مسؤولون أميركيون: تقرير سري ينتقد بشدة عمل وكالة الاستخبارات في العراق «عجل» باستقالة تينيت

TT

قال مسؤولون اميركيون ان تقريرا للجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ ينتقد بشدة وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية «سي آي إيه» هو الذي «عجل» باستقالة مدير الوكالة جورج تينيت اول من امس، كما كشف المسؤولون ان تينيت اعتذر في اخر لحظة يوم استقالته، اول من امس، عن عدم حضور جلسة مغلقة لاعضاء مجلس الشيوخ وصفت بانها ستكون «الدفاع الاخير» لتينيت عن نفسه والوكالة قبل ظهور تقرير المجلس، بسبب معرفة مدير الوكالة بأن انتقادات حادة بانتظاره، واعرب مسؤول اميركي عن اعتقاده ان تينيت «وصل الي نقطة مفادها انه ربما يكون من الافضل الا يكون الشخص الذي يواجه ذلك الانتقاد»، ويأتي ذلك فيما اعلن مسؤول اميركي ان مسؤولا كبيرا ثانيا في الـ«سي.آي.ايه» سيقدم استقالته الشهر المقبل، وطالب اعضاء في مجلس الشيوخ بإصلاح واسع لعمل وكالة الاستخبارات المركزية. وقال مسؤولون اميركيون ان تقريرا سريا لمجلس الشيوخ الاميركي ينتقد بشدة عمل الـ«سي آي ايه» حول العراق قد يكون سرع باستقالة مديرها جورج تينيت. وتنتقد هذه الوثيقة الواقعة في 400 صفحة خصوصا معلومات السي آي ايه حول موضوع اسلحة الدمار الشامل العراقية التي كان تأكيد وجودها الذريعة الاساسية وراء التدخل العسكري الاميركي. واوضح مسؤولون اطلعوا على التقرير السري الذي ستنشر نسخة منه قبل نهاية الشهر، ان التقرير ينتقد وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية في عدة مجالات مثل الجمع غير الكامل للمعلومات، والتحليل المنقوص، والمصادر غير الموثوقة. وهي انتقادات شديدة غير مسبوقة تضع سمعة الوكالة على المحك، كما انها تشكك في امكانيات اعتماد الادارة الاميركية على «معلومات» الوكالة لاتخاذ قراراتها السياسية. وقال مسؤول استخباراتي متقاعد اطلع على التقرير انه تضمن «بعض الاشياء التي يصعب الدفاع عنها» و«أخطاء حقيقية في التكليفات والمهام» على نحو لا يبعث على الاطمئنان إزاء صورة أداء اجهزة ووكالات الاستخبارات.

ووصف مسؤول حكومي اخر خارج وكالة الاستخبارات، التقرير الذي اطلع عليه، بقوله «ليس هذا التقرير ما يمكن وصفه بوثيقة متوازنة او تحليلية. انه في غاية الحدة»، وتجدر الاشارة الى ان هذا المسؤول ليس من مؤيدي تينيت. واعلن مسؤول كبير في الاستخبارات الاميركية ان تينيت «لم يقرأ ولم يطلع على التقرير»، مضيفا ان ربط استقالته بهذه الوثيقة «هراء». غير ان مصادر في الكونغرس قالت ان تينيت رفض حضور جلسة استماع امام لجنة مجلس الشيوخ كانت مرتقبة يوم استقالته، اول من امس، بدون اعطاء مؤشرات تدفع على الاعتقاد انه سيستقيل بسبب تقرير مجلس الشيوخ. ومن بين الانتقادات التي احتواها التقرير السري لمجلس الشيوخ، فشل وكالة الاستخبارات المركزية في زرع عناصر استخبارات في حكومة صدام حسين قبل الحرب، وكان مسؤولون استخباريون قد اعترفوا حتى عام 2002 ان وكالات الاستخبارات الاميركية لم يمكنها الا زرع اربعة مرشدين فقط في الحكومة العراقية.

