عملية الفلوجة تحد من التفاؤل الأميركي بتراجع حركة التمرد

TT

بعد ساعات من مقتل 4 مدنيين اميركيين والتمثيل بجثثهم في الفلوجة اول من أمس، وقف جنرال اميركي امام الصحافيين في بغداد بثقة محدودة اتسمت بها كل المؤتمرات الصحافية اليومية حول الموقف العسكري عبر العراق.

وقال البريغادير جنرال مارك كيميت رجل المظلات السابق والمتحدث باسم القيادة العسكرية الاميركية «بالرغم من تصاعد العمليات المحلية، فإن المنطقة عموماً تظل مستقرة، وليس لهذه العمليات سوى تأثير محدود للغاية على قدرة التحالف على الاستمرار في تحقيق التقدم على صعيد السلطة والاقتصاد واستئناف توفير الخدمات الاساسية».

وبعد نحو سنة من مواجهة التمرد فإن القيادة العسكرية الاميركية في العراق، كما الادارة المدنية برئاسة بول بريمر، تبدو متفائلة.

ولكن الى جانب الثقة المعبر عنها علنا، هناك اشارات الى ان الجنرالات الاميركيين ليسوا الان على ثقة تامة مثلما ما كانوا عليه في الاسابيع الماضية. كما ان المشاهد في الفلوجة اول من أمس ـ العراقيون يمثلون بجثث الاميركيين، والجماهير تحييهم ـ تبدو مناسبة للنظرية التي طرحتها القوات المسلحة الاميركية بأن الاصوليين المتطرفين الاسلاميين، وبعضهم غير عراقيين، وليس انصار صدام حسين، هم الذين يقفون بصورة متزايدة خلف العمليات الارهابية. وكانت الفلوجة، الواقعة على بعد 30 ميلا غرب بغداد، مركز التأييد للديكتاتور العراقي المخلوع، والمؤشر على الحرب في العراق.

وقد اصبحت الفلوجة التي كانت هادئة نسبيا في الشهور الماضية، منطقة معارك اساسية مرة اخرى بعدما بعثت القوة الاستكشافية الاولى التابعة لمشاة البحرية (المارينز)، التي حلت محل الفرقة الثانية والثمانين المحمولة جوا، تشكيلات كبيرة من القوات الى المدينة لتحدي المتمردين الذين سيطروا على احياء بأكملها. ويختلف هذا عن سياسة الفرقة المحمولة جوا بترك القضية الامنية في المدينة الى الشرطة العراقية ووحدات الدفاع المدني، وهو ما ادى في الاسبوع الماضي الى عدة معارك قتل فيها ثلاثة من رجال مشاة البحرية على الاقل و30 عراقيا.

والكراهية الواضحة للاميركيين التي ظهرت اول من امس تشير الى ان المدينة لا تزال بؤرة للعنف كما كانت قبل 9 ابريل (نيسان) من العام الماضي، عندما سيطرت القوات الاميركية على بغداد. وبعد مرور اسبوعين على اسقاط صدام حسين، فتحت القوات الاميركية التي كانت تستخدم مدرسة قاعدة لها النار على جماهير غاضبة، ما ادى الى مقتل 17 عراقيا، رداً على اطلاق نار تعرضت له. وادت تلك الواقعة الى سلسلة من الهجمات بحلول منتصف الصيف الماضي شملت المثلث السني بأكمله، وهي منطقة استراتيجية مساحتها مئات الاميال الى الشمال والجنوب والغرب من بغداد.

وبحلول فبراير (شباط) الماضي بدأ الجنرالات الاميركيون في القول ان اسوأ تمرد لانصار صدام قد انتهى، وان قوتهم ضعفت من جراء حملة اميركية واسعة النطاق في اعقاب القبض على الديكتاتور العراقي السابق في 13 ديسمبر (كانون الاول) من العام الماضي. وذكروا ان الغارات الاميركية عبر المثلث السني، اعتمدت اعتمادا كبيرا على معلومات بخصوص بنية خلايا قيادات التمرد تضمنتها وثائق عثر عليها مع صدام. واكد الضباط الاميركيون ان اختراق تلك الخلايا، سمح لهم بعرقلة الهجمات بطريقة فعالة، والحد من نفوذ المتمردين. في الوقت نفسه قال الضباط الكبار العاملون مع الجنرال ريكاردو سانشيز قائد القوات الأميركية في العراق إن أنصار صدام قد حل محلهم بشكل متزايد العدو الأساسي للولايات المتحدة في العراق، وهم الإرهابيون الأصوليون الذين لهم علاقات ضعيفة مع «القاعدة».

