الصحافيون في العراق بين خطي نار: قوات التحالف وخصومها منفذي الهجمات

TT

عندما يصل الى نقطة تفتيش أميركية يشعر أحمد عبد الأمير قاسم، سائق سيارة قناة «العربية» الفضائية التي تتخذ من دبي مقرا لها بالخوف، ويقول ان «الجنود في غاية الخوف دائما. فكل شيء يمكن ان يحدث».

بعد فترة قصيرة من الساعة العاشرة مساء الثامن عشر من مارس (آذار) كان قاسم قد بدأ لتوه الاسترخاء. وقد اوقف سيارته على بعد 100 متر تقريبا من نقطة تفتيش عسكرية أميركية. وكان مراسل القناة علي الخطيب والمصور علي عبد العزيز قد وصلا الى الجنود مشيا على الأقدام للحصول على موافقة لتصوير مشهد هجوم صاروخي على الفندق، وقد رفض الجنود السماح لهما بذلك.

وبعد ان عادا الى السيارة، كما يقول قاسم، استدار استدارة كاملة بسيارته من طراز «كيا» نحو الخط الأدنى الذي يقسم الشارع. وقد ترك مسافة أكبر بينه وبين الجنود الأميركيين عندما لمح بطرف عينه شيئا أبيض غائما. كانت سيارة فولفو بيضاء على الجانب الآخر من الطريق تتجه نحو نقطة التفتيش الأميركية. وبينما كانت سيارة الفولفو تتحرك مسرعة نحو واحدة من عربتي «همفي» الاميركيتين، وجنديان اميركيان يفتحان نيران أسلحتهما، اندفع قاسم في محاولة للابتعاد عن مشهد اطلاق النار ما أمكنه ذلك.

ولكن عندما ضربت رصاصات زجاج سيارته أدرك انها هي الاخرى تتعرض الى هجوم. وانعطف نحو الزاوية معتقدا انهم ربما تجنبوا الاصابة الى ان سقط الخطيب على كتفه بعد دخول رصاصة في رأسه. وعندما نظر الى المقعد الخلفي وجد ان عبد العزيز قد اصيب بجرح في رأسه ايضا.

ذلك الحادث زاد من هوة الارتياب بين الاعلام العربي وسلطة التحالف في العراق. ويقول الصحافيون العرب انهم يواجهون مخاطر أكبر من تلك التي يواجهها زملاؤهم الغربيون لأنهم غالبا ما يكونون بين قوات التحالف والمهاجمين العراقيين، ويمكنهم ان يصلوا الى أماكن يعتبرها الصحافيون الغربيون غير آمنة.

وتشير لجنة حماية الصحافيين الى ان 11 صحافيا، كلهم عرب أو عراقيون، لقوا حتفهم في العراق العام الحالي. ويشكو صحافيو قناة «العربية» ومنافستها الرئيسية قناة «الجزيرة» القطرية من الاعتقالات المتكررة في مواقع الهجمات على القوات الأميركية، حيث الجنود يتهمونهم بالمعرفة المسبقة بالهجمات.

ويقول الصحافيون العرب انهم يحصلون على بعض المعلومات حول الهجمات من السكان المحليين. ويروي أحد العاملين في الاعلام العربي في منطقة المثلث السني انه تلقى مكالمة هاتفية في أحد الأيام من رجل قال له «لقد قمنا للتو بهجوم على عربة همفي» وأعطاه معلومات عن موقع الهجوم. وقد اسرع الى المكان وصور بعض اللقطات، ولكنه اعتقل من جانب الجنود الأميركيين الذين اتهموه بالوصول الى هناك «سريعا» بعد الهجوم. وبعد اطلاق سراحه أرسل الشريط الى بغداد. ولكن المحررين قرروا عدم استخدام الفيلم. وفي ذلك المساء قام مهاجمون محليون بزيارة تهديد الى الصحافي متذمرين من ان هجومهم لم يرد في الانباء. وقد قتل ثلاثة من العاملين في محطة تلفزيون ديالى التي يدعمها الأميركيون من قبل مهاجمين مجهولين يوم الثامن عشر من مارس (آذار) واشتكى صحافيون عاملون في «العربية» و«الجزيرة» من تهديدات مرتكبي الهجمات. ويقول قاسم ان مهاجمين امطروا سيارته بوابل من الرصاص في الفلوجة العام الماضي وأمروا فريق «العربية» بالخروج من المنطقة.

