«إف.بي.آي» يختبر موظفين في البنتاغون بجهاز الكشف عن الكذب بحثا عن الشخص الذي نقل إلى الجلبي أسرارا استخبارية تسربت إلى إيران

TT

بدأ خبراء مكتب التحقيقات الفيدرالي الاميركي(اف.بي.آي) باستخدام جهاز «البوليغراف» الخاص بكشف الكذب لاختبار الموظفين المدنيين في وزارة الدفاع في محاولة للكشف عمن قد يكون وراء تسريب معلومات استخباراتية سرية وكبيرة الأهمية الى رئيس جماعة المؤتمر الوطني العراقي احمد الجلبي الذي يُعتقد أنه نقل هذه المعلومات إلى إيران، حسبما افاد مسؤولون أميركيون.

وكانت مستشارة الرئيس الاميركي لشؤون الامن القومي كوندوليزا رايس قد وعدت الكونغرس باجراء تحقيق شامل حول المزاعم القائلة بأن الجلبي المدعوم من قبل البنتاغون قد أخبر إيران بقيام الولايات المتحدة بفك الشيفرة التي تستخدمها في اتصالاتها السرية. وناقشت رايس أول من أمس هذه المزاعم في سلسلة من الاجتماعات التي جرت في مبنى الكونغرس. وفي أحد هذه الاجتماعات قالت رايس للمشرعين إن «أف بي آي» يحقق في القضية، مع تركيز خاص على كشف الشخص الذي قد يكون وراء تزويد الجلبي بمعلومة فك الشيفرة الإيرانية. وقال السيناتور الديمقراطي مارك دايتون «كل الحاضرين في الغرفة أخذوا هذه القضية بشكل شديد الجدية»، أما السيناتور الجمهوري البارز تشاك هايغل فعلق قائلا «نحن بحاجة إلى الحصول على الحقائق. هذه اتهامات خطيرة».

وفي جلسة مغلقة أخرى بمبنى الكونغرس قال مسؤولون من وكالة الأمن القومي إن ذلك كشف المعلومة الى الايرانيين اوقف تدفقا مهما للمعلومات حول إيران فيما تشعر الولايات المتحدة بالقلق حول طموحات إيران النووية ودعمها للمنظمات الارهابية ومساعيها لفرض نفوذ كبير على العراق. وتركز اختبارات الكذب التي يجريها مكتب التحقيقات الفيدرالي أولا على عدد صغير من موظفي البنتاغون الذين يمتلكون الصلاحية للوصول إلى المعلومات التي تم كشفها. وظل مسؤولو الاستخبارات الأميركيون يرددون أن الجلبي قد أخبر ايران بأن الولايات المتحدة قد فكت شيفرات سرية كان جهاز الاستخبارات الإيرانية يستخدمها لنقل رسائل سرية إلى محطاتهم المبثوثة في شتى أنحاء العالم. وقال مسؤول حكومي اميركي كبير أول من أمس إن التحقيق «يركز على شخص موجود في بغداد»، بينما قال مسؤول آخر «حدسي يقول إن مكتب التحقيقات الفيدرالي لديه فكرة جيدة» عن الشخص الذي أعطى الجلبي هذه المعلومة.

من جانبه ظل الجلبي ينكر التهمة. وفي الاسبوع الماضي كشف محامياه عن محتوى رسالة كانا قد بعثا بها إلى جون أشكروفت وزير العدل وروبرت مولر مدير «إف بي آي» كررا فيها إنكار الجلبي للتهمة وطالبا أن تحقق وزارة العدل في التهم التي وجِّهت ضد الجلبي.

وقال المحاميان جون مرخام وكوليت غودمان في الرسالة إن «التهم الموجهة ضد الدكتور الجلبي العامة والخاصة هي كلها ملفقة... نحن نطلب منكم القيام بتحقيق مباشر للعثور على أولئك الذين وراء هذه التهم الكاذبة ومحاسبتهم».

ويسعى مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى إجراء اختبار الكذب على أولئك الذين هم على علم بعملية فك الشفرة ولديهم تعاملات مع الجلبي إما في واشنطن أو في بغداد حسبما قال المسؤولون. ويعتبر فك الشفرة من بين أكثر النشاطات سرية في الدوائر الحكومية ويتم تنفيذها تحت مراقبة مشددة مع تضييق كبير لحلقة الأفراد الذين يعرفون بذلك.

