أنباء إسرائيلية تتحدث عن بدء صياغة اتفاق إطار للحل الدائم في طابا رغم التصريحات المتشائمة من الطرفين

TT

في الوقت الذي تكثر فيه تصريحات المسؤولين الاسرائيليين المتشائمة حول مفاوضات طابا، وتأكيدهم على ان احتمالات التوصل الى اتفاق قبل موعد الانتخابات الاسرائيلية في 6 فبراير (شباط) المقبل، انتشرت انباء اخرى تقول ان الخبراء المرافقين للمفاوضين بدأوا عمليا في صياغة اتفاق اطار للحل الدائم، وان الطرفين توصلا الى تفاهمات في معظم القضايا الاساسية.

وتشبه هذه الاجواء، ما حدث في طابا المصرية نفسها سنة 1995، اذ كان الاسرائيليون والفلسطينيون يعلنون طول الوقت ان الهوة في الموقف عميقة جدا ويؤكدون ان الاتفاق شبه مستحيل. وفجأة، كشف النقاب عن توصل الطرفين الى تفاهمات. وبعد ساعة، دعوا الصحافيين الى حفل التوقيع على الاتفاق الناجز.

وكان المفاوضون من الطرفين قد واصلوا مباحثاتهم في اجواء ايجابية، امس ايضا، بعد ان انهوا مفاوضات اليوم الثاني (اول من امس) بتناول العشاء معا في فندق اسرائيلي في ايلات. وأبلغ الصحافيون المرافقون ان المتفاوضين رفعوا التكليف في ما بينهم، ولم يعودوا يحضرون جلسات التفاوض بالبدلات الرسمية. وهناك اجماع، لدى كل من تحدث منهم الى وسائل الاعلام، على ان الابحاث لم تكن بمثل هذه الجدية خلال الاشهر الخمسة الماضية، منذ كامب ديفيد. وقال وزير الخارجية الاسرائيلي، شلومو بن عامي، الذي يرأس وفد بلاده، ان الفلسطينيين يتوجهون بايجابية للمفاوضات وبشكل تظاهري.

وقال مسؤول آخر في القدس، ان الانطباع السائد لدى الحكومة الاسرائيلية، ان القيادة الفلسطينية ادركت اخيرا خطورة حدوث تغيير في الحكم في اسرائيل، فأحدثت انعطافا في توجهها نحو المفاوضات. وباتت معنية، لاول مرة خلال الاشهر الخمسة الفائتة، بالتوصل الى اتفاق.

وذكرت صحيفة «هآرتس» الاسرائيلية، امس، في خبر رئيسي في صفحتها الاولى، ان وفدي المفاوضات سيبدآن مساء اليوم صياغة مسودة اتفاق. ونقلت على لسان مسؤول كبير في الوفد الاسرائيلي انه سيكون من الصعب صياغة اتفاق اطار تفصيلي. لكن الطرفين يحاولان ذلك بكل جدية. وإذا لم يفلحا، فانهما سيصوغان مذكرة موقعة توثق فيها «الخطوط العريضة التوجيهية لاتفاق الاطار»، بحيث يتم التفاوض حول تفاصيلها وتحويلها الى معاهدة سلام، بعد الانتخابات الاسرائيلية.

وكان رئيس الحكومة الاسرائيلية، ايهود باراك، قد عاد عن تصريحات سابقة له بأن من شبه المستحيل التوصل الى اتفاق اطار خلال مفاوضات طابا. وقال صباح امس ان الفلسطينيين تأخروا كثيرا في ادراك خطورة الموقف وأضاعوا عدة اشهر ثمينة. وقال ان الوفد المفاوض في طابا يملك مجال مناورة كافيا لانجاح المفاوضات، في حالة نشوء وضع مماثل في الجانب الفلسطيني. وأضاف ان هناك خطوطا حمراء لا يمكن ان يتجاوزها في هذه المفاوضات، هي: اولا ـ عدم العودة الى حدود 1967، وثانيا ـ عدم الاعتراف بحق عودة اللاجئين الى تخوم اسرائيل، وثالثا ـ ابقاء الاماكن اليهودية المقدسة في القدس تحت السيادة الاسرائيلية في كل منطقة الحوض المقدس (حائط المبكى والحي اليهودي ومدينة داود ـ جنوب الحرم المقدس).

وجاءت هذه اللهجة المتشددة لتشكل صدًّا تظاهريا لتحريض اليمين عليه بأنه قدم المزيد من التنازلات، علما بأن شرط عدم العودة الى حدود 1967 يمكن ان يتحقق في حالة اعادة 95% من اراضي الضفة الغربية، وشرط عدم عودة اللاجئين الى تخوم اسرائيل يمكن ان يتحقق في حالة الاتفاق على حرية عودتهم الى دولة فلسطين وعلى عودة 100 الف لاجئ فلسطيني (هناك من يقول 150 الفا) الى داخل الخط الاخضر (اسرائيل ما قبل 1967)، على ان تسمى عودتهم «جمع شمل نابع من اسباب انسانية».

لكن الجديد في التصريح هو توسيع رقعة المنطقة التي يطالب باراك بضمها الى اسرائيل من مدينة القدس. فالفلسطينيون لا يتنازلون عن سيادتهم على القدس الشرقية بالكامل، باستثناء حائط المبكى (البراق) والحي اليهودي.

