المارينز يعودون إلى الفلوجة.. كقوة سلام هذه المرة

TT

دخلت قوات مشاة البحرية الاميركية يوم اول من امس مدينة الفلوجة، حيث التقى جنرال اميركي القادة المحليين في احدى مناطق المدينة لمدة 25 دقيقة. إلا انه لم يتضح بعد ما اذا كان ما حدث يعتبر تقدما تاريخيا كما وصفته مصادر قوات المارينز، ام ان الامر لا يعدو ان يكون سعيا من الجانب الاميركي لإقرار النظام في بلد غزته الولايات المتحدة لكنها لم تخضعه بصورة كاملة. الامر الواضح ان ما حدث يعتبر تغيرا آخر في مساعي الولايات المتحدة للسيطرة على الاوضاع في العراق، إلا انها آثرت الارتباط هذه المرة بسلطة محلية ربما ينظر اليها البعض باعتبارها شرعية، حتى اذا كانت من بقايا حكم صدام حسين. وفي نفس الوقت تجري مساع مماثلة مع القيادات الشيعية في الجنوب في محاولة لإضعاف التمرد الذي يقوده رجل الدين الشيعي المتشدد مقتدى الصدر. ويأتي دخول القوات الاميركية الى مدينة الفلوجة هذه المرة مختلفا تماما عن النهج الذي اتبعته القوات الاميركية ازاء المدينة الشهر الماضي.

فقد ظلت الفلوجة تحت الحصار العسكري الاميركي منذ 15 ابريل (نيسان) الماضي في اعقاب مقتل اربعة مقاولين اميركيين في كمين والتمثيل بجثثهم، واسفرت معارك الشوارع بعد الحصار الذي تعرضت له الفلوجة الى مقتل المئات من سكانها بالاضافة الى عشرات الجنود الاميركيين. ويلاحظ ان قوات المارينز تخلت في ما يبدو عن المطالب المتشددة التي طرحتها الشهر الماضي بتسليم الجناة واستسلام مقاتلين اجانب كانت تعتقد القوات الاميركية انهم متحصنون في المدينة وتسليم الاسلحة الثقيلة.

وكان الجنرال جيمس ماتيس، قائد الفرقة الاولى لقوات مشاة البحرية، قد ابلغ 14 من شيوخ العشائر المحلية وقادة مدنيين آخرين بأنهم خصصوا مبلغ 40 مليون دولار لإعادة بناء المدينة التي دمرت أجزاء منها خلال القتال الاخير. وتحدث الجنرال ماتيس عن المساعي «لجعل الفلوجة مرة اخرى مدينة عظيمة». يشار الى ان خطة الفوج الذي دخل مدينة الفلوجة مرت بعدة تغييرات، اذ نظر لها المخططون في بادئ الامر على انها استعراض للقوة تصحبه استعدادات اقرب الى الغزو الكامل، فقد كان اسنادا ارضيا مدرعا وغطاء جويا.

وفي وقت لاحق خلال اجتماع استمر ثلاث ساعات بعد ظهر يوم الاحد الماضي تقرر مراجعة الخطة بناء على طلب من المشرف الجديد على المدينة، محمد لطيف، الذي كان يعمل ضابطا في استخبارات الجيش العراقي السابق برتبة عقيد. ويقال ان لطيف عزل من الجيش وأودع السجن من قبل صدام حسين بعد التحاقه بكلية للأركان في بريطانيا.

وكان لطيف قد لعب دورا من خلف الكواليس في المفاوضات مع الجانب الاميركي الى ان جرى تعيين اول جنرال لقيادة قوات الأمن العراقية الجديدة في الفلوجة، هو اللواء جاسم محمد صالح. إلا ان صورته كضابط في عهد الرئيس العراقي المخلوع قادت الى اكتشاف حقيقة انه كان قائدا في الحرس الجمهوري، ليتم استبعاده على وجه السرعة. ويعتقد مراقبون ان الهدف من الشكل الجديد لدخول القوات الاميركية والعراقية المشتركة مدينة الفلوجة يرمي الى تعزيز قبضة لطيف على السلطة بالمدينة التي انتشر رجاله في شوارعها. إلا ان المتاجر في شوارع الفلوجة لا تزال مغلقة ومهجورة، فيما خرج بضعة اشخاص فقط تحلقوا في مجموعات صغيرة لمراقبة ما يجري وهم ينظرون بكآبة الى قافلة القوات الاميركية التي تضم عشر مدرعات ومركبات «همفي» يصاحبها عدد مماثل من شاحنات صغيرة «بيك اب» حملت افراد الشرطة العراقية تتقدمها شاحنة رفع عليها العلم العراقي القديم. لم تتقدم القافلة سوى مسافة محدودة داخل المدينة وتوقفت عند مقر رئيس البلدية ولم تحاول التقدم باتجاه الأحياء التي شهدت قتالا بين المتمردين والقوات الاميركية. علق واحد من جنود قوات مشاة البحرية وهو ينظر من فوق مدفعه الرشاش قائلا: «انهم لا يحبوننا».

وفيما كانت القافلة نفسها محدودة الحجم، فإن وحدة الأمن التابعة للكتيبة الثالثة الاميركية بقيادة المقدم ب. ماكوي كانت مدججة بالسلاح، اذ جرى تمركز كتيبتين كقوات للتدخل السريع للاستعانة بهما في حال نشوب أي مشاكل جديدة، فيما كانت تحلق مقاتلات اميركية وطائرات «بريديتر» الاستطلاعية. جدير بالذكر ان هذه القوات جرى حشدها ليلا وقضى افرادها الليل في منطقة مجاورة قبل التحرك صوب مدينة الفلوجة فجرا. وكان الجنرال ماتيس قد وضع في وقت سابق خطة معركة ضد المتمردين، بيد انه الآن وجد نفسه يلعب دور صانع السلام. وقال الجنرال ماتيس مخاطبا أفراد قوته الذين كانوا يرتدون زيا عسكريا قتاليا كاملا عقب وصول القافلة بسلام الى الفلوجة: «ايها الشباب... التاريخ احيانا يصنع في اماكن صغيرة ومغبرة مثل هذا المكان. اليوم الوضع افضل لأننا لم ندخل في قتال. لم نطلق رصاصة واحدة. لم نأت هنا لكي نقاتل هؤلاء الناس، وإنما جئنا لكي نحررهم».

* خدمة «نيويورك تايمز»