ويقول المسؤولون الحكوميون إنهم بدأوا في التحقيق مع المسؤولين في البنتاغون بعد اطلاعهم على ما قاله الجلبي في بغداد لرئيس محطة بغداد التابعة لدائرة الاستخبارات الإيرانية من أن الولايات المتحدة كانت تقرأ مراسلات الدائرة. وقال المسؤولون الأميركيون إن الجلبي قدم هذه المعلومات للإيرانيين قبل ستة أسابيع، ويبدو أن الهدف من وراء قيام الجلبي بذلك هو لضمان عدم انكشاف نقاشاته السرية مع الإيرانيين للأميركيين. لكن المسؤول الإيراني الذي اتصل به الجلبي في بغداد لم يصدق مباشرة بما قاله له الآخر فقام بإرسال رسالة عبر الكابل إلى طهران ذاكرا فيها تفاصيل حواره مع الجلبي، وقد تم اعتراض تلك الرسالة من قبل الولايات المتحدة حسبما قال المسؤولون الأميركيون. ويجادل الجلبي وأتباعه بأن الاتهامات هي جزء من حملة تقوم بها «سي آي إيه» لتشويه سمعته. أما أولئك الداعمون له من الأميركيين فقد عبروا عن غضبهم من قطع إدارة بوش لعلاقتها بالجلبي ومنظمته. وهم يصرون على أن هذه المبادرة قد تم التحريض عليها من قبل «سي آي إيه».

وتجدر الإشارة إلى أن مسؤولا أميركيا قال في عدد مجلة «تايم» لهذا الأسبوع إن مجلس الأمن القومي الاميركي قد أعد مسودة في أبريل(نيسان) الماضي «لتهميش الجلبي». وقال هذا المسؤول إن مسؤولي البيت الأبيض ووزارة الخارجية و«سي آي إيه» قد انزعجوا من الجلبي لمعارضته إرسال مبعوث الأمم المتحدة الأخضر الإبراهيمي إلى العراق للمساعدة على تشكيل الحكومة العراقية الانتقالية والاعتراض على بعض السياسات الأميركية في بغداد.

وإذا لم يكن الجلبي مركزا لهذا التحقيق فإن مسؤولين كباراً في فرض القانون قالوا إن من الممكن أن يتم التحقيق معه مستقبلا، وقالوا إن القرار في ذلك قد يُترك للحكومة العراقية الجديدة. وكان المؤتمر الوطني العراقي خلال التسعينات جزءا من برنامج إجرائي سري تشرف عليه وكالة الاستخبارات المركزية هدفه زعزعة نظام صدام حسين. لكن الجلبي فقد الحظوة لدى «سي آي إيه» واعتبره المسؤولون الأميركيون آنذاك بأنه شخص غير موثوق به. ونتيجة لذلك قام الجلبي بتكوين تحالف وطيد مع الجمهوريين المحافظين في واشنطن. وحينما تسلم بوش الحكم تم احتضان الجلبي ومنظمته من قبل صانعي السياسات في البنتاغون وبذلك أصبح الأخير نقطة اتصال الجلبي بالحكومة الأميركية. وفي اتصال هاتفي معه اول من امس قال مرخام محامي الجلبي إن موكله أصبح موضع تعليقات متواصلة من مسؤولين أميركيين مع تزايد عدم موافقته على سياسة إدارة بوش فيما يخص مستقبل العراق. مع ذلك قال مرخام إن الجلبي «على استعداد كامل للمجيء إلى الولايات المتحدة والمثول أمام الكونغرس لاستجوابه من قبل موظفي تحقيق شرعيين في هذه القضية».

وقالت كوندوليزا رايس أول من أمس في لقاء أجرته معها فضائية «إيه بي سي» عبر برنامج «صباح الخير أميركا»: «لا أستطيع أن أعلق على قضايا تخص الاستخبارات لكنني أستطيع أن أقول إنه كانت لدينا علاقة مع الجلبي في الماضي وسادها التوتر في الفترة الأخيرة». وكانت قوات أميركية وعراقية قد قامت في الشهر الماضي بمداهمة مقر الجلبي في بغداد وفصلت كومبيوترات عن مقابسها الكهربائية وقلبت الأثاث رأسا على عقب . وقيل إن الغارة هي جزء من تحقيق يجري حول تهم موجهة لمساعدي الجلبي وهذا يشمل مساعدا له متهما بالقيام بعمليات اختطاف وتعذيب ونهب وفساد في العراق. لكن الأمر غير واضح حتى الآن فيما إذا كانت هناك علاقة بين الغارة التي وقعت على مقر وبيت الجلبي والتحقيق الجاري حول احتمال تسريب اسرار إلى إيران.

* خدمة «نيويورك تايمز» و«وواشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»