كما انتقد التقرير ايضا اعتماد وكالة الاستخبارات الشديد على الحكومات الاجنبية في الحصول على معلومات استخبارية بشأن العراق، بما في ذلك مصادر لم تجر معها اجهزة الاستخبارات المركزية أي لقاءات، ومشكوك في مصداقيتها. ومن بين هذه المصادر شخصية معروفة باسم «المخادع»، قدمه المؤتمر الوطني العراقي، الذي يقوده احمد الجلبي، الى الاستخبارات الالمانية. و«المخادع» هو الشخص المسؤول عن الادعاء، غير الصحيح، ان العراق يملك مختبرات متنقلة لصناعة الاسلحة البيولوجية.

كما لفت التقرير الانتباه الى «العمل غير الدقيق» و«الاخطاء المعلوماتية» من محللي الوكالة والمسؤولين عن العمليات، بما في ذلك قضايا اشير فيها الى مصدر واحد بأنه مصادر متعددة، والى تجاهل تحذير وصف مصدر استخباري بأنه «مفبرك»، في اشارة خصوصا الى المعلومات التي قدمها ذلك الشخص حول امتلاك مختبرات بيولوجية متنقلة. وكان تينيت قد اعترف في خطاب في شهر فبراير (شباط) الماضي، بصفة عامة، بإهمال المعلومات بخصوص «المفبرك»، الذي ارتبط ايضا بالمؤتمر الوطني العراقي. يذكر ان مسؤولين حكوميين قالوا ان نسخة التقرير التي اطلعت عليها وكالة الاستخبارات المركزية اشتملت فقط على النتائج التي جرى التوصل اليها، وأضافوا ان الجهات المسؤولة تعكف الآن على صياغة نتائج مفصلة بواسطة اللجنة التي تضم في عضويتها نواباً في الكونغرس عن الحزبين الجمهوري والديمقراطي. إلا ان ثلاثة مسؤولين اشاروا الى ان النتائج التي تضمنها التقرير «ستسبب حرجا» لوكالة الاستخبارات المركزية الاميركية، التي كانت تحليلاتها تمثل عنصراً اساسيا وسط التحليلات التي قدمتها عدة وكالات استخباراتية حول امتلاك العراق لأسلحة محظورة. وقال تينيت ان الوكالة تصر على انه «من المبكر» الحكم بأن وكالة الاستخبارات قد ارتكبت اخطاء في تقييم الاوضاع خلال مرحلة ما قبل الحرب، ولكن حتى قبل اعلان تينيت استقالته كان رئيس اللجنة، السيناتور الجمهوري بات روبرتس، قد قال خلال اجتماع لها يوم الخميس انه يعتقد ان وكالات الاستخبارات لا تزال في حالة «إنكار للواقع». فيما قال ريتشارد كير، النائب السابق لمدير وكالة الاستخبارات المركزية والمسؤول عن المراجعة الداخلية لأداء الوكالة، في لقاء اجرته معه «نيويورك تايمز» اول من امس انه لم يطلع على تقرير مجلس الشيوخ، لكنه اعرب عن اعتقاده ان التقرير كان عاملا في اتخاذ تينيت قرار الاستقالة. وقال كير ان انتقادات شديدة وجهت لأداء الوكالة في عدة جوانب من ضمنها هجمات 11 سبتمبر (ايلول) 2001 التي جرى تناولها في تقرير آخر. واشار كير الى ان تقرير لجنة مجلس الشيوخ وهيئة التحقيق في هجمات 11 سبتمبر سينتقد تينيت والوكالة «انتقادا حادا»، واعرب عن اعتقاده ان تينيت «وصل الي نقطة مفادها انه ربما يكون من الافضل الا يكون الشخص الذي يواجه ذلك الانتقاد» وكان الرئيس بوش قد ذكر اول من امس ان تينيت استقال لاسباب شخصية، وقد اكد اخرون، على صلة بتينيت، هذه الرواية، ومن بينهم ديفيد بورن، السناتور الديمقراطي السابق، الذي نفى نفيا قاطعا ان يكون تقرير مجلس الشيوخ المرتقب او ذلك الذي ستصدره هيئة التحقيق في احداث 11 سبتمبر لهما أي صلة بالاستقالة. ولكن تحسبا للتقرير، تبني السناتور روبرتس رئيس لجنة الاستخبارات، اول من امس، لهجة انتقادية جديدة نحو وكالات الاستخبارات التي يشرف عليها تينيت، واوضح روبرتس، الذي كان يتحدث خلال اجتماع افطار «ببساطة اعتقد ان وكالة الاستخبارات في حالة انكار»، وطالب خلال الاجتماع بـ «تفكير جديد» بين وكالات الاستخبارات. وبالرغم من ان روبرتس وزميله في اللجنة السناتور جون روكفلر الرابع امتدحا، في بيان مشترك، تينيت لمساهمته ولكنهما لفتا الانتباه الى المناخ العاصف الذي تواجهه الوكالة.

