إدارة بوش عازمة على التشدد في التعامل مع العراق

اعتبرت أن من السابق لأوانه الكشف عن خططها لضمان امتثال صدام حسين للقرارات الدولية

TT

وستيفن لي مايرز * حذرت ادارة الرئيس الأميركي الجديد جورش بوش (الابن) العراق امس من مغبة عدم الالتزام بالقرارات الدولية التي تلزمه إلغاء برامج اسلحته النووية والكيماوية والبيولوجية. بيد ان البيت الابيض اعلن انه من السابق لأوانه الكشف عن الخطوات التي ستتخذها الادارة الجديدة لضمان امتثال بغداد. وردا على تقرير نشر امس وافاد ببناء العراق عدداً من المصانع، طالما دارت الشكوك حول استخدامها لانتاج الاسلحة الكيماوية والبيولوجية، صرح المتحدث الجديد باسم البيت الابيض آري فليتشر قائلا إن «الرئيس (بوش) يتوقع من الرئيس العراقي صدام حسين الالتزام باتفاقاته مع الامم المتحدة، خاصة ما يتعلق منها بازالة اسلحة الدمار الشامل». لكن فليتشر عندما سئل عن الكيفية التي ستساعد بها الادارة الجديدة على استئناف عمليات التفتيش الدولية على مواقع ومصانع الاسلحة المشتبه فيها، رد قائلا «لست على استعداد اليوم لتناول ذلك، ولكننا سنفعل».

وكان بوش والمسؤولون عن الامن القومي الاميركي، ومنهم وزير الخارجية الجديد الجنرال كولن باول ونائب الرئيس ديك تشيني، اللذان واجهها العراق قبل عشر سنوات بصفتيهما من مسؤولي الدفاع الكبار، قد تحدثوا بنبرة شديدة ازاء احتواء الرئيس صدام حسين. ولكن لا يزال من غير الواضح ان كانت في جعبتهم خيارات افضل من التي كانت متاحة للرئيس السابق بيل كلينتون. فقد بدأ الدعم الدولي للتطبيق الشديد للعقوبات بالتراجع، بينما نجح صدام في تخفيف عزلته الدبلوماسية، مما يعقد من اية جهود رامية الى اعادة تطبيقها بقوة، كما اشار الجنرال باول.

وفيما سعى بوش الى الاخذ باستراتيجية اكثر حزما في التعامل مع الرئيس العراقي تشمل استخدام القوة العسكرية، فان الادارة الجديدة قد لا تجد غير بضعة حلفاء يقفون الى جانبها في ذلك، رغم ما يتوفر من دليل على عودة العراق السرية الى انتاج الاسلحة الخطيرة، علما بأنه كان من بين شروط انهاء حرب الخليج عام 1991، موافقة العراق على الغاء برامجه لانتاج الاسلحة النووية والكيماوية والبيولوجية، وكذلك عدم تصنيع الصواريخ طويلة المدى اللازمة لاستخدام تلك الاسلحة.

غير ان العراق ومنذ اواسط عام 1998 اعاق عمليات التفتيش على اسلحته التي يقوم بها خبراء تابعون للامم المتحدة نجحوا في تدمير كميات كبيرة من الاسلحة وكشفوا عن برامج تركيب اسلحة بيولوجية وكيماوية كانت سرية. ويعلق في هذا السياق بورتر غوس، عضو الكونغرس الذي يرأس لجنة الاستخبارات فيه، قائلا «ان هذا التحدي اضخم مما يفكر فيه كثير من الناس».

ومن الواضح ان فرض القيود على برامج صدام حسين للتسلح مسألة تقع في قلب سياسات الحكومة الجديدة. فقد اشار الجنرال باول الاسبوع الماضي الى ان «اداته (صدام حسين) الوحيدة التي يقدر على تخويفنا بها هي برامج اسلحة الدمار الشامل، لهذا سنعتبره دائما المسؤول عن ذلك». وكان بوش ومستشاروه الكبار قد تعهدوا بالعمل على اعادة تنشيط العقوبات الاقتصادية ضد العراق، واقناع حلفائهم المتشككين بجدواها، وايجاد طريقة ما لتجنيب اطفال العراق من حدة وطأتها. وفي هذا السياق شدد ريتشارد باوتشر المتحدث باسم الخارجية امس على ان «الامر الاهم هو الابقاء على العقوبات المهمة التي تمنع العراق او تجعل من الصعب عليه اعادة بناء برامجه للتسلح، خاصة اسلحة الدمار الشامل».

غير ان التشديد في تطبيق العقوبات مسألة تثير تساؤلات حتى عند مستشاري بوش نفسه. اذ يوضح ريتشارد بيرل، مستشار السياسة الخارجية لبوش ابان حملته الانتخابية، ان اعادة تنشيط تطبيق العقوبات على العراق «خطأ... فبعد مرور عشرة اعوام عليها من الواضح انها فشلت فشلا ذريعا». الى جانب ذلك، تدعم الادارة الجديدة ايضا المعارضة العراقية التي تهدف الى اسقاط صدام حسين. اما ادارة كلينتون فقدمت دعما فاترا للمعارضة العراقية. ورغم توقيع كلينتون على قانون صدر عام 1998، يقضي بمنح المعارضة 98 مليون دولار على شكل معدات ومساعدات عسكرية، فإن الادارة لم تقدم منها غير النزر اليسير في نهاية المطاف، ورفضت صراحة تزويد المعارضة بأية اسلحة.

وتحت الضغط، شرع البنتاغون في توفير قدر من التدريب العسكري المباشر لقادة المعارضة العراقية في خريف عام .1999 ومنذ ذلك الحين، قدم البنتاغون دورات دراسية لتسعين من اعضاء المؤتمر الوطني العراقي، منهم 27 شخصا حضروا ندوة حول الشؤون العامة في لندن الصيف الماضي، و43 آخرون ترددوا على دورة دراسية استمرت اسبوعا كاملا حول جرائم الحرب وعقدت في نوفمبر (تشرين الثاني) في معهد الدفاع للدراسات الدولية. وتستمر اعمال التدريب التي لا تشمل المهارات القتالية. وكان كبار القادة العسكريين الاميركيين قد عارضوا منح الجماعات العراقية المعارضة الكثير من الدعم العسكري، محذرين من انها «ضعيفة جدا ومنقسمة على نفسها، ولهذا فانها لا تشكل تهديدا حقيقيا لنظام صدام حسين».

وستلتزم ادارة بوش بقضية المعارضة، حسبما افاد معاونون. اذ اشار بيرل الى «ان ما يدور في اذهاننا الآن اننا سنوضح لصدام والعالم اننا نقف الى جانب تغيير هذا النظام... وسندعم مقاتلي الحرية المستعدين لخوض نزاع طويل الامد». كما ان ادارة بوش لم تتخل تماما عن خيار قصف مواقع الاسلحة المشتبه فيها كخيار اخير تلجأ اليه. اذ اعرب تشيني في حوار في 5 اكتوبر (تشرين الاول) عن «ان صدام حسين ان كان يخطو خطوات باتجاه محاولة اعادة بناء قدراته النووية او اسلحة الدمار الشامل، فحينها سنأخذ في الاعتبار الإقدام على عمل عسكري».

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ «خاص بـ«الشرق الأوسط»