الكوفة قد تكون نموذجا لعصيانات المستقبل

TT

أصبح مسجد الكوفة الكبير الآن ترسانة كبيرة. فأول من أمس ومع الاعلان عن صدور مذكرة اعتقال ضد مقتدى الصدر، الذي قام بأكبر عصيان مسلح حتى الآن ضد قوات التحالف وانشغل المئات من أنصاره بتحصين المسجد هنا مع أسلحة ثقيلة استعدادا لمواجهة أي هجوم أميركي.

أما الصدر نفسه فقام، قبل الاعلان عن توجهه الى النجف، بتحصين نفسه داخل المسجد ذي الجدران المذهبة رافضا الاستسلام، بينما يقوم رجال ميليشياته بالتجول في الشوارع متخذين مواقع يضعون فيها مدافعهم الرشاشة داخل المسجد وحوله. وعند مدخل الطريق العام باتجاه الشمال نصب الكثير من أتباعه قاذفات «آر بي جي» وهو الطريق الذي يتوقعون قدوم الوحدات الأميركية منه.

وقال أبو مهدي الربيعي آمر جيش الصدر «الطريق الوحيد الذي سيدخل منه الأميركيون إلى المدينة هو الذي يمر فوق أجسادنا، إذا جاءوا لاعتقال قائدنا فإنهم سيؤججون كل العراق».

وتشكل مدينة الكوفة الواقعة على نهر تمتد على جانبيه أشجار النخيل نموذجا لما سيكون المستقبل عليه أمام رجال الشرطة العراقية لمواجهة العصيانات المسلحة وما سيترتب عليه من عجز في مواجهة مثل هذه العصيانات المسلحة التي قد تقع لاحقا. ففي يوم الأحد الماضي وكجزء من تمرد واسع نظمه الصدر قام المئات من رجال ميليشياته بالسيطرة على الكوفة طاردين منها قوات الشرطة العراقية.

ويوم الاثنين الماضي كانت سيارات الشرطة المتميزة بلونيها الأبيض والأزرق تطوف شوارع الكوفة، لكن الذين كانوا فيها هم من أتباع الصدر. وحاليا تم احتلال مراكز الشرطة والمباني الحكومية من قبل أنصار الصدر في المدينة التي فرضوا عليها نسخة متشددة من الإسلام، وقاموا أيضا بتشكيل محاكمهم الدينية وسجونهم الخاصة. والبلدة نفسها خالية اصلا من أي وجود لقوات الاحتلال. صرخ سعيد صدوق، 26 سنة، وهو واحد من أتباع الصدر«الاحتلال انتهى إنها ليست سوى البداية».

وقال المسؤولون الأميركيون الذين اتهموا الصدر بالتحريض على العنف وإطلاق أتباعه المسلحين ضد الوحدات الأميركية، إنهم سيلقون القبض على الصدر حينما يكونون مستعدين تماما لهذه المهمة. وقال دان سينور كبير الناطقين باسم قوات التحالف إنه لن يكون هناك تحذير مسبق لإنجاز ذلك.

ويتخوف الكثير من سكان الكوفة من وقوع مواجهة بين الطرفين. والشوارع ملآى برجال الميليشيا المتحدين علنا لقرارات قوات التحالف بحل الفصائل المسلحة. وفي مطعم للكباب أمام المسجد الكبير قال مساعد الطبيب عادل صاحب، وهو يراقب مرور شاحنة تمر من أمام المطعم وفيها ازدحم عدد من الشبان المسلحين «هذا شيء سيئ. انظر إلى الشباب العاطل عن العمل. المشاكل قادمة. ألا يمكنك أن تشعر بها؟».

تبعد الكوفة عن بغداد حوالي 150 كيلومترا ويسكنها ما يقرب من 110 آلاف شخص وهي أول بلدة عراقية تخرج في سلطة الاحتلال، وتعد مركزا قويا للأفكار الشيعية المحافظة. وظلت خلال سنين قاعدة لعائلة الصدر الدينية، وكان آية الله محمد صادق الصدر والد مقتدى قد قُتل سنة 1999 جنبا إلى جنب مع أكبر أخوي مقتدى، وهذا ما جعل مقتدى يحتل زعامة هذه العائلة بالرغم من أنه لم يتجاوز سن الواحدة والثلاثين.

وعلى الرغم من أن مقتدى الصدر لم يصل إلى مرتبة آية الله الدينية فإن له أتباعا مخلصين. وهذا يعود جزئيا إلى عمره الصغير وجزئيا إلى كونه ناشطا. فبينما يضغط زعماء الدين الشيعة الآخرين باتجاه الاعتدال ظل الصدر يرفض بشكل مكشوف الاحتلال. وأغلِقت جريدته «الحوزة» في الأسبوع الماضي بعد أن اتهمتها السلطات الأميركية بنشر أكاذيب تحرض على العنف. وهذا ما قاد إلى موجة من استعراضات القوة التي توِّجت في المواجهة الدامية التي وقعت يوم الأحد الماضي. وقال العامل فلاح حسين «إنه الوحيد الذي لا يخاف. إنه يرفض الاحتلال كليا ولهذا نحن نحبه».

*خدمة «نيويورك تايمز»