ويضيف انه اعتقل ثلاث مرات من جانب القوات الأميركية خلال الأشهر الثمانية الماضية بينها واحدة دامت تسع ساعات. ومنعت قناة «العربية» من العمل لمدة شهرين في الخريف الماضي في أعقاب غضب أميركي لأن القناة بثت كلمة للرئيس المخلوع صدام حسين دعا فيها الى شن هجمات على التحالف.

ويقول مدير مكتب «العربية» في بغداد وحيد يعقوب «نحن نعرف جيدا القانون والمعايير الصحافية، ونبذل كل ما نستطيع من أجل ان نبقى محايدين ونعرض الحقائق سواء كانت سلبية أو ايجابية. وهذا هو سبب وجودنا هنا». ويقول يعقوب ان المحطة تفكر في الوقت الحالي باتخاذ اجراء قانوني ضد الولايات المتحدة.

وقد كشف تحقيق أميركي في حادث مقتل صحافيي «العربية» نشرت نتائجه الاسبوع الماضي عن ان الجنود الأميركيين المعنيين تصرفوا على نحو ملائم. ويختلف التقرير الأميركي في التفاصيل عن تقرير قاسم. ويقول بيان صحافي عن الحادث ان سيارة الصحافيين ربما كانت على الجانب نفسه من الطريق الذي كانت فيه سيارة الفولفو المهاجمة، وان النيران التي اطلقت على الفولفو أخطأت وضربت صحافيي «العربية».

وأبلغ الجنرال مارك كيميت مؤتمرا صحافيا الأسبوع الماضي ان القوات الأميركية «تصرفت على نحو ملائم في اطار قواعد استخدامها للقوة وقواعد الاشتباك». وعبر عن الأسف على مصرع الصحافيين. وقال «ان التحقيق توصل الى انه لا ضرورة لاتخاذ اجراء آخر ضد أولئك الجنود».

ويمارس الاعلام المحلي تأثيره على عمليات معالجة قوات التحالف للأوضاع. ففي يوم الأحد الماضي أغلقت المداخل المؤدية الى المنطقة الخضراء في بغداد، حيث مقر سلطة التحالف المؤقتة بعد ان دعت مساجد مقربة من رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر الى اضراب عام والى تجمع ميليشياته في العاصمة. ويتجمع انصار الصدر كل يوم تقريبا قرب المنطقة الخضراء منذ الثامن والعشرين من مارس (آذار) الماضي عندما أغلق التحالف صحيفته التي تحمل اسم «الحوزة»، والتي ربما كانت الأكثر عنفا وصخبا في مناهضة الأميركيين من بين ما يقرب من 100 صحيفة في بغداد.

ويحاول الصدر الذي كان شخصية غير ذات أهمية في المشهد العراقي حتى الغزو الأميركي، اقامة قاعدة نفوذ سياسي بوضع نفسه في موضع الخصم للولايات المتحدة والمدافع عن حقوق الشيعة.

ومن المؤكد ان مشاكل التحالف مع الصدر تعود الى فترة تسبق كثيرا اغلاق صحيفته. ولكن قرار الولايات المتحدة اغلاق الصحيفة ساعد انصاره على تصوير انفسهم باعتبارهم ضحايا التحالف.

وقال مسؤولو التحالف انه لم يكن هناك من خيار امامهم سوى اغلاق صحيفة «الحوزة»، مشيرين الى ان ما تنشره يثير العنف ضد القوات الأميركية ويعرض حياة أفرادها الى الخطر. ولكن رد الفعل ساعد على تعزيز موقع الصدر، وقد هاجم تعهد أميركا بحرية الصحافة والديمقراطية في العراق.

وقال إمام مسجد في منطقة الكاظمية في بغداد وهو من الموالين للصدر انه «اذا كان الأميركيون يعتقدون حقا بالحرية ما كان لهم ان يغلقوا صحيفتنا. ان هذا دليل على انهم موجودون هنا من أجل حرماننا من حقوقنا». وقال دان سينور المتحدث باسم التحالف «نحن نؤمن بحرية الصحافة. ولكن اذا ما سمحنا بمرور هذا الأمر من دون اجراء فان اناسا سيموتون قتلا. ان الخطابات الداعية الى اثارة العنف لن نتسامح معها».

* خدمة «كريستيان ساينس مونيتور» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»