سجين عراقي يروي: وضع «الشيطان» مسدسه على صدغي وقال «إنها مجرد ضغطة صغيرة»

امرأة تصرخ «لا أريد تعويضا.. أريد زوجي فقط» وآخرون يعتبرون رحيل القوات الأميركية هو التعويض

TT

كانت هناك، الأحد الماضي، صور فوتوغرافية في مركز حقوق الإنسان ببغداد: أصابع أصيبت سطوحها المحفورة بالالتهاب لزوج سجين; جثة جنرال سابق مات في السنة الماضية حينما كان معتقلا تحت سلطة الأميركيين، وعلى جسمه بدا شق التشريح العدلي منطلقا من فخذه وحتى رقبته. وكانت هناك صور أخرى.

صرخت هادية طه، 45 سنة، والتي لم تر زوجها بدر حسن علي منذ اعتقاله على يد الجنود الأميركيين في يناير الماضي «أنا لا أريد تعويضا ـ أنا أريد زوجي فقط. أنا لا أعرف الاتهامات التي وجِّهت ضده. أنا لا أعرف أي شيء».

ومن المرجح أن تكون هناك صور أخرى مثل تلك التي قُدمت يوم الأحد الماضي في المؤتمر الصحافي الذي نظمته «منظمة حقوق الإنسان في العراق» لمعتقلين سابقين ولعائلات بعض من السجناء الذين يبلغ عددهم بالآلاف والذين هم تحت عهدة الأميركيين. وقد كسب غضبهم مصداقية جديدة بعد نشر الصور التي تظهر سوء المعاملة التي يتلقاها المعتقلون في سجن «أبو غْرَيب» على يد الحراس الأميركيين. ويقول زعماء عراقيون ومسؤولون في منظمات لحقوق الإنسان إنهم ظلوا ولأشهر يشكون للمسؤولين الأميركيين من سوء معاملة السجناء. وقال هؤلاء إن التماساتهم لم تلق أي اهتمام واعترفوا بأنهم لم يسمعوا إلا القليل مما كان يجري داخل السجن حتى بروز الصور التي أظهرت المعتقلين وهم عراة وفوق رؤوسهم وضِعت أغطية وصورة جندية تسحب رجلا عاريا بمقود.

لكن هذه الفضيحة أعطت الآن الشكاوى منبرا جديدا، حيث وعد دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأميركي أثناء استجوابه أمام مجلس الشيوخ في الأسبوع الماضي بتقديم تعويضات للضحايا، وهذا ما حفز الناس على تقديم شكاواهم ـ على الرغم من أنه سيكون صعبا عزل الضحايا عن الانتهازيين.

وأحد أسباب الغضب العارم هنا هو أن الصور من سجن «أبو غريب» بدت كأنها تأكيد لأسوأ ما كان الكثير من العراقيين يظنونه وأكثر مما مر على القليل من الناس، وهذا يتمثل في أن الجنود الأميركيين المعرضين هنا إلى خطر شديد والذين يُشاهَدون عادة وهم يجوبون الشوارع ببنادق مرفوعة إلى أعلى، هم غالبا ما يستخدمون قوة متطرفة ضد العراقيين.

قال ستيوارت فريسنغا المسؤول العامل مع «فرق صانعي السلام المسيحية»: «ظلت السياسة تستند دائما إلى التعامل بخشونة مفرطة» مع السجناء. وهذه المنظمة هي جمعية خيرية كندية ـ أميركية وتقوم حاليا بجمع الشكاوى المتعلقة بسوء معاملة السجناء. أما «منظمة حقوق الإنسان في العراق» التي تشكلت قبل سقوط صدام حسين فتعتبر أكثر الجماعات المعنية بحقوق الإنسان بروزا في العراق، وقال المسؤولون فيها إنهم لم يتسلموا سوى شكويين ضد الجنود الأميركيين وكلتاهما من قبل سجناء سابقين، ومع ذلك يتوقع هؤلاء المسؤولون زيادة عدد الشكاوى بسرعة الآن.

وعلى الرغم من أن الكثير من الشكاوى قد تم الإعلان عنها في المؤتمر الصحافي الذي عقدته هذه المنظمة يوم الأحد الماضي وتتعلق بطرق الاعتقال الشديدة الفظاظة وعدم القدرة على رؤية الأحباء الموجودين في السجن، فإن العديد من الأفراد قالوا إنهم كانوا ضحايا لاعتداءات أكثر خطورة. قال ما لا يقل عن شخصين إن أقاربهما كانوا من بين الذين ماتوا أثناء وجودهم في السجن الذي يحرسه جنود أميركيون.

