ان الأمم المتحدة حين قررت العودة الى العراق سعت الى ابعاد نفسها بالقدر الممكن عن قوات الاحتلال». وبالرغم من ان المنظمة الدولية قد اعترفت بفشلها في اتخاذ الاجراءات الأمنية، غير انها قد بررت عودتها الى العراق كنتيجة لضغوط أميركية ودولية وقد سارعت في العودة برغم التحذيرات التي وصلت اليها من مكتبها في لارنكا بقبرص ومن الكويت عن الوضع الأمني في العراق.