السلطة الفلسطينية تغلق ملف التحقيق في اغتيال مدير التلفزيون

TT

علمت «الشرق الأوسط» ان ملف قضية مقتل هشام مكي منسق هيئة الاذاعة والتلفزيون ورئيس القناة الفضائية الفلسطينية، اغلق وان التحقيق في مقتله توقف او بالاحرى لم يبدأ اصلا رغم الاعلان الرسمي عن تشكيل لجنة تحقيق رباعية من الاجهزة الامنية الرئيسية وهي الشرطة والامن الجنائي والامن الوقائي والمخابرات العامة.

وقالت مصادر امنية وسياسية مطلعة في غزة لـ«الشرق الاوسط»: «ان ملف القضية قيد ضد مجهول».

ويتزامن هذا مع معلومات من نفس المصادر تفيد بانه بالاضافة الى قرار السلطة الفلسطينية التحفظ على جميع اموال مكي وافراد اسرته المنقولة التي تتراوح ما بين 15 و17 مليون دولار حسب مصادر فلسطينية واسرائيلية وكذلك غير المنقولة المتمثلة بعقارات في غزة والقاهرة ولندن، فقد سحبت جوازات السفر من زوجته فايزة الفرا واولاده الخمسة ومنعتهم من مغادرة غزة حتى تنتهي التحقيقات التي تجريها هيئة الرقابة الفلسطينية العامة ووزارتي العدل والمالية. وليس معروفا بعد ان كانت السلطة قد اتخذت اجراءات كي يشمل القرار عقارات مكي في القاهرة ولندن وغيرها من العواصم العالمية.

وتأتي هذه التطورات ربما تجاوبا مع بيان «كتائب شهداء الاقصى» الذي اعلنت فيه مسؤوليتها عن تصفية مكي الذي اتهمته بالفساد المالي والاخلاقي وتنفيذ حكم الشعب فيه. واتهمت «كتائب شهداء الاقصى» السلطة الفلسطينية بعد القيام بواجبها في القضاء على العناصر الفاسدة وهددت بالمزيد من مثل هذه العمليات. وقالت انها انتظرت كثيرا لكن السلطة لم تفعل شيئا.

وأكدت «كتائب شهداء الاقصى» في بيانها «ان مجموعاتنا نفذت حكم الشعب في هشام مكي الذي توهم ان بامكانه استباحة اموال واعراض وكرامة شعب الشهداء والتضحيات دونما حسيب او رقيب شجعه في ذلك صمت الشرفاء وعجز سلطة اوسلو عن ردعه ومحاسبة اولئك المارقين والدهانقة».

وقال بيان الكتائب «ان ذلك دفعنا لاخذ القانون بايدينا لاجتثاث احد السرطانات التي ترعرعت في مستنقع السلطة». وسرت اشاعات في غزة والضفة الغربية ان السلطة الفلسطينية تقف وراء هذا العملية بهدف امتصاص التململ الواضح في الشارع الفلسطيني الذي كما قالت مصادر فلسطينية اخرى «طفح كيله من الفساد في اوساط السلطة والثراء الفاحش الذي يظهر على الكثير من مسؤوليها».

ورغم ان هذه الاشاعات يصعب تأكيدها على الاقل في الوقت الحاضر لكن الشيء المؤكد هو ان «كتائب شهداء الاقصى» هي مجموعة عسكرية تابعة لحركة فتح التي يتزعمها الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات كما اكد مسؤولون في الحركة لـ«الشرق الاوسط». وقالوا ان هذه المجموعة تشكلت بعد انتفاضة الاقصى التي انطلقت في 28 سبتمبر (ايلول) الماضي، وانها أعلنت مسؤوليتها خلال الاشهر الأربعة من عمر الانتفاضة، عن عدد من العمليات العسكرية ضد قوات الاحتلال الاسرائيلي اهمها عملية مستوطنة عوفر على الطريق بين مدينتي رام الله ونابلس في ديسمبر (كانون الأول) الماضي التي قتل فيها جنديان اسرائيليان ومستوطن وجرح عدد آخر.

وتؤكد هذه التطورات امرا مهما حسب هذه المصادر وهو «ان مقتل مكي، لم يكن عملا من فعل المخابرات العامة الاسرائيلية «الشاباك» كما جاء في بيان السلطة الذي نعته فيه، لانه ليس من مصلحة اسرائيل غياب مكي وامثاله وهم كثر».