وأظهر ثلاثة من أبناء اللواء عبد حامد مهاوش صورا لجثة أبيهم أخِذت بعد أن ألقيت في مستشفى ببلدة القائم القريبة من الحدود السورية وهناك جرى لها تشريح عدلي. وصدرت شهادة الوفاة من قبل المستشفى والتي تقول إنه مات بسبب نوبة قلبية خلال التحقيق. لكن الصور تكشف عن آثار جروح على وجهه وساقيه. وتعتبر حالة الجنرال مهاوش، الذي توفي يوم 26 نوفمبر 2003 بعد تشكيه خلال التحقيق من شعوره بالمرض ثم انهار على أثرها، واحدة من 25 حادثة وفاة وقعت داخل العراق وأفغانستان منذ عام 2002، وقال المسؤولون الأميركيون إنهم يجرون تحقيقا بخصوصها.

وقال أحد أبناء اللواء المتوفى حسام، 27 سنة، «هذه الأمور ما زالت تحدث لأناس آخرين في السجن». ويقول المسؤولون العسكريون الأميركيون إن اللواء مهاوش كان يساعد في تمويل المتمردين المعادين للولايات المتحدة، لكن أبناءه أنكروا ذلك قائلين إن الأبناء الأربعة مع قريب آخر قد اعتقلوا دفعة واحدة في بلدة القائم في شهر أكتوبر الماضي، وإن والدهم سلم نفسه بعد عدة أيام.

وقال الأبناء الثلاثة إنهم ضرِبوا وتعرضوا للرجات الكهربائية بمنخاس خاص بالماشية، حيث ظل المحققون يطلبون منهم كشف مكان والدهم وما إذا كان مشاركا في التمرد. وقال الابن قصي إن المحققين أصبحوا خشنين بعد وقوع هجوم ضد الجنود الأميركيين حينما كانوا في منشأة عسكرية تقع في القائم اسمها «قاعدة النمر» وقال له أحد الجنود «نحن سنقوم بإعدامكم جميعا اليوم». وقال إنه أخِذ بعد ذلك إلى غرفة للتحقيق مع جندي يسمي نفسه بـ «الشيطان». وأضاف قصي «كان واقفا أمامي ماسكا مسند الكرسي بيديه ثم قال لي: أخبرني أين أبوك. قلت له: أنا لا أعرف. إنه من المفترض أن يكون في السجن أيضا». ثم جاء ستة جنود وبدأوا بضربه. بعد ذلك أخرج «الشيطان» مسدسا وسحب أقسامه ووضعه عند صدغه قائلا «إنها مجرد ضغطة صغيرة».

بعد سبعة أشهر من التنقل من سجن إلى آخر تم إطلاق سراح الأبناء أخيرا. وقال حسام مهاوش «بعد إطلاق سراحنا ووفاة والدي قالوا: نحن لم نجد أي شيء ضدكم. نحن متأسفون».

كذلك قدم عباس فرحان، 54 سنة، في المؤتمر الصحافي ملفا ضخما يتضمن الكثير من الوثائق بضمنها شهادة وفاة ابنه موسى، 26 سنة. وجاء في الشهادة أنه مات في سجن «أبو غْريب» يوم 14 أبريل نتيجة جرح طلقة بندقية. لكن ذلك كل ما يعرف عن موت ابنه. وقال فرحان «نحن لا نعرف ما حدث على الإطلاق». وأضاف الأب أن موسى الذي يعمل حارسا أمنيا قد تم اعتقاله قبل أسبوعين من وفاته في الأول من أبريل لا بتهمة مهاجمة الأميركيين بل المساعدة في نقل جثة شخص كان صاحب عمله قد قتله. وقال إنه لا يعرف إن كان الحراس الأميركيون كانوا وراء مقتل ابنه لكنه قال إنه لم يندهش للصور التي تكشف حجم القسوة التي مورست ضد المعتقلين في سجن «أبو غريب». وقال إن «ذلك ليس سلوكا غير عادي بالنسبة لهم».

ولم يحضر عبد الرحمن محمد صالح أحد الرجلين اللذين قدما شكوييهما إلى منظمة حقوق الإنسان المؤتمر الصحافي يوم الأحد الماضي. وبرر صالح، 38 سنة، موقفه لأنه يعتقد أن أكثر الناس حضروا المؤتمر من أجل التعويض المالي، بينما الامر بالنسبة له مختلف. فالتعويض عما عاناه من سوء معاملة خلال الأربعة أشهر التي قضاها في السجن السنة الماضية، هو من خلال مغادرة الأميركيين للعراق. وقال في مقابلة جرت معه يوم الأحد الماضي في بغداد إن «مغادرة الاميركيين هي التعويض الوحيد الذي نطلبه».

* خدمة «نيويورك تايمز»