ففي 8 فبراير (شباط) الماضي نشر المسؤولون الأميركيون وثيقة أصبحت تُعرف بـ«رسالة الزرقاوي» حث فيها الرجل الذي يعتقدون بأنه مسؤول عن عدة هجمات ضخمة بضمنها هجوم على مقر الأمم المتحدة في بغداد أدى الى مقتل 22 شخصا، قادة «القاعدة» على دعم القيام بهجمات أخرى لاثارة حرب أهلية في العراق وعرقلة التقدم الأميركي نحو إنشاء دولة ذات نظام ديمقراطي غربي في العراق.

لكن أثيرت تساؤلات حول ما إذا كان كاتب الرسالة هو حقا الناشط الأصولي الأردني أبو مصعب الزرقاوي. مع ذلك فإنها قدمت للأميركيين تفسيرا جديدا للحرب. وقالوا إن الرسالة التي عُثر عليها في قرص كومبيوتر حملها مراسل مرتبط بـ«القاعدة»، وهي دليل على أن النزاع في العراق تحول من معركة لإعادة صدام حسين الى الحكم إلى مسرح إقليمي للحرب ضد الإرهاب التي تدور حاليا على مستوى العالم بأكمله. وتحت الحاح هذه الفكرة أصبح الجنرالات والمسؤولون الأميركيون العاملون مع بول بريمر مضطرين لتفسير أي من العناصر التي لا تتماشى مع هذه النظرية. فبينما هم يتهمون الناشطين الأصوليين بأسوأ الهجمات الانتحارية، وبضمنها تلك التي وقعت في بغداد وكربلاء في بداية الشهر الماضي والتي أدت إلى مقتل ما لا يقل عن 190 شخصا، فانهم غير قادرين على تقديم أدلة قوية على أن الأصوليين المتطرفين هم المسؤولون عن هذه الهجمات وليس صدام حسين.

مسؤول اميركي رفيع يتهم الزرقاوي بمسؤوليته عن هجمات بغداد وكربلاء الانتحارية ابلغ الصحافيين بأن مكتب المباحث الفيدرالي الاميركي «إف بي آي» وجد أن مكونات الأحزمة الانتحارية التي استخدمت في تفجيرات يناير (كانون الثاني) الماضي في مدينة أربيل الكردية والتي قتلت أكثر من 100 شخص تتشابه مع تلك التي استخدمت في تفجيرات بغداد وكربلاء الأخيرة. لكنه اعترف بأن ذلك لا يعد دليلا شرعيا قاطعا وأن الشظايا المتشابهة تثبت أن كلا الهجومين قد يكون وراءهما منظم مشترك وليس بالضرورة أن يكون ذلك قد تم من قبل الزرقاوي وأن المهاجمين ليسوا بالضرورة أصوليين متطرفين بدلا من أن يكونوا من أتباع صدام حسين.

كذلك هناك مشكلة أخرى تواجه أولئك الذين يعتقدون أن الإرهابيين الأصوليين الذين لهم روابط مع «القاعدة» هم الذين يشكلون التهديد الرئيسي للقوات الأميركية هو أن هناك عددا قليلا هم من الأجانب بين المعتقلين البالغ عددهم 12 ألف شخص والموجودين في معسكرات منتشرة داخل العراق، وهؤلاء الاجانب قادمون من بلدان مسلمة كثيرة تقع في آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا وهم ناشطون أساسيون داخل «القاعدة» والمنظمات المتواطئة معها في أمكنة أخرى. وظل المسؤولون الأميركيون يقولون إن هناك أقل من 150 محتجزا أجنبيا أما البقية فهم عراقيون. وظلت القيادة العسكرية الأميركية تعلن من وقت إلى آخر عن اعتقال إرهابي أصولي لكنها بعد ذلك تلتزم الصمت بدون أن تقدم أي تفاصيل عنه.

يوم الثلاثاء الماضي وقبل وقوع الهجمات في الفلوجة بدا الجنرال كيميت كأنه قد تراجع إلى حد ما عن التركيز على الناشطين الأصوليين كعدو رئيسي. ففي المؤتمر الصحافي الذي عقده عرض خلاصة عامة حول العمليات، وفيها لمّح إلى أن ما حدث هو اندماج أنصار صدام مع الإرهابيين الأصوليين لخلق تهديد إرهابي مشترك وهذا ما يدفع في كلا الحالين الى أن «نعتبرهم أهدافا».

من جانب آخر أشار العديد من العراقيين الذين جرت مقابلات معهم يوم الأربعاء الماضي، وبينهم مهنيون من الطبقة الوسطى وتجار وعناصر من الجيش السابق، أنه قد تكون الولايات المتحدة في حالة حرب مع أطراف تجاوزت خلافاتها ودفعت باتجاه مقاومة ذات أساس وطني وهذا الوضع سيشكل تحديا كبيرا جديدا للأميركيين في الأشهر والسنوات المقبلة داخل العراق.

* خدمة «نيويورك تايمز»