فاسرائيل كما ذكرت المصادر لم تتردد في اعلان مسؤوليتها عن قتل عدد من كوادر فتح وقادتها الميدانيين امثال حسين عبيات في بيت ساحور في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والدكتور ثابت ثابت امين سر الحركة في طولكرم عشية رأس السنة الميلادية. كذلك صفت عددا من القادة الميدانيين لحركتي حماس والجهاد الاسلامي. وفي مقدمتهم إبراهيم بني عودة القائد العسكري لكتائب عز الدين القسام الذراع العسكري لحركة حماس في نابلس أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وقتلت هشام مكي في وضح نهار يوم الاربعاء الموافق 17 يناير (كانون الثاني) الجاري وامام ابصار العديد من مرتادي فندق بيتش هوتيل، مكان تجمع طبقة الاثرياء الفلسطينيين الواقع على شط غزة في منطقة قريبة من «المنتدى» مقر الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات. وحسب رويات شهود عيان فقد شارك في عملية القتل او التصفية كما يحلو للبعض تسميتها، 3 ملثمين مسلحين وصلوا الى الفندق بسيارة بيضاء. ودخل ثلاثتهم الى الفندق ووقف احدهما حارسا عند المدخل بينما تقدم الاثنان الآخران الى الطاولة التي كان مكي يجلس عليها في انتظار اثنين من اصدقائه، وامطراه بوابل من الرصاص هناك من يقول عشر رصاصات وهناك من يقول ست رصاصات من مسدسين مزودين بكاتمين للصوت. لكن ايا كان العدد فان بعض هذه الرصاصات استقر في قلبه ولم تمهله حتى الوصول الى مستشفى الشفاء الذي لا يبعد كثيرا عن مكان الحادث ولفظ انفاسه وهو في الطريق الى المستشفى. وخرج الملثمون الثلاثة من الفندق بعد ان نفذوا مهمتهم، وهم ليسوا على عجلة من امرهم واستقلوا السيارة ولاذوا بالفرار من دون اي مقاومة من اي طرف كان سواء من حراس مكي الشخصيين او سائق سيارته او من رجال الشرطة وعناصر الامن الذين تعج بهم المنطقة المليئة بالحواجز الأمنية لقربها من مقر الرئيس عرفات.

لم يكن هشام مكي بالشخصية الشعبية في السلطة كما ليس له تاريخ نضالي في صفوف منظمة التحرير الفلسطينية ولم يكن من العائدين الى الضفة الغربية وقطاع غزة بعد توقيع اتفاق اوسلو في سبتمبر (ايلول) 1993، بل كان من سكان القطاع الذي عاد اليه مطلع 1993 من الامارات حيث كان له محل حسب مصادر فلسطينية للتصوير والفيديو. وهناك من يقول انه عمل مع التلفزيون الاردني حيث تأتي خبرته في مجال التلفزيون. وايا كان عمله فهو عندما عاد الى غزة فشل في كل مشاريعه واضطرته الظروف الصعبة للقيام باعمال مختلفة.

وفي عام 1994 اختاره الرئيس عرفات للمشاركة في تأسيس هيئة الاذاعة والتلفزيون الفلسطينية وعينه منسقا لها، وخلال منصبه هذا اسس قناة الفضائية الفلسطينية عام 1999 وعينه الرئيس عرفات رئيسا لها.

ومكي من الاسماء التي وردت في تقرير الرقابة المالية الصادر عن السلطة، المتهمة بالفساد المالي واستغلال النفوذ والسلطة. ويتهم مكي بجمع اموال وثروة طائلة، تقدر حسب المصادر باكثر من 15 مليون دولار الى جانب اسطول من السيارات الفارهة والشقق الراقية المطلة على بحر غزة وعدد من الشقق في احد ضواحي وسط لندن الراقية، في غضون اقل من 7 سنوات. وحسب مصادر اسرائيلية فان السلطة اكتشفت ان رصيده في الداخل بلغ 17 مليون دولار وهذا لا يشمل اي ارصدة في مصارف خارجية ان وجدت. ومكي ليس الوحيد المتورط في وحل الفساد كما ذكر تقرير الرقابة المالية.