وذكرت مصادر في القدس امس ان اسرائيل اقترحت نظاما خاصا وفريدا في موضوع الحرم القدسي والحوض المقدس من حوله، وذلك بأن لا تكون سيادة احادية الجانب على المكانين وان تدار الاماكن الاسلامية والمسيحية بأيدي دولة فلسطين واليهودية بأيدي اسرائيل، في حين تشرف على الموضوع هيئة رقابة دولية.

لكن الوزير شلومو بن عامي نفى ان يكون موضوع القدس قد طرح، حتى مساء امس. وقال: «مساء اليوم (امس) فقط نطرح هذا الموضوع للبحث».

اما المفاوض الفلسطيني ياسر عبد ربه، فقال: «رغم الاجواء الجدية والايجابية، فاننا لم نلاحظ بعد تغيرا جوهريا في الموقف الاسرائيلي من القضايا الاساسية. فهم ما زالوا متمسكين بالمبادرة الاميركية ويريدونها قاعدة للتفاوض بينما نحن نفاوض فقط على اساس الشرعية الدولية، القرارين 242 و338 وبضمنهما حل قضية اللاجئين على اساس القرار 194.

وأعلن عبد ربه في حديث مع اذاعة «صوت فلسطين»، رفض الجانب الفلسطيني للانتقاص من حدود 1967. وقال: «لا نمانع في اجراء تبادل حدودي. لكن اي تبادل يجب ان يكون بنفس الكم والكيف، بالقيمة وبالمثل. ولن نقبل اي شيء آخر».

جدير بالذكر ان الحكومة الاسرائيلية قررت ان لا توقع على اي اتفاق يتم التوصل اليه في طابا بشكل نهائي، والتوقيع فقط على اساس الاحرف الاولى، وذلك لكي لا يكون ملزما لاسرائيل، الا بعد الانتخابات، عندما تقره الحكومة الجديدة والكنيست بل وربما الاستفتاء الشعبي.

من جانبه اعرب الدكتور اسامة الباز المستشار السياسي للرئيس المصري عن أمله في أن يتحقق بعض التقدم في المفاوضات الحالية بين اسرائيل والفلسطينيين والجارية في طابا، مشيراً إلى «اننا نعتقد أن من الخطأ ألا يتم ذلك وستكون هناك خطورة على الأمن والاستقرار في المنطقة».

وأشار الباز في حديث للتلفزيون المصري أمس إلى أن احتمالات حدوث تقدم قائمة وسوف تكشف الأيام القليلة القادمة عما إذا كانت هذه الاحتمالات أكبر من الانتكاسة أو عدم حدوث تقدم.

وأوضح أن هناك بصيصاً من الأمل في أن يحدث تقدم كأن يتفق الطرفان على أي شيء معين ولو اعلان مبادئ جديد.

وأكد أنه «من المفيد جداً لنا لكي نستطيع أن نفهم السياسات الاسرائيلية وكيف تمارس السياسات وتتخذ القرارات أن نفهم التركيبة الداخلية في اسرائيل، وهي تركيبة معقدة بالغة التعقيد».

وأشار إلى أنه من هنا جاءت فكرة تنظيم ندوة عربية تتحدث عن النظام الداخلي في اسرائيل وتأثيره على سياستها الداخلية من المجلس المصري للعلاقات الخارجية ومجلس الدراسات العربي الموجود في لندن.

وأوضح الباز أنه «لا يصح أن نفترض أن الاسرائيليين كلهم سواء ولا يصح أن ننطلق من مفهوم أننا ضد اليهود فلسنا ضد أحد ولكننا أمة تقوم على السماحة وعلى احترام التعدد في الأديان».

وأشار الباز إلى «اننا نواجه خصماً ليس بصفته أو ديانته وانما بصفته يمارس سياسات معينة تؤدي إلى الإضرار بالعرب. ونتعامل معه على هذا الأساس».

وأضاف أنه «رغم أن المجتمع الاسرائيلي مجتمع بسيط واليهود فيه لا يتجاوزون 5.3 مليون لكننا نجد فيه تقسيمات بالغة التعقيد، تقسيمات بين اليهود الشرقيين واليهود الغربيين، اليهود المتدينين وغير المتدينين، اليهود الاصلاحيين والأصوليين»، مشيراً إلى أن «كل هذه الأمور تجعلنا نهتم بدراسة تركيبتهم وذلك لكي نفهم السياسات وثانياً لكي نتمكن من ممارسة بعض التأثير على التوجه العام للسياسة في اسرائيل».

وأكد الدكتور أسامة الباز أنه «يجب الاهتمام بالرأي العام في اسرائيل وبالأحزاب في اسرائيل ولكي نستطيع أن نفعل ذلك لا بد أن نفهم طبيعة الأحزاب الموجودة هناك»، موضحاً أن وسائل التأثير على هذا تختلف عن ذاك.

واختتم الباز حديثه قائلاً: انه يجب أن يكون المفهوم عندنا هو أننا لسنا ضد اليهود وأننا لا نسلم بأن كل الاسرائيليين سواء فهناك اسرائيليون معتدلون وهناك اسرائيليون متطرفون ويجب أن يكون واضحاً اننا نفرق بين هؤلاء وهؤلاء.