واضاف البيان «في الوقت الذي يستقيل فيه تينيت خلال فترة من الجدل حول الاحداث التي ادت الى هجمات 11 سبتمبر (ايلول) والى نوعية المعلومات الاستخباراتية السابقة على حرب العراق، فيجب الا نفقد الرؤية البسيطة: لقد خدم جورج تينيت بلاده بكفاءة وشرف خلال اوقات صعبة تطلبت الكثير من الجهد».

الى ذلك، اوضح مسؤول اميركي بارز طلب عدم الكشف عن هويته، ان المدير المساعد لجهاز العمليات في الوكالة جايمس بافيت قرر الاستقالة، وبافيت مسؤول عن العمليات السرية التي تنفذها الوكالة، وقد اتخذ قراره قبل الاعلان عن استقالة مدير الوكالة كما اضاف المسؤول.

ومن ناحيته، قال وزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفيلد امس انه أسف للاستقالة المفاجئة لمدير وكالة الاستخبارات المركزية، ووصفه بأنه «مسؤول يتمتع بمواهب عالية». وقال رامسفيلد في بيان اذيع خلال زيارة لسنغافورة لحضور مؤتمر عن الامن الاسيوي «انني انضم الى الرئيس جورج بوش في الاعراب عن الاسف لقرار تينيت ترك الحكومة وأعرب عن أخلص امنياتي له». واضاف رامسفيلد «تينيت كان يفهم جيدا ان العلاقة بين مدير المخابرات المركزية ووزارة الدفاع هي علاقة حيوية وان نجاح بلدنا في الحرب يتوقف عليها». وكان النقاد في واشنطن عادة يتهمون رامسفيلد بمحاولة نقل مسؤولية الاشراف على المخابرات الى وزارة الدفاع من وكالة الاستخبارات المركزية.

وعلى الصعيد ذاته، دعت مجموعة من اعضاء مجلس الشيوخ النافذين الديمقراطيين والجمهوريين الى «عملية اصلاح واسعة للاستخبارات» بعد استقالة تينيت. واقترح هؤلاء الاعضاء وبينهم الديمقراطيان جون روكفلر وبوب غراهام، والجمهوريان اولمبيا سيمون وترينت لوت مشروع قانون ينص على عملية اصلاح واسعة لاجهزة الاستخبارات التي تواجه انتقادات حادة بسبب تقصيرها في العراق وفي مكافحة الارهاب قبل اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر (ايلول) 2001. ويشغل روكفلر منصب نائب رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ.

ويقضي هذا النص خصوصا باحداث منصب مدير مكلف الاستخبارات الوطنية يرأس وكالات الاستخبارات الـ15 في الولايات المتحدة بما فيها وكالة الاستخبارات المركزية، وسيكلف الشخص الذي يشغل هذا المنصب جزءا كبيرا من العمل الذي يقوم به حاليا مدير وكالة الاستخبارات المركزية لكنه لن يكون ملزما بالادارة اليومية للوكالة.

وقال اعضاء مجلس الشيوخ في بيان ان «هذا التنظيم سيمنح مدير الاستخبارات الوقت اللازم للتأكد من ان وكالة الاستخبارات المركزية تقوم بعملها على افضل وجه ممكن لجمع وتحليل وتوزيع المعلومات». واضافوا «بقرار كهذا يمكننا ان نبدأ الاصلاحات اللازمة للاستخبارات في مرحلة ما بعد سقوط الاتحاد السوفياتي لنواجه تهديد الارهاب غير المنبثق عن الدول».

* خدمة «نيويورك تايمز»